أخي العزيز مغترب قديم.
أحييك بأجمل التّحيّات...و بعد اسمح لي أن أسجّل بعض الملاحظات حول قصيدتك يتعلّق بعضها باللّغة و البعض الآخر بالوزن.
قصيدتك هذه وردت على البحر الوافر.
مفاعلتن+مفاعلتن+فعولن********مفاعلتن+مفاعلتن+فعولن .
* الملاحظة الأولى تتعلّق بالبيت التّالي:
وتعلم أن مغتربٍ قديمِ --- حوى عشقاً وما هو باللئيمِ
في هذا البيت خطأ لغويّ. كان عليك أن تقول : (أنّ مغتربا قديما)
باعتبار أنّ اسم أنّ يكون منصوبا و كذلك الصفة المنسوبة إليه باعتبار النّعت يتبع المنعوت في علامة الإعراب.
* الخطأ اللّغويّ الثّاني في البيت التّالي:
فلا عتباً يفيد ولا خصاما --- إذا عشق تسرب في الحلومِ
و قصدت به المعنى التّالي: فليس يفيد العتب و لا الخصام ، إذا تسرب العشق إلى العقول.
و كان عليك أن تكتب البيت كالتّالي:
فلا عتب يفيد ولا خصام --- إذا عشق تسرب في الحلومِ
القائم بالفعل هو ( العتب) و المفعول به مفهوم من السّياق ( صاحبه) و هو محذوف لعدم الحاجة إلى ذكره.
أمّا أن تعتبر ( عتبا) و (خصاما) كلاها اسما لـــ( لا النّافية للجنس) فهذا لا يستقيم . و هو ليس في مقام قولك مثلا : لا رجل بالبيت.
فقد نفيت في هذا المثال ، وجود رجل بالبيت فعينت جنس المننفيّ. و كما ترى أنّ ( رجل ) = اسم لا منصوب و هو غير منوّن . وخبر ( لا ) هو بالبيت. على معنى : لا رجل موجود بالبيت.
* أمّا الخطأ في الوزن فهو في البيت التّالي:
أبت ليلى تزاورنا بقصدٍ --- لتدرك أن عشقها في الصميمِ
و ذلك يتمثّل في ( عشقها) فأنت تسقط المدّ عند القراءة لكنّ المدّ موجود لا يمكن تجاهله. و لو قرأت عشقها بالمدّ فلا يستقيم الوزن.
* أمّا الخطأ الثّاني في الوزن فهو في البيت التّالي:
فكان العشق مدرسة المدارس --- يزيل مواطن الرشد اليتيمِ
و قفت على السّكون في ( المدارس) و الحال أنّه مجرور.
و لو أنّ ذلك يعتبر جوازا ، لكنّه يضعف من قيمة القصيدة ، من النّاحية الموسيقيّة.
* دعني أتناول معك المعنى في البيت الموالي:
مضى دهرٌ بمغتربٍ قديم ِ --- فما يأتي بغير هوىً سليمِ .
لماذا لا يأتي المغترب بغير هوى سليم ، هل لأنّه قديم ...؟ ثمّ إنّ الهوى هو الّذي يأتي إلى العاشق و يقتحم عليه قلبه و ليس العاشق من يأتي بالهوى فالعشق أو الهوى سلطة يخضع لها العاشق.
كيف يمكن أن يكون هناك هوى سليم و هوى غير سليم ...
الهوى أو الحبّ أمر ذاتيّ , لا يمكن أن يكون موضوعيّا يخضع لقوانين علميّة أو عقليّة، حتّى و إن حاولنا .لأنّنا نكون بذلك قد حوّلنا الإحساس إلى فكر ، محكّه العقل ، و ليس الوجدان.
هناك طرافة و جدّة في تعاملك مع الهوى ، أخشى أن تكون غير متلائمة هنا مع القصيدة .( رأي شخصيّ)
* اسمح لي أخي أن أعلّق على الصّرة الشّعريّة في البيت الموالي:
فليت العاشقين بنوا دياراً --- حفاظاً للغرامِ من الخصومِ
يكون العشق أسمى لو حفظناه في القلب ، و في الروح ، أمّا أن نبني له بيتا و نحبسه بين الجدران ، حفاظا عليه من الخصوم ، فأعتقد أنّ الصّورة الشّعريّة ضعيفة هنا بعض الشّيء.
* و لا يعني هذا أخي الكريم أنّ قصيدتك ، ليست شعرا ، أو أنّها من الشّعر المبتذل . بل العكس فيها من الرّقيّ في المعاني و الصّور الشّيء الكثير . و لست سأحصر لك كلّ ذلك ، و لكنّي سأكتفي بالإشارة إلى ما يلي:
أبت ليلى تزاورنا بقصدٍ --- لتدرك أن عشقها في الصميمِ .
__________________
يا تونس الخضراء جئتك عاشقا
................و على جبيني وردة و كتاب.
|