استحباب إهداء الثواب(لابن تيمية)
وسئل الإمام ابن تيمية في موضع من فتاويه ,عما إذا تصل إلى الميت القراءة والصدقة من ناحليه وغيرهم فأجابهم بقوله ج24ص366,367(وأما القراءة والصدقة وغيرهما من أعمال البر فلا نزاع بين علماء السنة والجماعة في وصول ثواب العبادات المالية كالصدقة والعتق كما يصل اليه أيضا الدعاء والإستغفار والصلاة عليه صلاة الجنازة والدعاء عند القبر.وتنازعوا في وصول الأعمال البدنية كالصوم والصلاة والقراءة والصواب أن الجميع يصل إليه.
فقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال (من مات وعليه صيام صام عنه وليه)وثبت أيضا(أنه أمر امرأة ماتت أمها وعليها صوم أن تصوم عن أمها)وفي المسند عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال لعمرو بن العاص (لو أن أباك أسلم فتصدقت عنه أو صمت أو أعتقت عنه نفعه ذلك)وهذا مذهب أحمد وأبي حنيفة وطائفة من أصحاب مالك والشافعي. واما احتجاج بعضهم بقوله تعالى (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى)فيقال له قد ثبت بالسنة المتواترة واجماع الأمة انه يصليَّ عليه ويدعى له ويستغفر له وهذا من سعي غيره وماكان في جوابهم في موارد الإجماع فهو جواب الباقين في موارد النزاع وللناس في ذلك أجوبة متعددة لكن الجواب المحقق في ذلك أن الله تعالى لم يقل أن الإنسان لا ينتفع إلا بسعي نفسه وإنما قال (ليس للإنسان إلا ماسعى)فهو لا يملك إلا مال نفسه ونفع نفسه فمال غيره ونفع غيره هو كذلك للغير ,لكن اذا تبرع له الغير بذلك جاز ,وهكذا اذا تبرع له الغير بسعيه نفعه الله بذلك ,كما ينفعه بدعائه له ,والصدقة عنه وهو ينتفع بكل مايصل إليه من كل مسلم سواء كان من أقاربه أو غيرهم كما ينتفع بصلاة المصلين عليه ودعائهم له عند قبره . وقد سئل الشيخ في موضع آخر ج24ص324,عن قراءة أهل الميت تصل اليه والتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير اذا أهداه إلى الميت يصل اليه ثوابها أم لا؟فأجاب: يصل إلى الميت قراءة أهله وتسبيحهم وتكبيرهم وسائر ذكرهم لله تعالى اذا أهدوه إلى الميت وصل اليه والله اعلم. قال ابن القيم في الروح ص110و111 (..أن الصوم نية محضة وكف النفس عن المفطرات وقد أوصل الله ثوابه إلى الميت فكيف بالقراءة التي هي عمل ونية بل لا تفتقر الى النية فوصول ثواب الصوم إلى الميت فيه تنبيه على وصول سائر الأعمال.)باختصار غير مخل. ) |
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: الأمر الذي كان معروفا بين المسلمين في القرون المفضلة أنهم كانوا يعبدون الله بأنواع العبادات المشروعة فرضها ونفلها من الصلاة والصيام والقراءة والذكر وغير ذلك وكانوا يدعون للمؤمنين والمؤمنات كما امر الله بذلك لأحيائهم وأمواتهم في صلاتهم على الجنازة وعند زيارة القبور وغير ذلك وروي عن طائفة من السلف: عند كل ختمة دعوة مجابة فإذا دعا الرجل عقيب الختم لنفسه ولوالديه ولمشايخه وغيرهم من المؤمنين والمؤمنات كان هذا من الجنس المشروع وكذلك دعاؤه لهم في قيام الليل وغير ذلك من مواطن الإجابة وقد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه أمر بالصدقة عن الموتى من الأعمال الصالحة وكذلك ما جاءت به السنة في الصوم عنهم وبهذا وغيره احتج من قال من العلماء إنه يجوز إهداء ثواب العبادات المالية والبدنية إلى موتى المسلمين كما هو مذهب أحمد وأبي حنيفة وطائفة من أصحاب مالك والشافعي فإذا أهدي لميت ثواب صيام او صلاة أو قراءة جاز ذلك. وقال رحمه الله تعالى أيضا: من اعتقد أن الإنسان لا ينتفع إلا بعمله فقد خرق الإجماع وذلك باطل من وجوه كثيرة: أحدها: ان الإنسان ينتفع بدعاء غيره وهو انتفاع بعمل الغير. ثانيها: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يشفع لأهل الموقف في الحساب ثم لأهل الجنة في دخولها ثم لأهل الكبائر في الخروج من النار وهذا انتفاع بعمل الغير. ثالثها: أن كل نبي وصالح له شفاعة وذلك انتفاع بعمل الغير. رابعها: أن الملائكة يدعون ويستغفرون لمن في الأرض وذلك منفعة بعمل الغير. خامسها: أن الله تعالى يخرج من النار من لم يعمل خيرا قط بمحض رحمته وهذا انتفاع بغير عملهم. سادسها: أن أولاد المؤمنين يدخلون الجنة بعمل آبائهم وذلك انتفاع بمحض عمل الغير. سابعها: قال تعالى في قصة الغلامين اليتيمين (وكان أبوهما صالحا) فانتفعا بصلاح أبيهما وليس هو من سعيهما. ثامنها: أن الميت ينتفع بالصدقة عنه وبالعتق بنص السنة والإجماع وهو من عمل الغير. تاسعها: أن الحج المفروض يسقط عن الميت بحج وليه بنص السنة وهو انتفاع بعمل الغير. عاشرها: أن الحج المنذور أو الصوم المنذور يسقط عن الميت بعمل غيره بنص السنة وهو انتفاع بعمل الغير. حادي عشرها: أن المدين الذي امتنع صلى الله عليه وآله وسلم من الصلاة عليه حتى قضى دينه أبو قتادة وقضى دين الآخر علي بن أبي طالب وانتفع بصلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبردت جلدته بقضاء دينه وهو من عمل الغير. ثاني عشرها: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لمن صلى وحده (ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه )([42]) فقد حصل له فضل الجماعة بفعل الغير. ثالث عشرها: أن الإنسان تبرأ ذمته من ديون الخلق إذا قضاها قاض عنه وذلك انتفاع بعمل الغير. رابع عشرها: أن من عليه تبعات ومظالم إذا حلل منها سقطت عنه وهذا انتفاع بعمل الغير. خامس عشرها: أن الجار الصالح ينفع في المحيا والممات كما جاء في الأثر وهذا انتفاع بعمل الغير. سادس عشرها: أن جليس أهل الذكر يرحم بهم وهو لم يكن منهم ولم يجلس لذلك بل لحاجة عرضت له والأعمال بالنبيات فقد انتفع بعمل غيره. سابع عشرها: الصلاة على الميت والدعاء له في الصلاة انتفاع للميت بصلاة الحي عليه وهو عمل غيره. ثامن عشرها: أن الجمعة تحصل باجتماع العدد وكذلك الجماعة بكثرة العدد وهو انتفاع للبعض بالبعض. تاسع عشرها: أن الله قال لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم ﴿وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم﴾([وقال تعالى ﴿ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات﴾([﴿ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض﴾([) فقد دفع الله تعالى العذاب عن بعض الناس بسبب بعض وذلك انتفاع بعمل الغير. عشرونها: أن صدقة الفطر تجب على الصغير وغيره ممن يمونه الرجل فينتفع بذلك من يخرج عنه ولا سعي له. حادي عشرينها: أن الزكاة تجب في مال الصبي والمجنون ويثاب على ذلك ولا سعي له ومن تأمل العلم وجد من انتفاع الإنسان بما لم يعمله ما لا يكاد يحصى فكيف يجوز أن تتأول الآية على خلاف صريح الكتاب والسنة وإجماع الأمة والمراد بالإنسان العموم([46]). وقال الشيخ ابن القيم في كتاب الروح ما نصه: وقد ذكر عن جماعة من السلف أنهم أوصوا أن يقرأ عند قبورهم وقت الدفن قال عبدالحق: يروى أن عبدالله ابن عمر أمر أن يقرأ عند قبره سورة البقرة وكان الإمام أحمد ينكر ذلك أولا حيث لم يبلغه فيه أثر ثم رجع وقال الخلال في كتاب الجامع : القراءة عند القبور عن عبدالرحمن بن العلاء بن اللجلاج عن أبيه قال: قال أبي إذا أنا مت فضعني في اللحد وقل: بسم الله وعلى سنة رسول الله وسن علي التراب سنا واقرأ عند رأسي بفاتحة البقرة وخاتمتها فإني سمعت عبدالله بن عمر يقول ذلك قال عباس الدوري : سألت أحمد بن حنبل قلت تحفظ في القراءة عند القبر شيئا فقال : لا وسألت يحيى بن معين فحدثني بهذا الحديث قال الخلال: وأخبرني الحسن بن أحمد الوارق حدثني علي بن موسى الحداد وكان صدوقا قال: كنت مع أحمد بن حنبل ومحمد بن قدامة الجوهري في جنازة فلما دفن الميت جلس رجل ضرير يقرأ عند القبر فقال له أحمد: يا هذا إن القراءة عند القبر بدعة فلما خرجا من المقابر قال محمد بن قدامة لأحمد بن حنبل: يا أبا عبدالله ما تقول في مبشر الحلبي؟ قال: ثقة قال: كتبت عنه شيئا؟ قال نعم قال: فأخبرني مبشر عن عبدالرحمن بن اللجلاج عن أبيه أنه أوصى إذا دفن أن يقرأ عند رأسه بفاتحة البقرة وخاتمتها وقال سمعت ابن عمر يوصي بذلك فقال له أحمد: فارجع وقل للرجل يقرأ (وورد مرفوعا في بداية الباب). وذكر الخلال عن الشعبي قال: كانت الأنصار إذا مات لهم الميت اختلفوا إلى قبره يقرؤون عنده القرآن. وعزا رحمه الله وصول ثواب العبادات البدنية للميت كالصلاة والصوم وقراءة القرآن والذكر للإمام أحمد وجمهور السلف وعدم الوصول إلى أهل البدع من علماء الكلام. وقال رحمه الله وصول ثواب العبادات البدنية للميت كالصلاة والصوم وقراءة القرآن والذكر للإمام أحمد وجمهور السلف وعدم الوصول إلى أهل البدع من علماء الكلام. وقال رحمه الله أيضا في جواب عن قوله تعالى : ﴿وأن ليس للإنسان إلا ما سعى﴾([47]). ما لفظه: وقالت طائفة أخرى : القرآن لم ينف انتفاع الرجل بسعي غيره وإنما نفى ملكه لغير سعيه وبين الأمرين من الفرق مالا يخفى([48]) ، وأخبر تعالى أنه لا يملك إلا سعيه وأما سعي غيره فملك لساعيه فإن شاء أن يبذله لغيره وإن شاء أبقاه لنفسه وهو سبحانه لم يقل لا ينتفع إلا بما سعى وكان ابن تيمية يختار هذه الطريقة ويرجحها. وقال رحمه الله في الجواب على شبه المانعين ما نصه: فصل وأما استدلالكم بقوله صلى الله عليه وآله وسلم (إذا مات العبد انقطع عمله)([49]). فالاستدلال ساقط لأنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يقل انقطع انتفاعه وإنما أخبر عن انقطاع عمله وأما عمل غيره فهو لعامله فإن وهبه له فقد وصل إليه ثواب عمل العامل لا ثواب عمله هو فالمنقطع شيء والواصل إليه شيء آخر . وقال رحمه الله أيضا: وأما قراءة القرآن وإهداؤها له تطوعا بغير أجرة فهذا يصل إليه كما يصل ثواب الصوم والحج فإن قيل فهذا لم يكن معروفا في السلف ولا يمكن نقله عن واحد منهم مع شدة حرصهم على الخير ولا ارشدهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليه وقد أرشدهم إلى الدعاء والاستغفار والصدقة والحج والصيام فلو كان ثواب القراءة يصل لأرشدهم إليه ولكانوا يفعلونه: فالجواب أن مورد هذا السؤال إن كان معترفا بوصول ثواب الحج والصيام والدعاء والاستغفار قيل له: ما هذه الخاصية التي منعت وصول ثواب القرآن واقتضت وصول ثواب هذه الأعمال؟ وهل هذا الا تفريق بين المتماثلات؟ وإن لم يعترف بوصول تلك الأشياء إلى الميت فهو محجوج بالكتاب والسنة والإجماع وقواعد الشرع (وقد مرت معنا الأدلة واضحة جلية). ثم إنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يبتدئهم بذلك بل خرج ذلك منه مخرج الجواب لهم فهذا سأله عن الحج عن ميته فأذن له وهذا سأله عن الصيام عنه فأذن له وهذا سأله عن الصدقة فأذن له ولم يمنعهم مما سوى ذلك وأي فرق بين وصول ثواب الصوم الذي هو مجرد نية وإمساك وبين وصول ثواب القراءة والذكر؟ وقال رحمه الله ما نصه: وهذا عمل الناس حتى المنكرين في سائر الأعصار والأمصار من غير نكير من العلماء أهـ. وقال الشيخ الإمام أبو محمد بن قدامة المقدسي في آخر كتاب الجنائز من (المغني) ما نصه: لا بأس بالقراءة عند القبر وقد روى عن أحمد أنه قال: (إذا دخلتم المقابر فاقرؤوا آية الكرسي وثلاث مرات قل هو الله أحد ثم قل : اللهم إن فضله لأهل المقابر). |
Powered by vBulletin Version 3.5.1
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.