![]() |
بغداد ... يا أخت هارون
بغداد ... يا أخت هارون
يا أختَ "هارون" ... ما أنـْصفتِ هارونا فأنَّ كأسَكِ فاضُ اليوم غِسْـلينا ! يا أخْـتَ "هارونَ" هلا عُـدْتِ ناسكة عذراءَ تـَلبـَسُ من ديباجِ ماضينا ؟ يا أخت "هارون" ما أبقاك بئر دُجىً وكان أمْـسُـكِ شمسـًا في مآقينا ؟ يا أخْتِ "هارون" قدْ جـَفـَّتَ حناجرُنا من الصُراخ وَقدْ ذلتْ صوارينا دالتْ علينا يَدُ الآثامِ وانـْقـَلبتْ صروحُنا .. فأذا راياتـُنا الدُونى فأين منكِ زمانُ كان يَحْسَبُنا فيهِ الطغاة على ظلمِ بَراكِـينا ؟ وأيْنَ عَهْدُكِ بالمجدِ الذي نـَبَضَتْ طيوبُهُ في فم الدنيا تلاحينا ؟ كأننا لم نكنْ حقلا لذي سَغـَبٍ وللعـَدالةِ- في ماضٍ- موازينا ! يا أخْتَ هارون يومي باتَ يُخْجـِلـُني وباتَ يُخْجـِـلُ "منصورًا" و"مأمونـًا" فليْتَ "جَعفـَرَ" لم يَجْعَـلكِ دائرة فـَدْرْتِ فوقَ بنى قومي طـَواحينا ! يا أخْتَ هارونَ هـَلْ نـَرْثي مفاخِرَنا أم المفاخِـرُ والأيامُ تـَرْثينا ؟ أكلَّ عصرٍ يدُ المأساةِ تعصرُنا ويستبيحُ الأسى أبهى مغانينا ؟ نحن الذين غـَرَسْنا في أضالِعِنا سيوفـَنـَا .. وعبثـْـنا في روابينا ! مُسيًّرونَ جموعـًا لا خـَيارَ لها ونـَحْسَبُ القاتلَ المأجورَ حامينا ! رِماحُنا لم تـَنـَلْ إلا أحِـبـَّـتـَنا ونارُنا لم تـَنـَـلْ إلا أهالينا ! يا أخْتَ هارونَ أسْلمْنا ركائِـبَنا عيونـَنا وَمَحضْـناها مَسارينا ! نمشي بها خـَبَبـًا والحزنُ يَزْحَمُـنا وَقدْ نـُطيلُ وقوفـًا خـَوْفَ آتينا ! يا أخْتَ هارونَ يُغْرينا بكمْ وَسَنُ وبالرحيل ِ يَقينُ الصحو يُغرينا ! فما لوجهـِكِ لم تضحك به شفة ُ وكان بالخـَدْرِ الورديِّ يَسْـقينا ؟! سمومًُنا قد شربْـناها بأيْدينا حين اتــَّخذنا سوى دين الهدى دِينا ! وأننا- فرْط َ ما نـَسْعى لِتـْفرقـَةٍ ببعضِنا نـَحْنُ أطمعنا أعادينا ! صناعة الموتِ بَعْضُ من قـَوادِمِنا وَطـَعْـنـَة الخِلِّ بعضُ مِنْ خـَوافينا ! يا أخْتَ هارونَ والمأساة ُ أفدَحُها أنَّ الزَّرازيرَ تـَصْطادُ الشواهينا ! وأننا قد رَأينا دون داجيةٍ مشانقـًا فـَحَسبْناها بساتينا ! يا أخْتَ هارون ألقـَينا هوادِجَنا إلى المقاديرِ .. نـَدْعوها وتـَدْعونا ! فغادَرَتـْـنا إلى قاع مراكبُنا وأصْحَرَتْ منذ أجيالٍ مراسينا ! "عيدٌ بأيةِ حالٍ عُدْتَ" لا وطني بمقلتيَّ ، ولا غـَنـّى مُحـِبّونا ! دَعَوْتُ يومـًا بوَأد "البَعْث" في وطني فـَجـَـلجَـلَ الكونُ- كلّ الكونِ- آمينا ! يا أخْتَ هارونَ أقسى ما نكابـِدُهُ أنَّ الهوى صارَ بعضـًا مِنْ معاصينا ! وَحَسْبـُنا قدْ حَمَـلنا حُبَّـنا نـَسَغـًا فما نعيشُ إذا ماتَ الهوى فينا ! أضحى التـنائي بديلا عن تدانينـًا وعن مكارِمِنا نابَتْ مَخازِينا ! تـَبَغـْدَدَ القهر يا ولادتي فأذا سكينـَة ُ النفس قدْ أضْحَتُ سكاكينا يا أخْتَ هارون قدْ شـُدَّتْ ركائِـبـُنا إلى سواكِ ، وما شدَّتْ أمانينا ! نـَنأى عن الدار .. عن دفء وعافيةٍ وقد غـَدَوْنا- من البلوى- مجانينا ! فيا "سماوة ُ" إن العشق صيّرنا ولادة "تسْـتبي" في الحبِ "زيدونا" وما انـتفاعي بمرآتي وقدْ فـَقـَأتْ يدُ الصبابةِ في المنفى مآقينا ؟ "ولادتي" لـَيْـتـَـنا لم نـَتــَّخذ قـَسَمـًا على الوفاءِ ، وليت الصدقَ يَجْفونا ! "ولادتي" أشراعٌ دون صاريةٍ يُغري الرياح فنأتيكم محيينا ؟ "بـِنـْـتـُم وَبـِنـّا" فلا الأعيادُ تـَطـْرِقـُنا يومـًا ، ولا منكم الأعراس تـَأتينا ؟ مساكنٌ قدْ تركناها على مَضَض ٍ وَقدْ دَخلنا إلى أخرى مَساكينا ! نـَسْـتـَعْطفُ الدَهْرَ أنْ يُزْري بظالمـِنا وأنْ يـَمُنَّ على الأضياف بارينا ! ويا "سَمَاوَة ُ" ليت الكوخ يجمعُنا مع الأحِـبَّـة في بستان ِ شاطينا كلّ به من عذابِ الشوق ِ مذبحة ٌ فهـَـلْ يَـنوبُ لقاءٌ عن تجافينا ؟ حرائقٌ قدْ دَخـَلناها طواعيةٍ بأرْضِنا ، وعلى قـَسْر ٍ مناضينا ؟ ويا "سماوة" قنديلي به عَطش لسحر ليلك لو عادت ليالينا ! بيني وبينك أسرارُ سأفـْضَحُها حينـًا أقومُ ، وأجثـْو باكيـًا حِينا ! إنَّ الذي كان سلوانـًا لذي تـَعَبٍ بقربكم ، صار بعد النفي يُبْـكِـينـًا ! أذلـَّـني منك صمتٌ واسْتبى أملا وأضْرم الذلَّ حتى في قوافينا ! على جبينك من آثامهم وَسَخُ وكان يَطفـَحْ رَيْحانـًا ونسرينا ! فزلزلي الأرض إمّا شِئتِ صدْقَ هوىً ودمري "الكـُفـْرَ" إن شئتِ الهدى دِينا يا أخْتَ هارونَ إنَّ الموتَ يَـقـْرَبْـني فـَهَـلْ مَنـَحْتِ الفتى غـُسْلا وتكفينا ؟ أنا ابنُ حَـقـْلِك .. مُدِّي لي بأرغِفـَةٍ لقد شكرتُ ، طحينـًا كان أوْ طِينا ! مَرابعُ نـَتـَسلـّى في تـَذكـُرِها "يُميتـُنا ذكرُها حينـًا ، ويُحْْيينا" يا أخْتَ هارونَ قـُومِي كيْ يقوم غدٌ عَذبٌ يعيد لنا أحلى تصابينا لا تـُحْسِني الظنَّ فيمنْ جلُّ مطمَحهم "قصرُ الخِلافة" .. أو كانوا مُرابينا مناضلونَ ... ولكنْ في مخادِعِهمْ وناسكونَ- وما كانوا مُصَـلـِّينا سبعونَ حزبـًا .. وكلُّ يدعي حِصصـًا فجاء يحملُ ساطورًا وماعونـًا ! سبعون حزبـًا .. فما أقسى فجيعتـَهُ جـِسْمُ العراق إذا ما صارَ سَبْعينا يحي السماوي شاعر وكاتب عراقي مقيم في أستراليا |
Powered by vBulletin Version 3.5.1
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.