طول الأمل
 

روي أن أحد الأنبياء مر على عابد يعبد الله على رأس جبل في وهج الشمس، فقال :يا عبدالله لم لا تصنع لك ظلاً يقيك من الشمس؟ فقال العابد: نعم قد مر علي قبلك نبي فطلبت منه أن يسئل ربه عن قدر بقية عمري فأخبرني أنه قد بقي منه سبعمائة عام فقلت لهذا العمر القليل أصنع ظلالاً! فقال النبي: يا عابد كيف لو ترى أناساً في آخر الزمان أعمارهم لا تزيد على المائة ومع هذا يبنون البيوت من الجص والصخر فقال العابد: لو أتيت في زمانهم لقطعت هذا العمر القليل بسجدة واحدة!

طول الأمل أن يعتقد الانسان بقاءه الى مدة طويلة مع رغبته في جميع توابع البقاء من مال وأهل وغير ذلك . ولو تفكر المرأ المبتلى بهذا وعلم أن الموت ليس له وقت مخصوص من شباب وشيب وشتاء وصيف وحضر وسفر، وإنه ليرى كيف أنه في كل يوم يدفن الناس موتاهم ، ومهم الطفل الصغير والشاب الصحيح والرجل المعافى ولكن أجل الله يأتي بغتة في موعد محدد لا يتقدم ولا يتأخر .
قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم : يهرم ابن آدم ويبقى معه اثنان الحرص وطول الأمل. وقال الامام علي -عليه السلام: اتقوا الله فكم من مؤمل ما لا يبلغه، وجامع ما لا يأكله.

وإنما نهي عن طول الأمل حتى لا يغفل المسلم عن ذكر ربه ولا يتمادى بالمعاصي على أمل أن يتوب مستقبلاً أو أن يسوف عمل الصالحات ورد الحقوق ودفع المظالم الى وقت غير معلوم ، يقول أحدهم:

يا من بدنياه اشتغـل *** قد غـره طول الأمــل
المـوت يأتي بغتـــة *** والقبر صندوق العمل

قال الامام الحسين -عليه السلام-: يا ابن آدم، إنما أنت أيام كلمامضى يوم ذهب بعضك.

ولذلك حث رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- على ذكر الموت وزيارة القبور للعظة والاعتبار فقال " أكثروا من ذكر الموت فإنه يمحص الذنوب ويزهّد في الدنيا"

فترى أن من طمع في الدنيا وأكب عليها نسى الآخرة وترك العمل لها ، نسى ذكر الله فأنساه نفسه ، قال تعالى "ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر ، كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون، كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين ، ثم لتسألن يومئذ عن النعيم"
وما أحسن قول الامام جعفر بن محمد الصادق : اذا أنت حملت جنازة فكن كأنك أنت المحمول وكأنك سألت ربك الرجوع الى الدنيا ففعل ،فانظر ماذا تستأنف .

ذكرتني أخي الكريم بقصيدة لي سميتها " طول الأمل زاد الغبي "
فاقبلها هدية مني:

فراقُ الحياة قضا وقدر
...........وحتمٌ على العبد ما من مفر
فكم من عروس بيوم الزفاف
...........دموع العيون عليها...مطر
وكم من غبيٍّ بنى قصرهُ
...........عسى أن يطول به المستقر
فزال البناء بطرفة عين
.................وليله ما عاد فيه قمر
يظن بأن الحياة تدومُ
..........ولودام يا ذا الحِجى في الزَهَر
شذيُ العطورِ فكن في يقينٍ
.................. بأن إلهك لا لن يذر
فدع دار شرٍّ وخذ خير زادٍ
.............ودم راحلاً حان وقت السفر


مجدي \ الخيمة الأدبية
الحجى يعني العقل

أخي أحمد .. بارك الله فيك ونفع بك ..
عصر الفتن المتلاطمة الذي نعيشه اليوم ، يحتاج إلى مزيد من التذكير بهذه المعاني الراقية .. فلا تكل ، ولا تمل ، ولا تيأس ، ولا تكسل ، ولا تحسب لرأي الناس حساب إذا كنت تعتقد أن ما تقدمه نافع لقلوبهم .. المهم : كيف تقدمه ؟ .. هذا هو السؤال الذي ينبغي أن يشغل بالك ...
تحياتي إليك ودعواتي لك بدوام التوفيق .. والسلام