بسم الله الرحمن الرحيم
أخي عمر:
- فكرة الدورة الحضارية لا أعرف مدى صحتها كما ذكرت فهي في منتهى التجريد، ولكنني آخذ بفكرة انحطاط الحضارة الذي قد ينتج عن أسباب عديدة منها الداخلي ومنها الخارجي و المهم هو النتاج المنحط لهذه العملية: إنسان الانحطاط الذي يحتاج إلى نهوض وتجدد وهذه الفكرة بالذات أراها القيمة عند بن نبي.ومن المألوف في ميدان علم الاجتماع والفلسفة أن تقود الأفكار الخصبة إلى طرق تفكير جديدة ونتائج عملية مفيدة جداً رغم أن الأصل النظري للفكرة قد لا يصح بكل تفاصيله..ولا ينكر ذلك في اعتقادي إلا من لم ينظر في الأفكار الكبرى التي سيرت النظريات الاجتماعية المعاصرة الكبرى، بل حتى التطبيقات الاجتماعية الملموسة.
- التراب كما أفهمه هو كما فهمته أنت تقريباً..والأشياء تتضمن المواد المنتجة في الحضارة في اعتقادي مفهوم التراب أعم إذ كانت الأشياء منعدمة في ألمانيا بعد الحرب ولكن كان هناك أفكار وكان تراب ووقت وإنسان كما يقول بن نبي ومن هنا لم تجد ألمانيا مشكلة في إعادة البناء..وفي الواقع تمنيت لوتحدث عن دور مفهوم أوضح من الوقت وهو العمل في الحضارة ولكن بن نبي ركز على قيمة الوقت كأنه هو الذي يقاس به العمل وفي هذا وجهة نظر فالعمل في المجتمع الرأسمالي الحديث يقاس بالوقت..وهذه نقطة قد يطول حولها النقاش لو عقدت ندوة لفكر بن نبي..
- أوافقك في ضرورة التركيز على العوامل الداخلية والخارجية معاً..وأود بصورة خاصة أن أركز مرة أخرى على مبدأ المسؤولية الشخصية لكل فرد وضرورة الانقلاب في كل ذات عندنا بحيث ينطلق كل سلوكها الاجتماعي من مبدأ مصلحة نهضة المجتمع لا من مبادئ المصلحة الفردية أو الحساسية الفردية أو النرجسية الخاصة التي تجعل كل عمل جماعي عندنا مستحيلاً..الخروج من الذات وانعدام النزعة الفردية الشخصية والتركيز على ما هو اجتماعي ..هذا هو المطلوب..والقيام بالواجب وعدم انتظار طرف خارجي ليقوم بالتغيير الاجتماعي أكان سلطة أم غيرها..
- وأشكرك مرة أخرى على قراءتك الجيدة وهذا المقال الذي نشرت في الخيمة جزءاً منه أردته فاتحة لسلسلة جديدة من الكتابات أسميها "ما بعد التأصيلية" وهي تتجاوز سؤال التأصيل بالذات إلى السؤال العملي: كيف ننهض بالمجتمع ليستطيع أن يدافع عن كينونته الثقافية الخاصة وهويته المميزة بل ليستطيع أن يدافع عن مجرد وجوده الفيزيائي على خريطة العالم..
|