ثمة وجهة نظر تزعم أن القول بنهوض حضارة ما أو انحطاطها قول تحكمي تذوقي بحت لا دليل عليه..ويبدو لي أن وجهة النظر هذه تمت بصلة إلى العدمية القيمية التي هي العقيدة الحقيقية للحضارة الغربية المعاصرة.
ولكنني سأطرح فرضية تقول إن الحضارة يقاس وضعها بين نهوض وانحطاط بقدر ما تشجع تحقيق الإمكانيات الإنسانية التي خلق الإنسان من أجلها ولأدائها أو تثبطها..
فقد خلق الإنسان لعبادة ربه وعمل الخير والمعرفة واستثمار ما سخر له من الطبيعة..
فهذه جوانب أربعة:
الجانب الديني
والجانب الأخلاقي
والجانب المعرفي
والجانب التقني
الحضارة الحديثة سارت أشواطاً في المعرفة المادية وفي التقدم التقني ولكنها أغفلت كلياً الجانب العبادي بل أخرجته من الحلبة على أنه من أساطير الأولين..
وأما الجانب الأخلاقي فيعتريه خلل خطير وإن كنت بعد معاشرة لصيقة لأهل الحضارة الغربية القائدة لا أرى أنهم يخلون من الخير والأخلاق فمن العدل أن أقر لكثير منهم بأن عندهم قدرة على فعل الخير والالتزام به إن اقتنعوا به وهذا أمر مشاهد وتقوم عليه أدلة وأمثلة كثيرة وهذا الخير موجود على الأغلب في غير دوائر السياسيين ووجوده الغالب هو فيما يسمى "المجتمع المدني" كالناس العاديين والمنظمات الأهلية وبعض الأحزاب السياسية التي لا تصل إلا نادراً إلى السلطة..
على أن السمة الغالبة في الحضارة الحديثة أنها ناهضة في الجانبين الأخيرين منحطة في الجانبين الأولين..
أما حضارتنا فهي أحسن في الجانب الأول ويعتري الجانب الثاني خلل مهم ولو أنها بعد أحسن فيه قليلاً من الحضارة الغربية ثم هي في الجانبين الأخيرين متأخرة أشواطاً..
وهذه الجوانب مترابطة وهي تتبادل التأثير والجانبان الأوليان يحددان استعمال الجانبين الأخيرين فالخللان الأخلاقي والديني في الحضارة المعاصرة دفعاها إلى توجيه الطاقات العلمية والتقنية في اتجاهات مخربة للحضارة ومهددة لها كالاتجاه الحربي العدواني والاتجاه المخرب للبيئة..
مداخلة أخي الصمصام مهمة تستحق المناقشة ولكنها تخرج بي عن الإطار الذي حددته للكتابة في الخيمة وأوضحته في بداية هذا الموضوع..
|