عرض مشاركة مفردة
  #3  
قديم 16-11-2001, 06:12 AM
سلاف سلاف غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2000
المشاركات: 2,181
إفتراضي

أخي الكريم محمد ت.

أشكر لك اهتمامك ، وإليك مثال يوضح ما قصدت
الأبيات التالية للبهاء زهير:

دعوا الوشاةَ وما قالوا وما نقلوا
...............بيني وبينكم ما ليس ينفصلُ
لكم سرائرُ في قلبي مخبّأةٌ
..........لا الكتْبُ تنفعني فيها ولا الرّسُلُ
رسائلُ الشوقِ عندي لو بعثت بها
.........إليكمُ لم تسعها الطرقُ والسُّـبُلُ
أُمسي وأصبح والأشواق تلعبُ بي
...............كأنّما أنا منها شاربٌ ثمِلُ
وأستلذّ نسيما من دياركمُ
............كأنّ أنفاسه من نشركم قُبَلُ
وكم أحمّل قلبي من محبّتكم
............ما ليس يحمله قلبٌ فيحتملُ

وقد عمدت إلى تغييرها على النحو التالي:
جعلت المطلع
دعوا الوشاةَ وما قالوا وما وهموا
...............بيني وبينكم ما ليس ينفصمُ
ثم أدخلت تعديلات على الأبيات ليكون لها نفس الروي الجديد، محاولا أن تكون المعاني الجديدة والألفاظ والأسلوب أقرب ما يمكن إلى نظيراتها من شعر البهاء.
نأخذ البيت الثاني
لكم سرائرُ في قلبي مخبّأةٌ
..........لا الكتْبُ تنفعني فيها ولا الرّسُلُ

نعدل البيت ليصبح
لكم سرائرُ في قلبي مخبّأةٌ
.............. ما مُجْدِيَيَّ بها القرطاس والقلمُ
ولكني أرى في (مُجْدِيَيَّ) على صحتها اللغوية خروجا عما عرف من سلاسة تراكيب وألفاظ البهاء وكان في ذلك قرينة على التعديل.
فنعدل عن ذلك إلى القول :
لكم سرائرُ في قلبي مخبّأةٌ
..............لا الطِّرْسُ ينفعني فيها ولا القلَمُ

--
رسائلُ الشوقِ عندي لو بعثت بها
.........إليكمُ لم تسعها الطرقُ والسُّـبُلُ

عدلت هذا البيت ليصبح:

رسائلُ الشوقِ عندي لو بعثت بها
.........ألفيت دربكم بالرّسْلِ تزدحمُ

ولكني عدلت عن دربكم بكلمة (سرحتكم) والسرحة فناء الدار، وهذه اللفظة تجعل تمييز التعديل أعسر ذلك أنني اقتبستها من قاموس البهاء في بيت شعر له يقول فيه مادحا:

إلى ملِكٍ في العَينِ يملأُ سرْحةً
.........ويملأ آفاقَ البلاد اهتمامُه

فيصبح البيت:

رسائلُ الشوقِ عندي لو بعثت بها
.........ألفيت سرْحتَكم بالرّسْلِ تزدحمُ
---
أُمسي وأصبح والأشواق تلعبُ بي
...............كأنّما أنا منها شاربٌ ثمِلُ
عدلته ليصبح:
أُمسي وأصبح والأشواق تنهشني
.............كالذئب من نهشه كم قاست الغنَمُ
أو
أمسي وأصبحُ من شوقي على وهَنٍ
......................كأنّني طاعنٌ في سنّه هرِمُ
وأرى البيت الثاني أقرب إلى نفسي من الأول وأفضل صياغة.
---
وأستلذّ نسيما من دياركمُ
............كأنّ أنفاسه من نشركم قُبَلُ
يمكن أن أقول:
وأستلذّ نسيما من دياركمُ
............كأنّ مصدره من نشركم ثَغَمُ
والثغام كما جاء في المحيط للفيروزبادي نبت فارسي واحدته بهاء . انتهى الاقتباس.
لعلها ثغامة، ولكن هل يجوز أن نقول (ثغم) ذلك ما لا لم أستطع التأكد منه، ثم هل رائحة ذلك النبات طيبة، لا أدري.
وللتخلص من الإشكال نعدل البيت كليا ليصبح:

وأستلذ بطيفٍ زارني سحرا
...........كأنّما هو لحمٌ إذ أتى ودَمُ
أو
وأستلذ بطيفٍ زارني سحرا
...........كأنّما هو لحمٌ طائفاً ودَمُ
ونصب طائفا على الحالية أجمل من رفعها على النعتية.
في لفظة (طائف) ما يناسب الطيف -لفظا ومعنى - والسحر أكثر من كلمة (أتى)
---
وكم أحمّل قلبي من محبّتكم
............ما ليس يحمله قلبٌ فيحتملُ
نعدله ليصبح:

وكم أحمّل قلبي من محبّتكم
............حتّى غدت فوقه من حملِه أَكَمُ
والأكَمُ جمع أكمة وهي التل من القف والحجارة

-------
وهكذا تصبح الأبيات المعدلة كالتالي:

دعوا الوشاةَ وما قالوا وما وهموا
.................بيني وبينكم ما ليس ينفصمُ
لكم سرائرُ في قلبي مخبّأةٌ
..............لا الطِّرْسُ ينفعني فيها ولا القلَمُ
رسائلُ الشوقِ عندي لو بعثت بها
............ألفيت سرْحتَكم بالرُّسْلِ تزدحمُ
أمسي وأصبحُ من شوقي على وهَنٍ
...................كأنّني طاعنٌ في سنّه هرِمُ
وأستلذ بطيفٍ زارني سحرا
.................كأنّما هو لحمٌ طائفاً ودَمُ
وكم أحمّل قلبي من محبّتكم
............حتّى غدت فوقه من حمله أَكَمُ
----
والآن لو عرض عليك النصان دون معرفة الشرح الذي توسطهما فالمطلوب أن تميز النص الأصلي من المعدل باستعمال ملكتك الشعرية وذوقك اللغوي.
والتعديل مع التموية فيه كما ترى أمر يتطلب إلماما بالنقد والشعر والنحو وزمن الشاعر ومفرداته ولا يخلو من فائدة ومتعة، كما لا يخلو منهما استعمال هذه العلوم والملَكات في التمييز بينهما.
ويمكنك بعد تعيين النص الأصلي أن تعدله أو تعارضه مع الحفاظ على التشابه على النحو التالي:
دعوا الوشاةَ وما قالوا من العذّلِ
.............فالحبّ ما بيننا مثل النهار جَليِ
لكم سرائر في قلبي مخبّأةٌ
.............ما في كتابٍ لها نفعٌ ولا رُسُلِ
إلخ
الرد مع إقتباس