سؤالك كان سياسيا يا سلوى ,,,
تشكيل الحكومة الإسلامية ومكتسباتها
******لم يكن تحقق وعود الإمام الخميني (قده) وانتصار الثورة الإسلامية في إيران، مجرّد حادثة داخلية قادت الى تغيير النظام السياسي، بل كانت الثورة الإسلامية زلزالاً مدمراً للعالم الغربي، كما وصفها كثير من المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين والأوروبيين في مذكراتهم التي نُشرت فيما بعد. وهكذا، ومنذ صبيحة الحادي عشر من شباط (فبراير) 1979 م، بدأ عداؤهم للنظام الإسلامي الفتيّ، بشكل سافر وواسع وشامل. كانت أميركا تقود جبهة الأعداء، التي ساهم فيها بشكل فاعل كلٌ من الحكومة الإنكليزية والعديد من الدول الأوروبية الأخرى، جنباً الى جنب مع كافة الأنظمة العميلة للغرب. كما انضم الإتحاد السوفياتي السابق والبلدان الدائرة في فلكه *- بسبب امتعاضهم من سيادة الدين في إيران - الى الأميركيين، وناصروهم في الكثير من مواقفهم العدائية ضد إيران.
******وكان الإمام الخميني (قده) يطمح، من خلال إعلان التعبئة العامة للشعب الإيراني لإعمار البلاد، الى تجسيد مثال المجتمع الديني السليم والمتطور. وبوحي من ذلك، أعلن عن تشكيل مؤسسة "جهاد البناء" التي هيّأت الأرضية لحضور الكوادر المتخصصة والطاقات الثورية في المناطق المحرومة والقرى والأرياف، لتبدأ خلال فترة وجيزة عمليات شق الطرق، وإنشاء المراكز الصحية والعلاجية، وتأسيس شبكات المياه والكهرباء على نطاق واسع.
******ولم يمضِ سوى شهرين على انتصار الثورة، حتى أعلن الشعب الإيراني، في واحدة من أكثر الإنتخابات حريةً في تاريخ إيران، عن تأييده بنسبة 98.2 بالمئة لإقامة نظام الجمهورية الإسلامية في إيران. وتلت ذلك الإنتخابات السياسية لتدوين الدستور والمصادقة عليه، وإقامة انتخابات الدورة الأولى لمجلس الشورى الإسلامي.
******في هذا الظرف بالذات إشتد تصعيد أمواج الفتن ووتيرة الضغوط الخارجية. وكانت أميركا تسعى عن طريق طابورها الخامس، الى إنهاء النظام الإسلامي بمشكلاته الداخلية، والتمهيد لإسقاط النظام عبر إثارتها للفتن والإختلافات.
******ومن أُولى الحروب التي لجأ إليها أعداء الثورة لإضعاف نظام الجمهورية الإسلامية: إغتيال وجوه الثورة وشخصياتها المهمة. وخلال فترة وجيزة غُيِّبت وجوه بارزة، في طليعتها العلامة الشهيد آية الله مرتضى المطهّري (عضو مجلس قيادة الثورة)، والدكتور محمد مفتّح، والفريق قرني (رئيس هيئة الأركان)، والحاج مهدي عراقي وآية الله قاضي الطباطبائي.
******إنّ أميركا ليست فقط لم تستجب لمطالب الشعب الإيراني المشروعة، الداعية الى تسليم الشاه، وإعادة الأموال والودائع الإيرانية المجمّدة في أميركا، والتي بلغت اثنتين وعشرين مليار دولار، بل وضعت إمكانات واسعة تحت تصرّف مسؤولي نظام الشاه الفارين، لتمكينهم من تنظيم تشكيلاتهم في الخارج، وإشهار عدائهم للنظام الإسلامي.
******ونتيجة للعداء الأميركي الصارخ دفع غضب الشعب الإيراني مجموعة من الطلبة المسلمين الإيرانيين الى اقتحام السفارة الأميركية في طهران، واعتقال الجواسيس الأميركان بعد القضاء على مقاومة حراس السفارة من الأميركيين.
******أيد الإمام الخميني (قده) الخطوة الثورية للطلبة، ووصفها بأنها ثورة أعظم من الثورة الأولى. وقام الطلبة السائرون على نهج الإمام بنشر الوثائق التي عثروا عليها في السفارة بالتدريج في أكثر من سبعين كتاباً حملت عنوان "وثائق وكر التجسس الأميركي في إيران".
******وقد كشفت هذه الوثائق، المسلَّم بصحتها، النقاب عن أسرار التجسس والتدخل الأميركي الذي لا حدود له في كلٍّ من إيران وبلدان العالم، وأظهرت للعيان الكثير من عملاء أميركا وأدواتها وجواسيسها، وأساليب التجسس والتحركات السياسية الأميركية في مناطق العالم المختلفة.
******مثّل احتلال السفارة الأميركية، التي عُرفت في ثقافة الثورة الإسلامية بـ"وكر التجسس"، فضيحة كبرى للحكومة الأميركية، وحقق للشعب الإيراني مكاسب عديدة لعل أبرزها - فضلاً عن ضمان استمرار الثورة - تحطيم الغرور الأميركي، وبث الأمل في نفوس شعوب العالم الثالث بإمكانية مواجهة القوى الكبرى وإلحاق الهزيمة بها.
******إنّ هزيمة المخططات الأميركية التي استهدفت الإطاحة بنظام الجمهورية الإسلامية، بدءاً بالحظر الإقتصادي والعزلة السياسية التي فُرضت على إيران، ومروراً بعملية صحراء "طبس"، وانتهاءاً بمحاولات تجزئة البلاد عن طريق دعمها للتنظيمات المعادية للثورة؛ كل ذلك دفع الحكومة الأميركية للتفكير في اختيار الخيار العسكري.
******وهكذا، بدأ الجيش العراقي في 22/9/1980 م، بإيحاء من الحكومة الأميركية ودعم القوى الكبرى، عدوانه العسكري الواسع على امتداد 1289 كم من الحدود المشتركة مع إيران. وتزامناً مع تقدّم هذه القوات، قامت الطائرات العراقية، في الساعة الثانية من عصر ذلك اليوم، بقصف مطار "طهران" والعديد من المدن الأخرى.
******قوبل خبر شن العراق للحرب ضد إيران، رغم أهميته القصوى، بصمت مطبق من قِبل المحافل الدولية والقوى العالمية كافة. بيد أنّ ما يثير الإعجاب ويبعث على التأمل الى حد كبير، ردود الفعل الأولية التي صدرت عن الإمام الخميني (قده)، التي عكستها بياناته وخطاباته التي تطرّقت الى اعتداء الجيش العراقي من أبعاد مختلفة. إلاّ أنه لا يتّسع *- للأسف - المجال هنا للحديث عن دقائقها وخصوصياتها.
******أصدر الإمام على الفور أمر المقاومة. وفي أول تحليل له خلال خطاب ألقاه، إعتبر أميركا المسبّب الأساس لهذه الحرب والمحرّك لصدام (الرئيس العراقي) والداعم له، وطمأن الشعب الإيراني بصريح العبارة بأنه إذا ما هبّ لردّ العدوان من أجل رضى الله، بوصفه واجباً شرعياً، ستكون هزيمة العدو حتمية، رغم كل العوامل الظاهرية التي كانت تشير الى عكس ذلك.
******حدّد الإمام الخميني (قده) في اليوم التالي من بدء الهجوم العراقي، عبر بيان وجّهه للشعب الإيراني ضم سبعة بنود مقتضبة إلاّ أنها دقيقة وشاملة، حدّد الخطوط العامة للطريقة التي ستدار بها الحرب وشؤون البلاد في ظروف الحرب. وفي الوقت ذاته، أتم الحجة على الشعب العراقي وجيشه، عبر بيانات عديدة أصدرها. ومن يومها مارس إشرافه وقيادته لدفاع الشعب الطويل الشاقّ على مدى ثماني سنوات، بحكمة نادرة.
******إستقبل الشباب الإيراني الثوري أمر الإمام الداعي الى التعبئة العامة، وتشكيل جيش العشرين مليوناً، بحفاوة بالغة. ويومها أوجدت صور تدريب قوات التعبئة وإرسالهم الى جبهات القتال في إيران أجواء مفعمة بالمعنويات. كما أنّ الإنتصارات المتلاحقة التي حققها مقاتلو القوات الإسلامية قد أظهرت للعيان الضعف والإرباك الذي دبّ في صفوف العدو.
******وشيئاً فشيئاً أسفرت أميركا وحلفاؤها الأوروبيون عن وجوههم المتسترة وراء الحرب، وبدأت أنواع الأسلحة المتطورة *- التي كانت عملية الحصول عليها، حتى في ظروف السلم، شاقةً للغاية وتستغرق وقتاً طويلاً من المباحثات والتنازلات - بدأت تنهال على العراق بسرعة مدهشة وتوضع تحت تصرّف صدام. ونتيجة لذلك، لم يتوانَ العراق عن ارتكاب أفظع الجرائم الوحشية، من قبيل القصف الجوي المكثّف للمدن والقرى، وتدمير المراكز الإقتصادية، وإطلاق الصواريخ المدمرة بعيدة المدى على المناطق السكنية، التي كانت تخلّف وراءها مئات الضحايا من النساء والأطفال. وكل ذلك يتم على مرأى ومسمع من المنظمات الدولية التي تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان، دون أن تنبس ببنت شفة.
******ولم تتمكن المساعدات الواسعة والشاملة التي كانت تقدّم لصدام، من تغيير مجرى الحرب والموقف في جبهات القتال لصالحه، بل كان الموقف في جبهات القتال لصالحه، بل كان الموقف يسير بوتيرة متسارعة لصالح القوات الإسلامية.
******وتزامناً مع تصعيد وتيرة قصف المناطق السكنية وإطلاق الصواريخ البعيدة المدى، لجأت أميركا الى التدخل المباشر في الحرب، إذ توجهت حاملات الطائرات الأميركية والإنجليزية والروسية باتجاه الخليج الفارسي للتواجد على مقربة من مسرح العمليات.
******وكانت أميركا تعتقد بأنّ الخيار الوحيد المتبقي هو تدويل الحرب ودفع البلدان الأخرى للتدخل المباشر. ولهذا لجأت الى ما عُرف فيما بعد بحرب الناقلات، وكانت مهمة القوات الأجنبية الموجودة في مياه الخليج الفارسي، تتلخص في منع تصدير النفط الإيراني وتوقيف السفن التجارية وتفتيشها، ومن ثم الحؤول دون وصول السلع الأساسية الى الجمهورية الإسلامية. وخلال هذه الأحداث، تعرّضت العديد من السفن التجارية وحاملات النفط الإيراني الى القصف الصاروخي والحملات الجوية الأميركية. كما أضرمت القوات الأميركية النيران في العديد من آبار النفط الإيرانية ومنصاتها في مياه الخليج الفارسي. وفي آخر ممارساتها العدوانية أقدمت الحكومة الأميركية على ارتكاب جريمة يندى لها جبين الإنسانية، إذ قامت حاملة الطائرات الأميركية "وينسن" في تموز عام 1988 م بإطلاق صاروخين باتجاه طائرة مدنية إيرانية كانت تحمل على متنها 290 راكباً من النساء والأطفال والرجال، وإسقاطها في مياه الخليج الفارسي وقتل جميع ركابها.
******ومن الحوادث المؤلمة التي شهدتها هذه المرحلة، المذبحة التي ارتكبها أفراد النظام السعودي بحق الإيرانيين من حجاج بيت الله الحرام. ففي يوم الجمعة، السادس من ذي الحجة 1407 للهجرة (2/8/1987 م)، وفيما كان أكثر من مئة وخمسين ألف حاج يسيرون في شوارع مكة للمشاركة في مراسم البراءة من المشركين، هجم عليهم فجأة من كل حدب وصوب أفراد الشرطة السعودية بلباسهم العسكري والمدني، بعد أن تم إغلاق جميع المنافذ، هجموا عليهم بمختلف أنواع الأسلحة، وأمعنوا في قتلهم وجرحهم وضربهم والإنتقام منهم، وقد استُشهد في هذه الواقعة ما يقارب 400 حاج من الحجاج الإيرانيين واللبنانيين والفلسطينيين والباكستانيين والعراقيين وحجاج بقية البلدان، والذي قدّر بأكثر من خمسة آلاف حاج، كما أُلقي القبض على العديد من الأبرياء.
******إنّ حشود القوات الغربية في الخليج الفارسي، وما شهدته الشهور الأخيرة من حرب الثماني سنوات، لم يأتِ اعتباطاً، إنما جاء في وقت أظهرت القوات الإسلامية تفوّقها التام، مما أجبر العدو على الإنسحاب الى ما وراء الحدود في معظم المناطق التي كان يحتلهما من قبل، وبعد أن شارفت الحرب على اجتثاث جذور الفتنة من المنطقة. وكاد سقوط صدام على أيدي القوات الإسلامية أن يعلن للعالم هزيمة قوى عالمية عديدة في مواجهتها للثورة الإسلامية. ولهذا تركّزت مساعي أميركا ومجلس الأمن *- خلافاً لما كان عليه موقفهما في السابق - في سدّ الطريق أمام تقدّم المقاتلين الإيرانيين، والحؤول دون سقوط صدام.
******وجاء بيان الإمام الخميني، الذي عُرف ببيان قبول القرار 598 (20 تموز 1988 م) ليجسّد حكمة الإمام وقيادته الفذة بأبهى صورة. إذ تطرّق الى نتائج الحرب المفروضة وأبعادها بصراحة ووضوح، وحدّد الخطوط العامة لمستقبل النظام والثورة الإسلامية في مختلف المجالات، بما فيها المواجهة مع القوى الكبرى والتمسك بأهداف الثورة وتطلعاتها.
******وهكذا تنتهي حرب الثماني سنوات دون أن يظفر مشعلو فتيلها في تحقيق أي واحد من أهدافهم. ومرة أخرى يبرهن الشعب الإيراني النبيل في ظل قيادة الإمام الحكيمة، على حقّانيّته وسلامة مسيرته، وأن يجعل أمنية تجزئة إيران الإسلامية وهزيمتها حسرة في قلوب أعدائها.
******إنّ أخطر جرائم صدام وأعظم خياناته مع البلدان التي تتستّر برداء العروبة والإسلام، التي شجّعته على العدوان وقدّمت له مختلف أنواع الدعم والمساعدة، فضلاً عن هدر الطاقات العظيمة الإنسانية والإقتصادية لكلا البلدين، هو أنه بشنّه لهذه الحرب المقيتة تنفيذاً لأوامر أسياده، قد قضى على الجهود التي بُذلت على طريق توحيد الأمة الإسلامية، وتحقق ثورة الإسلام العالمية، إذ كانت الظروف قد تهيّأت تماماً لتحقيقها بعد سقوط الشاه.
******وما أن استتبّ السلام نسبياً، أصدر الإمام الخميني بياناً في 3/10/1988 م من تسعة بنود، حدّد فيها لمسؤولي الجمهورية الإسلامية النهج الذي ينبغي اتّباعه في مسيرة إعادة بناء البلاد وإعمارها. وتكفي القراءة المتأنية لهذه البنود لاستشفاف عمق نظر الإمام وأصالة القيم التي يؤمن بها.
****
__________________
اذا ما مت في ارض معركة
فانشدي لهم الدنيا وخذى بندقيتي
القدس في ابياتي وقصائدي
وحبها يسري كما الدم في اضلعي
وجنين ازف لها الحزن من ادمعي
وازهو الكويت شهيدا تقبلي
وفي كبرياؤها طفله لها انحني
اقبَّلها كما قبلت الحجر الاسودي
كل يوم عاشوراء وكل ارض كربلاء
وكل مظلوم حسينا وكل شهيدا علي
حلم الوحدة
|