![]() |
تحـرّي الـرأي الـصـواب 1/4
تحـرّي الـرأي الـصـواب 1/4
الرأي لغةً من الرؤية، وتحصل إما بواسطة العين المبصرة وهو النظر، وإما بواسطة القلب ـ العقل ـ وهو العلم والمعرفة؛ وفي الحالة الأولى يتعدى الفعل لمفعول واحد مثل رأيته رأي العين، وفي الثانية يتعدى لمفعولين مثل رأيت زيداً حليماً، أي علمته حليماً بمعنى رأيي به أنه حليم، وما يعنينا في الموضوع هو المعنى الثاني. وواقع الرأي أنه حكم الإنسان على الأشياء أو الأفعال أو الأفكار، ويتم التوصل إليه عن طريق العقل بعد عملية فكرية، ويعبّر عنه بالقول أو الكتابة أو الإشارة، وهو أي الرأي إنشاء من عند قائله يأتي به من داخل نفسه، فيدل على وجهة نظر قائله أو اعتقاده ومدى فهمه وإدراكه للمسألة أو الموضوع المعين، ولذلك فإن الرأي أمر شخصي لا ينفك عن قائله، فنقول رأي فلان أو رأيي أو رأي الحزب أو رأي الجماعة الفلانية؛ وهو فكر إن كان له واقع في الحس، وهراء إذا لم يكن له واقع في الحس وبُني على أوهام وتخيلات وافتراضات وترّهات لا أساس لها. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وهذا الفكر يتوصل إليه صاحبه من خلال معلوماته وقوة الربط التي وهبها الله له فيكشف عن شخصية قائله وعن عقليته قوة وضعفاً. فإذا ما تكلم الإنسان فسرعان ما تنكشف شخصيته، فإما أن تكون شخصية تافهة ضحلة، خاوية كالبيت الخرب، فارغة كالطبل الأجوف، وإما أن تكون مبدعة عامرة بالمعارف والمعلومات كالبحر الزاخر، لذلك قيل: «مقتل المرء بين فكيه». إن سلطان الفكر على الإنسان لا يفوقه سلطان؛ وهو أشد وأكثر وقعاً من سلطان السيف؛ وهذا آتٍ من كون الفكر هو السلطان إلى العقل الذي رفع به الله الإنسان على سائر مخلوقاته، فبالفكر يسمو الإنسان ويرتفع بين الناس ويصل إلى أعلى مراتب الكمال، وبدونه ينحط لدرك الحيوان. وحين أرسل الله رسوله محمداً r أرسله بالفكر، القرآن والسنة، وحين بعث سائر الأنبياء والرسل خاطبهم عن طريق العقل وأرسلهم بالفكر، وإن كانت معجزاتهم مادية؛ وحين خلق الله آدم ـ الإنسان الأول ـ فضّله على الملائكة بالفكر، فعلَّم آدم عليه السلام من مقومات التفكير ما لم يعلّمه للملائكة، قال تعالى: ]قال يآدمُ أنبئهمْ بأسمائهمْ فلما أنبئهم بأسمائهمْ قالَ أَلم أَقُل لكمْ إِنّي أعلمُ غيبَ السمواتِ والأرضِ وأَعلمُ ما تبدونَ وما كنتمْ تكتمون َ[ الآية، فكان أفضل منهم بأن قدمه عليهم وأسجدهم له. وقد أقام أبو القاسم r دولة الإسلام وكيانه بالفكر، ولم يتمكن المنافقون وأعوانهم من نصارى الغرب واليهود وأعداء الإسلام والمسلمين، لم يتمكنوا من هدم الخـلافة والقضاء عليها، بل وإزالة كل أثر لها، حتى في أذهان الناس إلا بعد أن انحط الفكر وابتعد المسلمون عن إسلامهم، وستقوم الخـلافة الراشدة قريباً بإذن الله على أساس التفكير، فالفكر أولاً وقبل كل شيء، ثم تأتي باقي الأشياء في حياة الإنسان كنتائج له، فيأتي إشباع الغرائز والحاجات المادية والمعنوية والروحية، وبزوال الفكر يزول كل شيء. وتختلف أهمية الرأي باختلاف موضوعه واختلاف قائله، فالرأي في الأفكار الأساسية كالعقيدة مثلاً يختلف أهمية عنه في الأفكار الفرعية؛ والرأي في السياسة يختلف عنه في التاريخ، والرأي في ساحة القتال مع الأعداء يختلف عنه في المناورة العسكرية، وهكذا... والإنسان بطبعه يحرص كل الحرص أن يصل للرأي الصواب في كل ما يفعل من أمور حياته؛ عظيمها ودقيقها، ويزداد حرصه وتزداد أهمية ذلك تبعاً لاختلاف موقعه بين الجماعة التي يعيش فيها؛ إذ إن مسئولية الجندي تختلف عن مسئولية القائد، ومسئولية رئيس الدولة تختلف عن مسئولية عامة الرعية، ومسئولية أمير المؤمنين تختلف عن مسئولية رب الأسرة، فرب الأسرة لا يكاد يتعدى تأثير رأيه أفراد أسرته، بينما تتأثر الأمة بأسرها برأي أمير المؤمنين حين يرعى الشؤون، وقد يمتد التأثير قروناً للأجيال اللاحقة. ورأي المسئول أكثر أهمية ممن هو خارج المسئولية، وصدق الإمام علي كرّم الله وجهه حين قال في إحدى خطبه: «لا رأي لمن لا يطاع»، فبالرأي تُرعى الشؤون وتُساس الأمم وتُقاد الجيوش وتُدار المعارك، وبالرأي يقود أمير الحزب سائر الشباب قيادة فكرية، كما ويسعى الشباب به لقيادة الأمة من أجل نهضتها لاستئناف حياتها الإسلامية وحمل رسالتها إلى العالم. من كل ذلك فإنه من الطبيعي أن يتساءل المرء، خاصة حامل الدعوة، أي حامل الأفكار للناس، يتساءل عن كيفية الوصول إلى الرأي الصواب وأن يسعى ويجدّ كل الجدّ للوصول إلى كل ما من شأنه تحقيق ذلك. فمن أراد صواب الرأي في موضوع أو مسألة من المسائل عليه أن يتحراه في واحد أو أكثر من الأمور التالية: أولاً:ـ استناد الرأي لدليله الصحيح على الوجه الصحيح. ثانياً:ـ مطابقة الرأي للواقع المحسوس. ثالثاً:ـ الشورى، بأخذ رأي الآخرين. رابعاً:ـ الابتعاد عن الهوى. هذه هي الأمور الأربعة التي يلزم ملاحظتها لكل من يبحث عن الرأي الصواب. يتبع أولاً . . . |
السلام عليكم
ليس كل (رأي) مذموم، و(الرأي) عند العرب بمعانٍ متعددة منها (الحكمة) و(التدبير) كقول المتنبي: الرأي قبل شجاعة الشجعان هي أولٌ وهو المحل الثاني فكأني به جاء بالرأي نقيضاً للعاطفة والاندفاع العاطفي. |
اخي البكري
السلام عليكم جزاك الله خيرا |
موضوع مميز نشكر كم عليه ، بارك الله فيكم
ولي عودة الى الموضوع لانه لا يُمر عليه مرورا |
Powered by vBulletin Version 3.5.1
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.