"ثم تدخل الحضارة طورها الثالث، وهو طور الانحطاط والانحلال، ولا يعود للفكرة الدينية فيه من وظيفة اجتماعية، وتعود الأشياء كما كانت في مجتمع منحل، وتتفكك شبكة العلاقات الاجتماعية بانحلال المجتمع إلى ذرات لا روابط بينها وتنتهي بهذا دورة الحضارة.
ففي الحالة الأولى يكون الجزيء مشحوناً بطاقة كامنة سيبذلها منتجاً عملاً، وأما في الحالة الثانية فإن الجزيء يكون قد فقد طاقته المذكورة ولم يعد في إمكانه أن يستعيد طاقته هذه إلا بواسطة عملية جوهرية تتمثل في عملية التبخر التي ترجع به إلى حالة بخارية وفي التيارات الجوية الملائمة التي ترجعه إلى أصله، حيث يتم تحوله من جديد إلى جزيء مائي واقع "قبل" خزان معين.
أخي وأستاذي محمد ب.
زادك الله من فضله حكمة وفكرا على ما لديك مما يندر لدى سواك.
كم استمتعت بهذه الهدية منك وهي ككل هداياك جزء من نفسك وعمرك وفكرك ولعمري تلك أغلى الهدايا.
كانت الفقرة أعلاه أكثر ما استرعى انتباهي، وسأتجاوز هنا ما يخامرني من شبه تحفظ على اعتبار الحضارة هي صلب حالة الأمم. لعلها أهم مؤشر على حالة الأمم
سأتجاوز هذا التحفظ معتبرا أن المقصود بها جملة الإيجابيات التي تحدد وضع أمة ما وهذا تعريف فضفاض يتسع لتباين ما في هذا الأمر، ولكنه يساعد على مناقشة الموضوع على أرضية شبه مشتركة.
من محاسن الصدف اليوم أني قرأت حديث الرسول عليه السلام:
حدثنا سليمان بن داود الطيالسي حدثني داود بن إبراهيم الواسطي حدثني حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير قال:
كنا قعودا في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان بشير رجلا يكف حديثه فجاء أبو ثعلبة الخشني فقال يا بشير بن سعد أتحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمراء فقال حذيفة أنا أحفظ خطبته فجلس أبو ثعلبة فقال حذيفة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها ثم تكون ملكا عاضا فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها (((ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ))) ثم سكت
ورأيت فيه ما جعلني أربط به قول مالك بن نبي المتقدم.
وهنا أذكر فولا لأحد الإخوان بأن وضعنا كبناية متهالكة لا يجدي ترميمها بل إنه يؤخر الحل ويزيد المعاناة والخسارة . ولا بد من هدمهما تمهيدا لبنائها، وأن الدولة القطرية - هل هي حقا دولة ؟ - لا يمكن أن تكون جزءا من وحدة، ولا بد من تفتيت البنى التي أقامها المحتل منذ سنة 1918 حتى جريمة الاستقلال بهدف الحفاظ على مصالحة وإعطاء احتلاله شرعية وهيمنة وشيوخا وأفكارا وجيوشا وقطريات وزعماء وأحزاب ودساتير وجامعة ومؤتمرات وقمما تؤمن له ما يريد بكفاءة أكبر وثمن أقل من الاحتلال المفضوح. ولكن الأحداث -بحمد الله - أعادت الاحتلال المفضوح - وهو ما يجعل إمكانية حصول "عملية جوهرية تتمثل في عملية التبخر التي ترجع به إلى حالة بخارية وفي التيارات الجوية الملائمة التي ترجعه إلى أصله، حيث يتم تحوله من جديد إلى جزيء مائي واقع "قبل" خزان معين" المعبرة عن الهدم القدري الذي لا بد منه أمرا مقربا لموعد بدء البناء... وصدق رسول الله ثم أصاب مالك بن نبي.
وهنا أود الرد على قول أخي عمر:" ولا شك أن الحضارة الإسلامية كونها تحظى بعناية إلهية تخالف كثيرا من نظريات الحضارات الأخرى، بل ولعل كثيرا من مسلمات تلك الحضارت لا ينطبق عليها"
وأراني أستنتج من كونها حضارة منبثقة من الوحي عكس ما استنتجه تماما، ذلك أن أي مقولة حق تنطبق على الإنسان كونه إنسانا فالأجدر أن تنطبق على الإنسان المسلم في المقام الأول، ذلك أن الإسلام دين الفطرة والإنسان المسلم هو الأجدر بانطباق سنن الله عليه في الكون
أخي عمر قولك :" الحضارة الإسلامية كونها تحظى بعناية إلهية " قول خطير، وأقول في المقابل :" المسلمون يحظون بالرعاية الإلهية ما استقاموا على منهج الله" وشتان بين القولين.
لعل أقوال مالك أكثر صوابا في المجمل فيما يخص المسلمين، وكيف نوفق بين تفوق الغرب وقول مالك بن نبي :" والمجتمع كما يرى بن نبي يتراوح في كثافة شبكة علاقاته الاجتماعية بين حدين: الحد الأول يكون فيه المجتمع في ذروة نموه ويكون كل فرد مرتبطاً بمجموع أعضاء المجتمع " والمعروف عن الغرب أن الأمر فيه غير ذلك. والذي يجعل التطرق لهذا مهما أنه - محقا- ذكر أن الشيوعية حققت هذا الارتباط بشكل أو بآخر.
ارى أن الإخوان قد تطرقوا إلى جوانب لا داعي لتكرارها وأجدني عاطفيا وفكريا أقرب إلى أخي الصمصام.
سؤال : الملاحظ أن غلبة العاملين مع أعداء الأمة ضد مصالحها هم من المثقفبن العرب، ولا أنسى أبدا الـ 1500 مثقف ثوري الذي صفقوا للنصر المبين في إلغاء ميثاق منظمة التحرير. ما قيمة الثقافة الصحيحة بلا منهجية عمل ؟؟
يؤخرني عن قراءة مقالاتك قلة توفر ما تستحق من وقت للتركيز.
أكرر شكري لما تغدقه علي من آفاق للتفكير والتأمل.
|