عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 19-01-2002, 06:23 PM
عمر مطر عمر مطر غير متصل
خرج ولم يعد
 
تاريخ التّسجيل: Feb 2000
المشاركات: 2,620
إفتراضي

أخي الأستاذ محمد،
قرأت المقالة وسعدت بها، ولا أملك إلى أن أبدي احترامي للمحمدين، وإن كانت شدة احترامي للأستاذ محمد الشاويش تمنعني من الفرح بنتف ريشة، ومن التحيز إلى صفك كالعادة، ويسرني أن أرى التباين في وجهات النظر الذي تحدثه السنين من البعد عن (الوطن).

وفي معرض الجواب على سؤالك:

تبقى مسألة للبحث: ما هي المعايير الموضوعية التي تحدد لنا إن كانت الحضارة في طور نهوض أو في طور انحطاط؟

فأذكر أني حضرت يوما محاضرة للدكتور طارق سويدان في واشنطن، وهو في رأيي الخاص، مفكر مجدد في نظرته إلى التاريخ وفي قدرته العلمية على النقد واستشراف المستقبل، وفي بعض النظريات الإدراية ا لتي يفتقر إليها عالمنا العربي الإسلامي بشكل ملحوظ.

كانت المحاضرة تتكلم عن تطوّر الحضارت وعن سقوطها، مع التركيز على السقوط في محاولة لتحديد أسباب السقوط ومدته، وبدأ الدكتور بالكلام عن بعض الحضارت القديمة فتطرق إلى الحضارتين الفارسية والرومانية، وذكر أن كلتا الحضارتين امتدت فترة نشأتها وتطورها إلى أن وصلت إلى قمة التحضر والتقدم آلاف السنين؛ ألف سنة في واحدة وألفين في الثانية، وهذا عادة ما يلاحظه دارس التاريخ الحضاري من حيث المدة الزمنية لإيجاد حضارات تسود أو تقود العالم، وبما أن الحضارة الإسلامية ليست كباقي الحضارات، ذلك أنها منهج رباني، لله فيه التدبير ولحملة الرسالة فيه التنفيذ، فإن نشأتها لم تكن كباقي الحضارات، فإن الحضارة الإسلامية حققت في الثلاثين سنة الأولى ما لم تحققه بعض الحضارات بآلاف السنين، ليس هذا فحسب، بل إن الغارات التي قادتها هذه الحضارة الجديدة على الحضارتين السائدتين في ذلك الوقت، الرومية والفارسية، وذلك ما بين العام العاشر إلى العام الخامس عشر من الهجرة، هذه الغارات تسببت في سقوط الإمبراطورية الفارسية خلال عامين، وفي سقوط إمبراطورية الروم الشرقية، وعاصمتها القسطنطينية، خلال ثلاثة أو أربعة أعوام، وهذا يدخلنا في الباب الذي نخصه بالدراسة، وهو أسباب وكيفية سقوط الحضارات.

الملاحظة الأولى، هي أن الحضارات وإن كانت نشأتها تتطلب آلاف السنين فإن سقوطها لا يتجاوز السنين الخمسة، والملاحظة الثانية، هي أن كلتا الحضارتين في وقت سقوطهما لم يكن ينقصهما التقدم الحضاري، ولا العسكري، ولا الاقتصادي، ولا العلمي، ولا الإداري، بل كانتا في ذلك الوقت سيدتا العالم في هذه الأمور، وعلى الرغم من ذلك فقد سقطتها إثر تعرضهما إلى هجوم شنته قوة صغيرة بكل المقاييس في وقت مبكر من نشأتها، وعلى جبهتين في وقت واحد، جبهة في الشرق مع أولاهما والثانية في الغرب مع ثانيتهما.

في معرض الحديث عن أسباب سقوط هاتين الحضارتين، لا بد لنا من ان نوسع دائرة الدراسة، ونتطرق إلى حضارتين أخريين كانتا معاصرتين للروم والفرس، وهما الحضارة الحبشية والحضارة الصينية، ولم تكن هاتين الحضارتين أقوى ولا أكثر تقدما من نظيرتيهما، ولعل المقارنة هنا توضح لنا الأسباب التي أدت إلى سقوط الروم والفرس في وجه المسلمين.

يقول الدكتور طارق السويدان إن هناك عاملين يتسببان في سقوط أي حضارة في العالم، مهما كانت قوتها، ومهما بلغت من التقدم، وهذين العاملين هما انعدام العدالة، والتحلــّـل الأخلاقي. والملاحظ أن الروم والفرس كانوا يعانون من طبقية ظالمة، وكانوا في قمة الفساد الأخلاقي، ولعل الدور المقارن للأحباش والصينيين يظهر جليا هنا، فالحبشة كانت أرض عدالة، قال عنها الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ( إن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد) كما روى لنا ابن إسحاق، وهذه العدالة هي التي حفظت الحبشة من أن تسقط كما سقطت الروم والفرس، بل التاريخ يخبرنا أن بقاءها طال بعدهما، أما الصين فقد كان فيها نظاما أسَريا قويا، يحافظ على الأنساب ويذم التحلل الأخلاقي، وهذا هو العامل الثاني الذي إن فقد من حضارة آذنت بالهلاك.
الرد مع إقتباس