العودة إلى الأرض (3) .!!
.
.
كانت لحظة عصيبة تلك التي مرت بنسناس ، وكذلك كانت لحظة حاسمة ومهمة ولم يجد أمامه خيار ، فإما الموت داخل المركبة الفضائية انتظاراً لمن سيأتي لإنقاذهم ، وإما محاولة إيجاد فرصة للنجاة وإنقاذ الجميع ، وفعلاً بدأ بالتنفيذ وأمر بإحضار ملابس الفضاء لكي يرتديها وسط دهشة الفرقة ورهبتهم ورفضهم لهذه المغامرة الطائشة والغير محسوبة ، فالبحر خطير ومرعب وجميعهم لا يعرفون ماذا سيقابله حين يخرج من المركبة الفضائية ، ولكن لم تتزعزع الفكرة من رأس نسناس بل وزاد تصميمه على تنفيذها .
فـُـتِـحَ باب الخروج وأنطلق نسناس في مهمته الحيوية ومغامرته الهامة لإنقاذ الجميع وأخرج معه حبل الإنقاذ الذي يربطه بالمركبة الفضائية عند خروجه منها ، وبدأ في إختراق البحر هكذا كيفما كان له وهو يخشى من الماء معتقداً أن الماء سيدخل إليه خاصة وأنه لم يسبق له أن كان في مثل هذا المكان وفي جوف البحر ولم يدرك من قبل ما فيه من أهوال .
وبقي يسبح ويسبح حتى وصل إلى سطح البحر وهو منهك ولم يصدق بالنجاة ورفاقه يتابعون أول بأول ما يحدث له وهم أشد خوفاً منه ورعبا ، ولكن فرحتهم كانت غامرة حين علموا بوصوله لسطح البحر ، وفعلاً أمسك نسناس بالمركب الخشبي وبدأ يرفع رأسه ليرى العالم من جديد ، فما أجمل العودة إلى الحياة من جديد .
( صرخة وفزع ) كانت تلك أول رد فعل لنسناس على ما شاهده حين نظر إلى السماء ، وكانت هذه الصرخة أسرع من تفكيره ، وأبلغ من ردة عقله على الواقع المخيف الذي يراه بعينه ولا يفهمه ولا يفهم أسبابه ، فالسماء لونها مختلف عما عرفه ، ودرجة الحرارة مرتفعة أكثر مما يعرفها ، وسطح البحر ممتلئ بالحطام ، دليل أن هناك تدمير كبير حصل كما انه قام باستطلاع لحالة الجو فوجد ارتفاع ( مخيف ) في معدل الإشعاعات الذرية لذلك أصبح ملزماً بالبقاء داخل بدلته الفضائية ، مما زاد في خوفه .
وهكذا تيقن لنسناس أنه لا يمكن أن تتواجد هذه الصورة إلا لحرب كبيرة ومن سيفعل مثل هذا الدمار ؟ أي مخلوق سيفعل هذا ؟ يبيد الحرث والنسل ويمحو الوجود البشري ، ولكن كيف للقرود أن تفهم معاني الإنسانية ؟ وكيف للقرود أن تفهم حرمة الإنسان في الأديان ؟ وأن من يفعل هذا الفعل الآثم هم المجرمون الصليبيون الحاقدون واليهود الأنجاس وأذنابهم من بني علمان والمنافقين ممن يضنون أنهم من أهل الإسلام وهم أبعد ما يكون عنه ، لذلك أخذ يفكر كثيراً فمعلمه العربي لم يخبره أن هناك أعداء للإسلام وللإنسانية يجب اتخاذ الحذر منهم ، ولكن لماذا لم يعلمه معلمه مثل هذا الدرس ؟ الإجابة لأنه هو نفسه لاهٍ عن هذا الخطر ومنشغل بأمور أخرى عن هذه الحقيقة التي يعرفها الجميع ولا يستعد لها .
صَعُبَ الأمر على نسناس وكيف للقرود أن تفهم حقيقة الإنسان وقصة الأديان ؟ فبعدما أفاق من هذه الصدمة نظر يميناً وشمالاً فلم يجد أمامه سوى هذا المركب الخاوي الخالي الذي ليس فيه أحد ، ولكن وبرباطة جأش قفز على سطح المركب الخشبي وبدأ بربط الحبل بالمركب والبحث عن أي طريقة لمساعدة باقي المجموعة وسحب المركبة الفضائية إلى الأعلى ، وبعد أن تأكد له أنه ليس بمقدوره أن يفعل شيئاً للمركبة الفضائية لم يجد بداً من أن يطلب من باقي المجموعة الصعود إليه بأنفسهم وأن يدعوا الخوف جانباً حتى يتمكنوا من العودة إلى الحياة من جديد ، ولكن أي حياة هذه ؟ وأي مستقبل هذا ؟ وأي مكان سيجده نسناس يصلح لأن تعيش فيه القرود وتتناسل ؟؟ ، وتحكم الأرض ؟؟ .
.
.
|