![]() |
الحركة الثقافية والعلمية في عمان منذ ظهور الإسلام ( 1 )
وقام العمانيون في البصرة في القرون الأولى للإسلام بدور بارز وأساسي بين علماء العالم الإسلامي من حيث الانتاج الفكري والاتصال بأنحاء العالم الإسلامي .
الحركة الثقافية والعلمية في عمان منذ ظهور الإسلام : ساهمت عمان في بناء صرح الحضارة الإسلامية طوال عصور التاريخ ، وكان لها نشاط واضح ملموس في مختلف ألوان النشاط البشري في ميادين العلم والسياسة والاقتصاد ، ولا ريب أن أبرز جوانب الحضارة الإسلامية العظيمة هو تدوين العلم ، لأن هذا العمل الجليل حفظ للأمة الإسلامية فكرها ، وكان عاملاً على ازيداد وعيها . والدارس للحضارة الانسانية بعامة يدرك أن الأمة الاسلامية بخاصة كانت ولاتزال في مقدمة الأمم اسهاماً في البحث العلمي والدليل على ذلك المؤلفات العلمية القيمة الكثيرة التي ألفها علماء المسلمين في جميع فنون العلم والمعرفة . ولقد كان لأهل عمان نصيب وافر فيما تركته الأمة الاسلامية من كنوز علمية ، لأن العمانيين اهتموا بالتأليف في وقت مبكر جداً في العهد الاسلامي ، بل من الحق أن نقول انهم أول من اعتنى بالتأليف في علوم الدين واللغة وفي مختلف أنواع العلوم والفنون والآداب ، ونهضوا مع العلماء في سائر ديار الاسلام لارساء قواعد الحضارة الإسلامية الأصليلة ، ولتطوير تلك الحضارة التي غذت العالم أجمع وأمدت العالم كله بالعلم والمعرفة ووسائل النهوض بالحياة وبالفكر البشري وبالانسان عامة . انطلق العمانيون في الفكر والبحث ، ولم تكن هناك حواجز جغرافية أو مذهبية بين العلماء العمانيين وبين سائر علماء ديار الإسلام ، أو بينهم وبين هؤلاء الذين ينتمون إلى بلاد غير إسلامية . وان الباحث في التراث العماني ليعجب من كثرة العلماء والباحثين والمؤلفين العمانيين ، ومن كثرة المصادر التي يشيرون إليها سواء أكانت المصادر عمانية أو غير عمانية ، فضلاً عن استشهادهم دائماً بالقرآن الكريم وبالأحاديث النبوية الشريفة . وقام العمانيون في البصرة في القرون الأولى للإسلام بدور بارز وأساسي بين علماء العالم الإسلامي من حيث الانتاج الفكري والاتصال بأنحاء العالم الإسلامي . وقد شبهوا العلم [بطائر باض بالمدينة وفرخ بالبصرة وطار إلى عمان (1) ] . وتشير كتب المؤرخين والادباء وكتب الطبقات والتراجم إلى كثير من علماء عمان وخطبائها وأدبائها الذين كتبوا وألفوا الكثير من الكتب التي لازال كثير منها باقياً حتى الآن . وقد شمل هذا التأليف ميادين كثيرة نخص منها ميدان الفقه والحديث ، وميدان اللغة والأدب ، وميدان التاريخ والسير ، وفي هذه المجالات ظهرت مدارس متميزة قامت بدور كبير في اثراء الفكر والعلم والثقافة في عمان وفي غير عمان من بلدان العالم الإسلامي . |
الحركة الثقافية والعلمية في عمان منذ ظهور الإسلام ( 2 )
الحركة الثقافية والعلمية في عمان منذ ظهور الإسلام
مدرسة العلوم الدينية العمانية : تدل الآثار الباقية عن علماء المسلمين منذ شروق شمس الإسلام حتى العصر الحديث دلالة قاطعة على أن العمانيين ألفوا في ميدان الفقه والحديث منذ القرن الأول الهجري (السابع الميلادي) مما يدل على أنهم كانوا سباقين في هذا الميدان ، وعلى أن العلم كان راسخاً في عمان منذ فجر الإسلام ، وفيما يلي عرض سريع لأهم المدارس والمؤلفات العمانية عبر القرون المتعاقبة في هذا المجال : ففي القرن الأول الهجري كانت صلة عمان العلمية بالمدينة المنورة قوية وكان معظم أهل المدينة من الأزد يتصلون بأزد عمان في الأنساب ، ولذلك كانت العلاقات والصلات مستمرة بين البلدين ، ونزح الى المدينة كثير من العمانيين ونعموا بصحبة رسوم الله صلى الله عليه وسلم . من هؤلاء الصحابة العمانيين صحار بن العباس العبدي الذي ذكره ابن النديم في كتابه الفهرست ، وذكر أنه له صحبة وأنه روى ثلاثة أحاديث ، كما ذكره ابن حجر في كتابه (الاصابة في تمييز الصحابة) . وقد دون صحار كتاباً في الأمثال ذكر ابن النديم أنه من الكتب الرائدة في فن الأمثال . وفي النصف الثاني من القرن الأول للهجرة ظهرت مدرسة جابر بن زيد الأزدي العماني ، وكانت أول مدرسة نشطة قامت في البصرة حيث نزح إليها العمانيون وتلقوا العلم على يد شيخها الجليل وعادوا الى بلادهم ينشرون العلم والمعرفة والفقه والدين . وقد ولد جابر بن زيد كما هو معروف قبيل نهاية خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بين سنتي 18 و 22 هـ (639 و 642م) في بلدة فرق من ولاية نزوى في عمان . وجابر من ولد عمرو بن اليحمد ، وهي قبيلة من القبائل الازدية البارزة في عمان ، ومنها بنو خروص المشهورون في تاريخ عمان . وكان جابر بن زيد يكنى بابنته (الشعثاء) التي لايزال قبرها معروفاً في فرق الى الآن. وتلقى جابر بن زيد بداية تعليمه في وطنه عمان ، ثم رحل إلى البصرة للاستزادة من العلم والفقه ، وكانت البصرة آنذاك احدى المراكز العلمية الهامة في الدولة الإسلامية ، كما كانت تتصل اتصالا وثيقاً بعمان جغرافياً وثقافياً وبشرياً منذ أن أختطها عتبة بن غزوان في عهد عمر بن الخطاب . وجابر بن زيد كما أشرنا من كبار التابعين ، وكان عبدالله بن العباس ـ أو البحر ـ من أعظم أساتذة جابر ، وكان يفخر بتلميذه الذي تعمق في دراسة القرآن الكريم والحديث الشريف وعلوم الشريعة الإسلامية . كذلك أخذ جابر العلم عن السيدة عائشة أم المؤمنين ، وعن أنس بن مالك ، وعن عبدالله بن عمر بن الخطاب ، وعن غيرهم من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم . |
الحركة الثقافية والعلمية في عمان منذ ظهور الإسلام( 3 )
الحركة الثقافية والعلمية في عمان منذ ظهور الإسلام
وبالرغم من أن أبا الشعثاء قضى حياته العلمية في البصرة وفي عصر سلطان الأمويين ، وحيث كانت يد الحجاج تبطش بكل مناويء لسياسة الدولة ، الا أنه التزم الأصول الإسلامية . وألف جابر موسوعته العلمية النفيسة التي عرفت باسم الديوان أو _ديوان جابر) وذلك في النصف الثاني من القرن الأول الهجري ، وقيل أن عبدالملك بن مروان وبنيه استولوا على (ديوان جابر) وحرموا دراسته ونشره بين الناس ، وروى أن العباسيين حرموا على الناس استنساخه (3) ، وكان هذا الديوان كبير الحجم ، وقد سجل فيه جابر ما سمعه من الصحابة من أحاديث نبوية شريفة ودون فيه آراءه في التفسير والفقه . وفي فترة نفي الحجاج بن يوسف ، الامام أبا الشعثاء الى وطنه عمان ، ولا نتبين من المصادر متى نفي الامام جابر الى عمان ومتى عاد الى البصرة . وتوفي جابر بن زيد في البصرة في سنة 93 هـ (711م) بعد أن انتفع بعلمه الكثيرون الذي حملوا رسالته من بعده (4) ، وعادوا الى أوطانهم منهم الطلبة العمانيون الذين كانوا قد هاجروا الى البصرة للالتحاق بمدرسته أو للانضمام الى مجالس علمه ، فنهلوا من علومه ورجعوا الى بلادهم عملا بقوله تعالى : (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم اذا رجعو اليهم) ، صد الله العظيم ، حيث كان عملهم وسيرهم تنطبق عليه هذه الآية الكريمة ، فقد عادوا الى عمان لنشر العلم وتدريسه فيها فجاءوا بلبنة العلم وشيدوا صروح المعرفة ، أولهم العلامة بشير بن المنذر النزوي من عقر نزوى ويلقب بالشيخ الكبير وهو من بني نافع ، من سامه بن لؤي القرتيني وهو جد بني زياد الموجودين بعمان ، والثاني المنير بن النير الجعلاني الريامي من بني حضرمي الريامي ، والثالث موسى بن أبي جابر الازكوي من بني ضبه نسبه أيضاً من بني سامه بن لؤي ، وكان على رأس العلماء الذين عقدوا البيعة للامام الوارث بن كعب الخروصي ، والرابع محبوب بن الرحيل بن سيف بن هبيرة ويكنى بأبي سفيان وهو من بني مخزوم قرشي عماني ، والخامس محمد بن المعلا الكندي من أهل فسح من وادي السحتن من أعمال الرستاق عرضوا عليه بيعة الامامة فأبى تعففا . ولم يكن صحار العبدي أو جابر بن زيد هما العالمان الوحيدان اللذان كتبا في الفقهفي القرن الأول للهجرة انما كان هناك في ذلك القرن من العمانيين من كتب أيضاً في علوم الفقه والدين . فقد ألف سالم بن زكوان الهلالي رسالة سجل فيها آراءه في الولاية وفي كثير من المسائل الفقهية ، وكان سالم بن زكوان الهلالي من تلاميذ جابر ومن العلماء الثقاة المجتهدين . |
Powered by vBulletin Version 3.5.1
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.