شكراً أخي الصمصام ..
لا تقدم لنا صفة "القابلية للاستعمار" بحد ذاتها أي صفة لازمة للمجتمع المعني فهي تخبرنا فقط عن إمكانية تسلط مجتمع على مجتمع وهذه الإمكانية لا تدل على تفوق قيمي مطلق للمهيمنين بل تدل فقط على تفوق في الجانب الذي سمح بالسيطرة وقد لا يكون هذا الجانب أخلاقياً أو مرغوباً به من ناحية الأخلاق المطلقة كحامل البندقية الذي يقهر حياً أعزل وقد يكون هذا الحي توصل منذ زمن بعيد إلى فكرة حل الخلافات الداخلية بطرق سلمية ونسي فكرة حل الخلاف بالعنف ومن هنا أتي فقد غلبه بكل بساطة هذا القادم، وليس هذا مجرد افتراض نظري إذا قرأنا كيف انهارت بشكل غريب حضارات عظيمة كالأنكا والإزتك من حضارات ما سمي بالهنود الحمر أمام غزاة لم يكونوا متفوقين لا أخلاقياً ولا حتى في ميدان العلوم الطبيعية إن استثنينا جانب حيازة الأسلحة النارية..
ومن هنا كان من الضروري نقد مفهوم "القابلية للاستعمار" الذي يستعمل عملياً في سياق لا منطقي يصادر على أن واقعة الهيمنة تكفي لوحدها للبرهنة على أن الغالبين في كل جزئيات حضارتهم أحسن من المغلوبين في كل جزئيات حضارتهم ومن هنا أرى أن النقد الذي جاء في المقال ضروري منهجياً ناهيك عن كونه ضرورياً لدحض القاعدة المغلوطة التي استند إليها مستعملون انتهازيون لمفهوم القابلية للاستعمار لم تكن لهم النوايا الحسنة لمالك بن نبي رحمه الله..
ولكن الوقوف عند هذا النقد لا يكفي عملياً ومن هنا سأبدأ بنقد المقال الذي كتبه هذا الصديق الذي التقيت بالفكر معه حين كتب المقال وخالفته الآن في هذه الحقبة الجديدة التي نشهدها..(لا أدري لعله غير هو الآخر أفكاره!)
مع الأسف لا يفيد أن نهجو الغزاة ونمدح المغزوين ولا يفيد أن نبرهن على أن الغزاة ليسوا خيراً في كل ما لديهم من المغزوين في كل ما لديهم فقد بادت حضارات الهنود الحمر ولم تفدها مزاياها!
ولهذا يفرض الغازي بعض قانونه وأخلاقيته وهذا هو أسوأ ما في الشر: إنه يفرض قانونه..منذ أن وجد اللصوص صار حسن النية الذي يجعلك تترك أغراضك في الشارع سذاجة ومنذ أن وجدت القسوة صار اللطفاء مضطرين للتكشير عن أنيابهم وما هذا خلقهم ولا كانوا يرتضونه..
هذا هو ما أدعوه "اليوتوبيا المكروهة"
إن كنا لا نريد أن نتحول إلى حضارة شهيدة فإن علينا أن نبدل بعض التبديل في أخلاقنا ونقبل ما لم نكن نقبله وعلى رأس ما أفكر في أن علينا قبوله هذه العقلانية اللاإنسانية التي تجعلنا نقيس بالأرقام أشياء لا تقاس بالأرقام كالمودة والرحمة..وأن نجعل التحول باتجاه هذه الأخلاق هو اليوتوبيا الجديدة وهي اليوتوبيا المكروهة لأنها فرضت جزئياً على الأقل علينا فرضاً..
تبقى مسألة للبحث: ما هي المعايير الموضوعية التي تحدد لنا إن كانت الحضارة في طور نهوض أو في طور انحطاط؟
|