التتمة:ـ الجزء الثاني:
والصبر عند الشدائد ، فإن النصر مع الصبر وإن الفرج مع الكرب ، وإن مع العسر يسراً ، كما جاء في الحديث . يخطئ من يظن بالله ظن السوء، فينظر إلى عدد العدو وعدتهم وينسى وعد الله (( كتب الله لأغلبن أنا ورسلي )) (( ومن يتول الله ورسوله فإن حزب الله هم الغالبون )) (( وكان حقاً علينا نصر المؤمنين )) (( إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار )) (( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ))
فهذا الشرط مقابل المشروط: الإيمان والإخلاص والعمل الصالح، ثم النصر والتمكين والاستخلاف، وعد الله لا يخلف الله الميعاد. أيها المجاهدون المرابطون: إنكم والله في حال تغبطون عليه، لا كما يقول المخذلون ممن ينظرون إلى الأمور نظرة مادية بحتة، الذين أرعب قلوبهم وأفزعها ما تبثه الأخبار الغربية وأذنابها من انتصار الأحزاب وفرار المجاهدين وتركهم لمواقعهم في قندهار وقندز وغيرها. فالحروب لا تقاس بالعدد والعدة ولا بالنصر والغلبة فإنه لابد من هذا وهذا، ثم يأتي النصر والتمكين ولو بعد حين.
قال شيخ الإسلام وهو يصف ما حصل في زمانه من تحزب الأحزاب من التتار والمنافقين وغيرهم على المسلمين، قال رحمه الله (( فهذه الفتنة قد تفرق الناس فيها ثلاث فرق: الطائفة المنصورة، وهم المجاهدون لهؤلاء القوم المفسدين. والطائفة المخالفة، وهم هؤلاء القوم ومن تحيز إليهم من خبالة المنتسبين إلى الإسلام. والطائفة المخذلة وهم القاعدون عن جهادهم، وإن كانوا صحيحي الإسلام. فلينظر الرجل أيكون من الطائفة المنصورة أم من الخاذلة أم من المخالفة ؟ فما بقي قسم رابع. واعلموا أن الجهاد فيه خير الدنيا والآخرة، وفي تركه خسارة الدنيا والآخرة. قال الله تعالى في كتابه (( قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين )) يعني: إما النصر والظفر، وإما الشهادة والجنة. فمن عاش من المجاهدين كان كريماً له ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة. ومن مات منهم أو قتل فإلى الجنة. قال النبي صلى الله عليه وسلم (( يعطى الشهيد ست خصال ، يغفر له بأول قطرة من دمه ، ويرى مقعده من الجنة ويكسى حلة من الإيمان ، ويزوج ثنتين وسبعين من الحور العين ، ويوقى فتنة القبر ويؤمن الفزع الأكبر )) رواه أهل السنن . وقال صلى الله عليه وسلم (( إن في الجنة لمائة درجة، ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء والأرض أعدها الله سبحانه وتعالى للمجاهدين في سبيله )). فهذا ارتفاع خمسين ألف سنة في الجنة لأهل الجهاد ….)) إلى أن قال شيخ الإسلام (( وكذلك اتفق العلماء – فيما أعلم – على أنه ليس في التطوعات أفضل من الجهاد، فهو أفضل من الحج، وأفضل من الصوم التطوع وأفضل من الصلاة التطوع. والمرابطة في سبيل الله أفضل من المجاورة بمكة والمدينة وبيت المقدس، حتى قال أبو هريرة رضي الله عنه (( لأن أرابط ليلة في سبيل الله أحب إلي من أن أوافق ليلة القدر عند الحجر الأسود )). فقد اختار الرباط ليلة على العبادة في أفضل الليالي عند أفضل البقاع …. )). إلى أن قال شيخ الإسلام (( واعلموا – أصلحكم الله – أن النصرة للمؤمنين، والعاقبة للمتقين، وأن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون . وهؤلاء القوم ( يعني الأعداء ) مقهورون مقموعون. الله سبحانه وتعالى ناصرنا عليهم، ومنتقم لنا منهم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . فابشروا بنصر الله تعالى وبحسن عاقبته (( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين )) وهذا أمر قد تيقناه وتحققناه، والحمد لله رب العالمين )) ثم قال شيخ الإسلام (( واعلموا – أصلحكم الله – أن من أعظم النعم على من أراد الله به خيراً أن أحياه إلى هذا الوقت الذي يجدد فيه الدين ويحي فيه شعار المسلمين وأحوال المؤمنين والمجاهدين، حتى يكون شبيهاً بالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار. فمن قام في هذا الوقت بذلك كان من التابعين لهم بإحسان، الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم. فينبغي للمؤمنين أن يشكروا الله تعالى على هذه المحنة التي حقيقتها منحة كريمة من الله، وهذه الفتنة التي في باطنها نعمة جسيمة، حتى، والله، لو كان السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم ، حاضرين في هذا الزمان ، لكان من أفضل أعمالهم جهاد هؤلاء القوم المجرمين. ولا يفوت مثل هذه الغزاة إلا من خسرت تجارته، وسفه نفسه، وحرم حظاً عظيماً من الدنيا والآخرة، إلا أن يكون ممن عذر الله تعالى، كالمريض والفقير والأعمى وغيرهم، وإلا فمن كان له مال وهو عاجز ببدنه فليغز بماله. ففي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (( من جهز غازيا فقد غزا ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا )) …. انتهى نقله من مجموع الفتاوى [ 28/416-421] باختصار.
أيها المجاهدون الأفغان، لقد نسب إليكم بعض الناس أموراً ونقائص ومخالفات، فقالوا: إن الطالبان فيهم بدع وتعصب للمذهب وجهل بالسنة ، وشدة على الناس وغلظة …. إلى غير ذلك من مخالفات، ليس من العدل والحكمة إهمالها والسكوت عنها ، بغض النظر عن غرض الناصحين لكم ، والمؤمل فيكم إن شاء الله الإذعان للحق ، وفي ذلك رفعة لكم وإعلاء شأنكم. أما شهادة عدوكم لكم فقد رأيناها وسمعناها ونشرت على الملأ فقد فُتِحَت المزارات الشركية بعد تسلم الفسقة والمنافقين زمام الأمور وتبرج بعض النساء وحلق بعض الرجال اللحى وفتحت دور اللهو والسينما ونشرت صور الغواني علناً ، وانتشرت الفوضى والنهب والسلب والغصب …… الخ ما نشرته أجهزة الإعلام كافة، فماذا تريدون أفضل من أن يظهر الله عدلكم وفضلكم على أيدي أعدائكم ؟!
ولقد عجبت لما نقلته صحيفة عكاظ على لسان الوزير صالح آل الشيخ وهو قوله (( أما طالبان باعتبارها حكومة فإنها لا تمتلك عنصر البقاء، هي حركة قائمة على التصادم مع العالم، والتصادمية في هذا العصر لا تعطي لأحد فرصة البقاء والحياة، العالم اليوم قائم على التفاهم وعلى سياسة جلب المصالح ودفع المضار، بنية الدولة ينبغي أن تكون بنية دينية وسياسية واقتصادية واجتماعية وذلك هو ما تفتقر إليه حركة طالبان، ووقوف طالبان إلى جانب المتطرفين ودعمها لهم يدل ذلك على ضيق أفقهم )) اهـ.
وهذا الكلام كله يصب في صالح طالبان لو فهم الوزير، إذ إن التصادمية، وهو مصطلح غربي ، ومعناه في مفهومنا العداء والبراء ومنابذة الأعداء من ملل الكفر والشرك، وهو النهج الذي انتهجته طالبان وهو الموافق لمنهج القرآن ، ويزعم الوزير أنه لا يصلح في هذا الزمان ، وإنما الذي يصلح في نظره هو : التفاهم وسياسة جلب المصالح ودفع المضار!! وهذا منحى خطير نحاه الوزير حيث ألغى التميز والبراء والعداوة التي فرضها الله على المؤمنين تجاه الكافرين، وفرض الجهاد طلباً ودفعاً لتكون كلمة الله هي العليا ، ولا مصلحة أعلى من هذه المصلحة ولا مضرة أشد من أن يكون الدين أو بعضه لغير الله . فهذا الذي ميز طالبان عن سائر الدول، باتباعها لنصوص الكتاب والسنة ومنهج سلف هذه الأمة في الولاء والبراء، قد غدا مثلبةً لها في نظر الوزير !!
عيرني الواشون أني أحبها وتلك شكاة ظاهر عنك عارها
وأما زعم الوزير أنه باتباع الدول لمنهج العداء والبراء أو (( التصادمية )) على حد تعبيره، فإنه لا بقاء لها ولا حياة ، فهذا نقص في التوكل على الله، الذي بيده الموت والبقاء والحياة ، وهو القائل في كتابه (( وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء )) وقال سبحانه (( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين )) وأي بقاء وأي حياة تلك التي تحياها الدول العربية التي تركت ما فرضه الله عليها وصارت خاضعة للكفار ذليلة مهانة ، حالها كما وصف الشاعر
ويقضى الأمر حين تغيب تيم ولا يستأذنون وهم شهود
#################
التتمة في الرد التالي، وجزاكم اللهُ خيراً على متابعتكم واهتمامكم،....آمين.
