هذيان مقرور ....
 

تجربة شعرية جديدة عجيبة أخوضها لأوّل مرة وأنا أرتجف من قسوة هذا البرد الشّمالي القارس بعد أن فارقت مدينتي الحبيبة عروس البحر الأحمر أسأل الله أن يعتقني من رقّ الشمال ويعيدني أسيراً أغفو في حضنها ويأبى الهجر إلا أن يجد له مكاناً في هذا الهذيان وهأنذا ألقيها بين أيديكم منتظراً آرائكم :

البرد أوقد ناره * ويدي لبعدك ترتجف
ويضمني لفح الهواءِ ودمعتي لمّا تجف

وأقول دثِّرني فنار الحب في قلبي أليمة
لا سترتي تجدي ولا دفء الحكايات القديمه

رباه حيرني فؤادي * قد عصاني في دلالِ
أيطيعها في لغوها * ليذيقني طعن العوالي

وقصيدتي المجنونة الغراء تأبى أن تطيعا
أفقدت ذاكرتي وعدت لتلكمو الذكرى صريعا

أنا لا أناجي الأرض إلا حين بللها المطر
أنا شاعرٌ والشعر يغرقني فلا أجد المفرّ

حدّث عيوني علّها * تنبيك عمّا مسّني
ولعلّ نظّارات عينك * تنتقي ما تجتني

الصبح ليلٌ والهواء عواصفٌ وقّادةُ
دع قلبك المحزون فالأحزان عندك عادةُ

ويح الذين قضوا عليّ وويح من قد دبّروا
دعها وفارقها فإنك يا فؤادي مقفرُ

وجذبت بطّانيتي * فيدي لبعدك ترتجف
البرد أوقد ناره * ودموعه لمّا تجفّ

المعتمد بن عباد

الله الله يا ابن عباد! ما أراك أدفأك إلا الشعر ..
1- تعبير "البرد أوقد ناره" تعبير بليغ .. ولكن هل يخدم المكان الذي وظّف فيه؟ في رأيي: لا . لأن الشطر التالي يقول "ويدي لبعدك ترتجف" ؛ ولذلك ينقطع بالمتلقي الخيط الشعوري من ثاني شطر .
2- تعبير "ويضمني لفح الهواء" جميل لأن لفح الهواء يتسبب بالفعل في أن ينضم الإنسان على نفسه .. لكني الا أحب لفظ "يضمني" فهو لا يناسب المقام ، لأن الشاعر ينادي محبوبه باحثًا عن الضم والتدثير بعد ذلك وكان يجدر به أن يستخدم ما يدل على القسوة أو البعثرة بدلاً من الضم هنا .
3- "فنار الحب في قلبي أليمة" ... مم يريد الشاعر أن يستدفئ إن كانت في قلبه نار؟ إن كان يقصد أن النار الداخلية لا تدفئ وإنما تؤلم فكان ينبغي أن يستخدم حرف عطف قبل "لا سترتي" ليتبين أن البيت الثاني معطوف فلا يصل المعنى كما هو الآن: دثرني فنار الحب في قلبي لا تدفئ وإنما هي مؤلمة فحسب لا تجدي سترتي ولا دفء الحكايات القديمة في التخلص من ألمها !
4- "لا سترتي" بيت جميل حميل .. لأن الشاعر عطف الحسّيّ على المادّيّ فأكسب الأول تشخيصّا رائعًا .
5- "قد عصاني" لا أرى فيها داعيًا لاستخدام قد .. فما هو الشيء الذي يحتاج إلى تأكيد بحجم "قد"؟ إن كان القلب عصى في دلال فهذا شيء بديع إلا أننا سنصدقه بمجرد أن نسمعه .. أليس كذلك؟ (وإلا لاحتاج كل الشعراء أن يكتبوا "قد" و "لقد" و "إنّ" قبل كل معنى لنصدقهم) .
6- جميل أن القصيدة أيضًا رفضت أن يحوّلها الشاعر عن سياق الذكريات ..
7- لا أحب تغيير المخاطب دون سبب بلاغي وجيه .. بعد أن استخدم ضمير المخاطب "بعدك" في البيت الأول يقول "رباه" ثم ها هو يقول "تلكمو".
8- "أنا لا أناجي" والبيت الذي يليه رائعان حقًّا .. ولكن هناك خللاً خفيًّا في الزمن .. الأصوب "أنا لم أناج الأرض إلا حين بللها المطر" أو "أنا لا أناجي الأرض إلا حين يبللها المطر" وسيكون في الأولى موزونًا وليس كذلك في الثانية .
9- جميلة فكرة بيت "ولعل نظارات"
10- جميل جميل "دع قلبك المحزون فالأحزان عندك عادةُ" .
11- "فإنك يا فؤادي مقفر" هل يقصد أن هذا سببٌ كافٍ لألا يفكر فيها أم ماذا؟ لم أستطع أن أصل للمعنى المراد .. أم يقصد أن الفؤاد مقفر من زمن فلم يعد هناك ما يدعو لأن يتذكر؟ لو كان هذا هو المعنى إذن لاستوجب الأمر توضيحًا في التعبير .
12- النهاية نصف الدائرية جميلة ..

حقًّا .. أحسنت يا معتمد .

أخي العزيز الحاوي .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد
كتبت هذه القصيدة هنا بعد تردّد إذ لم أكن أتوقع أن تحوز على إعجاب أحد .
وقد صدق ظني في البداية .. ولكنه خاب حين رأيت اسمك الرائع يعقب على ما كتبته .
أخي الكريم .. لن أردّ ولن أنقض شيئاً ممّا كتبته لأنّك لو رأيت حالي وقت كتابتها في ذلك البرد الشماليّ القارس في غرفة مفتّحة النوافذ وبجسدٍ لم يعرف إلا الحرّ الساحلي والرطوبة الخانقة لعذرتني على كلّ ما صدر منّي .
خاصّةً إذا علمت أن قضيّة التناقض بين الحال التي كنت فيها البرد والبعد، وبين ما أتمنّاه من الدّفء والقرب .
لك يا أخي تحيّاتي .
المعتمد بن عباد

القصيدة بحق رائعة .. تداعيات الأفكار فيها جميلة ..