عرض مشاركة مفردة
  #5  
قديم 16-12-2001, 05:43 PM
mubarrah mubarrah غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2001
المشاركات: 81
إفتراضي الحساب والفقه

في قراءتي لكتب الفقه عانيت معاناة شديدة في تتبع المقاييس والموازين ، ومعرفة ما يقابلها من مكاييل عصرية (غربية) ، فكنت أجد شذرات هنا وهناك في كتب بعض الفقهاء المحدثين ، وكان ذلك بالنسبة لي يشبه الوصول إلى كنز.

وقد مر بنا عيد الفطر ، والذي نحفظه من كتب الفقه عن صدقة الفطر أنها صاع من بر أو تمر.. ، والصاع أربعة أمداد ، والمد حفنة رجل متوسطة. وكنت دائماً أسائل نفسي ألم يكن بالإمكان أن يحفظ لنا صاع قياسي ولو في أحد المتاحف ، وتكال به الأقوات المختلفة ، فإنك إن كلت به تمراً لم يكن كأن تكيل به قمحاً ، أو أرزاً. ثم يحفظ ما يقابله من كيلو جرامات.

وأجدني الآن أسأل نفسي لماذا تحولنا للكيل باللتر دون الصاع ، هل لما في النظام المتري المبني على العد العشري من سهولة؟ وعندها لماذا بقي النظام الانجليزي أو الأمريكي قائماً ، وهو نظام لا قواعد فيه سوى تقليد الأقدمين ، فما معنى الجالون بالنسبة للبرميل ، سوى اتفاق بائعي البترول الأمريكان على مقدار معين.

إن أمريكا لا تزال مصرة على استخدام هذا النظام دون العالم كله ، وهي لا تبالي ، وهي الأمة المنتصرة ، وافقها العالم أم لم يوافقها ، وقد كلفها إصرارها هذا قريباً أن خسرت ما يقارب 13 مليون دولار عندما فقدت مركبة أرسلتها للمريخ ، بسبب فارق الحسابات بين فريقين من العلماء أحدهما يعمل بالنظام المتري والآخر بالأمريكي.

في مثال آخر للضائع من تراثنا كنت قد وجدت في بعض الكتب وصفاً لعقد الأصابع في التشهد بأنه يشبه عاقد ثلاث وسبعين ، أو ثلاث وتسعين ، ورحت أبحث أنا وشيخ لي عالم بالتراث ما يقرب من الساعة حتى وصلنا إلى مفهوم هذه الكلمة. وهذا الوصف يشير إلى طريقة لعقد الصفقات والإشارة للأرقام كانت معروفة ربما تشبه في أيامنا هذه ما يجري في البورصة من إشارات.

وأذكر هنا صديقاً طريفاً كان معي في المدرسة ، وكنا في امتحان للتربية الإسلامية ، فطلب استعارة آلة حاسبة ، فغضب المعلم منه وكاد يطرده من الامتحان ، والحقيقة أن هناك تعلقاً بين الحساب وبين كثيرً من أمور ديننا كتحديد مقدار الزكوات والخراج والمواريث..

وبدلاً من أن تكون هناك مسائل حسابية تربط بين هذين العلمين بما يعين المسلم على أداء فرائضه ، فإننا نتعلم في الحساب كيف نحسب الفوائد البنكية. وكان الشيخ سعيد الطنطاوي حفظه الله مدرساً للرياضيات قديماً في أحد الدول العربية فأبي أن يدرس التلاميذ فصل الفوائد وحساباتها ، وأخبرهم أنها محذوفة باعتبار أنها تتناقض وقوانين تلك الدولة. وهو بإيمانه الثابت لم ينل بسوء من جراء ذلك. لكن لنتخيل لو حصل مثل هذا الآن.

والمثل الذي ضربه الأخ محمد عن لعبة الكريكت ، كنت أجد مثله في دراستي للإحصاء ، فأنا لا أستطيع حل المسائل قبل أن أتعلم قواعد ألعاب القمار كلها.

ملاحظة أخرى تتعلق بالإشارة إلى جهود علماء المسلمين ، فليس مستغرباً أن ينكر الغربيون ، ولكن ما بال مناهجنا ، لا تشير إلى جهود علمائنا ، حتى في النظريات التي مازالت تدرس لليوم مثل قانون ضعف الزاوية ، وقوانين الجيب التي أبتكرها علماؤنا وعلى رأسهم البتاني الرياضي. ففي أحد كتب التفاضل والتكامل في الجامعات الأمريكية هناك نبذة عن حياة أحد علمائهم عند عرض أي نظرية أو مسئلة قدمها.

تمتاز لغة أستاذنا محمد بالصعوبة النسبية ، وهي ناتجة عن التراكيب لا المفردات ، وفي هذه الترجمة فإن اللغة في أولها كانت أسهل من آخرها ، وبشكل عام فإن التقليل من بناء الجمل للمجهول ، كما هي العادة في الكتابة الموضوعية() بالانجليزية ، وإسقاط بعض من التكميلات أو الحشو السائر في الانجليزية كان يمكن أن يجعل منها أكثر سلاسة وسهولة. إضافة إلى تعريب بعض المصطلحات إلى أوزان أسهل ، وإن كان الأمر في الأخير يحتاج إلى مزيد من العناية في اختيار الترجمة ، مما يبرر اختيار أستاذنا لهذه الأوزان.

أخيراً ، فإن الجهد المبذول , والثقافة الواسعة في كل مقال من مقالات الأخ محمد ، أكبر من أن يدركها ثناء ، وإن لم يكن من ردود على مقالاته ، فلأنها أكبر من أن يرد عليها بالكلمة والكلمتين ، وبالفكر السطحي الذي ابتلي به كثير من مثقفينا ، وأنا منهم ، لكني رأيت أن أكتب هذا الرد كنوع من إظهار التجاوب والتفاعل ، حتى يبقى يرفدنا بكل مفيد.

وأقول للأخ محمد أنا أحد الشجعان الستة الذين أفادوا من مقالتك الثرية الجميلة جمالية الجرجاني ، وكلما رأيت مقالآ لك أعد نفسي لوجبة ثقافية وعلمية دسمة ، وفي كل مرة أجدبغيتي في طرح جديد ، بنفس العمق ، والتحليل الناقد ، والاعتزاز الكبير بالأصالة والجذور.
الرد مع إقتباس