عرض مشاركة مفردة
  #38  
قديم 27-04-2002, 12:58 PM
shaltiail shaltiail غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2001
المشاركات: 342
إفتراضي

الاعتذار عن عمر:

لطف الله بنا وبالحق أن الرواية أخرجها الشيخان ولذا تكلف القوم المشاق والأهوال التي أخرجتهم احياناً إلى الهجر والسخافات في توجيهها وتأويلها وتحويرها وتحريف كلمها عن مواضعه وابدالهم كلمة بأخرى مثل كلمة يهجر بغلبه الوجع ولن تضلوا بلا تضلوا مع حذف النون وهكذا .
ولو كانت مروية في كتاب آخر لسارع القوم إلى تكذيبها وإن كانت ثابتة صحيحة بل متواترة كائناً ما كان ذلك الكتاب كما فعلوا مع روايات كثيرة من هذا النوع ...

قال النووي : خشي عمر أن يكتب أموراً فيعجزوا عنها فيستحقوا العقوبة عليها لأنها منصوصة لا مجال للإجتهاد فيها .
أقول : لو رزق الله النووي السلامة من هذا العذر لكان خيراً له لأنّه بناءاً عليه يكون عمر أرأف بالاُمة وأحنى عليها وانظر لها من نبيها فقد أراد لها نبيها العقوبة بكتابة ما تعجز عنه ولكنّ عمر تفضل فرفع عن الامة هذا التكليف وهذا ليس عذراً بل هو الكفر بعينه .
ولو ألقى النووي بالاً للرواية لوجد في قول النبي : لن تضلوا بعده قرينة صارفة عما توهم جنابه ، فكيف يعِدُهم بعدم الضلال بعد كتابته ثم يكون سبباً في عجزهم وعقوبتهم وهل هذا إلاّ عين الضلال والأضلال وهل قول النووي إلاّ تكذيب لقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .....
وقال البيهقي : قصد عمر التخفيف على النبي عليه الصلاة والسلام حين غلبه الوجع ولوكان ما يريد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يكتب لهم شيئاً مفروضاً لا يستغنون عنه لم يتركه باختلافهم ولغطهم لقول الله عزوجل بلغ ما أنزل إليك من ربك كما لم يترك تبليغ غيره بمخالفة من خالفه ومعاداة من عاداه(البيهقي ، دلائل النبوة ، ج7 ص181) .
أقول له : هذا عذر مضحك فأين التخفيف عنه من رميه بالهجر والهذيان والحيلولة بينه وبين نفاذ أمره واحداث صدع في صفوف المجتمعين . ظهرت آثاره على حياتهم إلى اليوم .
وآثارة الفتنة والخصومة يبنهم بحيث ارتفعت أصواتهم عند من أمروا بان لا يرفعوا أصواتهم فوق صوته وسماه بعضهم لغطاً .
فآلم النبي ذلك وهو في السياق حتى طردهم من حضرته غاضباً عليهم آيساً من صلاحهم .
وأما قوله الثاني فنجيبه عليه : بأن هذا ليس أمراً جديداً ولا حكماً حادثاً ليبلغه على كل حال بل هو تأكيد لحكم وتحقيق لأمر متقدم سبق وأن أعلنه وبيّنه على رؤوس الأشهاد في أكثر من مناسبة وآخرها يوم غدير خم حين قال لهم : من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه .
ومع هذا فإنّ النبي لم يسكت عن تبليغه آنئذ حين أوصاهم بثلاث ذكروا اثنين وزعموا نسيان الثالثة ولو عقل البيهقي الدين عقل رعاية لا عقل رواية لعرف هذه الثالثة أنها ولاية علي وعرف لماذا طرحت ونسيت من حياة المسلمين .
وفي البخاري : وأوصاهم بثلاث قال : أخرجوا المشركين من جزيرة العرب واجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم وسكت عن الثالثة أو قال : فنسيتها(عمدة القاري ، ج2 ص171 ) وفي أكثر الروايات ذكر هذه الثلاث .


اعتذار الخطابي

أما اعتذاره الثاني عن عمر فهو الطامة الكبرى والمصيبة العظمى ولقد أصابه الهوى العمري وهو كالهوى العذري بحيث أخّر عقله وقدّم هواه ، فراح يعتذر باعذار مهلهلة لا تستر عورة ولا تصون جسماً والقصد من ذلك توجيه عمل الشيخ وتبرئة ساحته .......
تسائل العيني في العمدة قائلاً : فإن قيل : كيف جاز لعمر أن يعترض على ما أمر به النبي عليه الصلاة والسلام قيل له : قال الخطابي(عمدة القاري ، ج2 ص171 ) : لا يجوز أن يحمل قوله أنه توهم الغلط عليه أو ظن به غير ذلك مما لا يليق به بحاله لكنه رأى ما غلب عليه من الوجع وقرب الوفاة خاف أن يكون ذلك القول مما يقوله المريض مما لا عزيمة له فيه فيجد المنافقون بذلك سبيلاً إلى الكلام في الدين ....
ونقول له : برّئها من العيوب وعقر ولو لا جلال العلم واحترامنا لمن تزيّا بزيّه لقلنا في حقه من الكلام ما هو أهل له واسمع واعلم وافهم يا خطابي وانت يا من لف لفه لا توجد كلمة في العربية أوقع في الهجو وأجمع للذم من كلمة « يهجر » فإن معناها يهذي فكيف يعتقد في عمر أنّه لم يتوهّم الغلط وليته توهمه وأحسن القول لأن الإنسان قد يغلط من غير قصد ثم يتلافاه ولا غضاضة عليه به أما الهذيان ففيه ذهاب العقل وغياب حسّ الإدراك . وكيف يحسن الخطابي الظن في عمر بأنّه لم يظن في النبي ما لا يليق وهل عند الشيخ أن الهجر والهذيان مما يليق به (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا يليق في عمر .
واسئل لو انني قلت اليوم في مسجد من مساجد الرياض أو جده أو مكة ، أن عمر يهجر فما كنت ألاقي من شيعته ؟!

وأمّا قوله عن عمر : لما رأى ما غلب عليه من الوجع الخ فهذا تكرار لما قاله عمر ولكن بصيغة ادنى الى التهذيب . فالخطابي كسيده الصحابي يعتقد بالنبي الهجر فإنّا لله وإنّا إليه راجعون .
وأما قوله عن المنافقين فمتى كانت لهم كلمة مرهوبة بين المسلمين ألم يكن نفاقهم دليلاً على ضعفهم وخذلانهم .
ولئن صحت كلمة الخطابي هذه فإن قول المنافقين بعد رد عمر للكتاب وقوله عن النبي أنّه يهجر أكثر من أي مناسبة اخرى .
بل أعطاهم عمر الذريعة بعد رميه النبي الكريم بالهجر أن يتطاولوا على قدس النبي بمثله وبأكثر منه وهل بإمكان المنافق أن يقول باعظم مما قاله عمر أو فعله وهل وجد المنافق الجرأة في يوم من الأيام ليقول عن النبي أنّه يهذي .......
وقال الخطابي : وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يراجعون النبي عليه الصلاة والسلام في بعضى الاُمور قبل أن يحزم فيها كما راجعوه يوم الحديبية في الخلاف وفي الصلح بينه وبين قريش فإذا أمر بالشيء أمر عزيمة فلا يراجعه أحد....( العيني ، عمدة القارئ ، ج2 ص171 ) .
أقول : أما المراجعة التي هي الاستفهام والاستيضاح كما فعل الحباب بن المنذر بن الجموح حين خرج رسول الله يريد بدراً فنزل أدنى ماء من بدر فقال له الحباب : يا رسول الله أرأيت هذا المنزل ، أمنزلاً أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه ، أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ قال : بل هو الرأي والحرب والمكيدة فقال : يا رسول الله فإن هذا ليس بمنزل فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله ثمّ نغوّر ما ورائه من القلب ثمّ نبني عليه حوضاً فنملأه ماءاً ثمّ تقاتل القوم فنشرب ولا يشربون فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : لقد اشرت بالرأي(الروض الأنف ، ج3 ص26 ) هذه هي المراجعة المقبولة المرضي عنها وعن صاحبها أما مراجعة الرد والعصيان والبذائة التي أغضبت النبي فطردهم من أجلها فهي مرفوضة من الاُمة قاطبة وهي مذمومة ... وإن تأوّل له المتأوّلون ونحتوا له الأعذار كائناً من كان ، ونسئل الخطابي عن هذه المراجعة التي قاس عليها مَن مِن صحابة النبي فعلها غير عمر ... ؟؟!
أليس هو صاحب صلح الحديبية ، حين أنكره على النبي ؟
أليس هو الشاك وقد أخبر عن نفسه وما نزل به مما سمّاه أمراً عظيماً ؟ ولقد قال صاحبه له حين بدى الشك في نبوة رسول الله منه : الزم غرزه أنه لرسول الله حقاً .
أليس هو المنكر للفتح الوارد في الآية ؟ فما كان يسميه فتحاً ردّاً على الله ورسوله ؟
.....والعجب قوله : فإذا أمر بالشيء أمر عزيمه فلا يراجعه أحد : فاسئله أما كان صلح الحديبية أمر عزيمه لما اعترض عليه الفاروق واعلن شكه ؟! ثمّ إن عدم تنزيه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن العوارض البشرية من أجل عمر حاك عن ضحالة الدين وتفضيل عمر على سيد المرسلين واتخاذ سنة عمر مثالاً تقاس عليها النبوة والشريعة والدين .
ومضافاً إلى كون الخطابي الذي اجتمع القوم على نقل اعتذاره كالعيني وابن حجر والكرماني في شروحهم على البخاري والنووي في شرحه لمسلم أقول : مضافاً إلى كونه يرسل القول على عواهنه فقد أساء إلى قدسية المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) حين أقر عمر على ما تجرأ به على هذه القدسية المصونة وأكدّ قوله للنبي «يهجر» فقال : ومعلوم أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وإن كان قد رفع درجته فوق الخلق كلهم فلم ينزّه عن العوارض البشرية .. الخ(العيني ، عمدة القارئ ، ج2 ص171 وانظر فتح الباري وشرح الكرماني والنووي على مسلم .) .
وهذا عين ما قاله عمرو لكن بصيغة أخرى ويقول الخطابي : يجوز عليه الخطأ فيما لم ينزل عليه فيه الوحي واجمعوا كلهم أنّه لا يقر عليه .
أقول من أين علم هذا العاشق المتبول أن الوحي لم ينزل على النبي ساعة طلب الكتاب .
وإذا جاز عليه الخطأ فأين العصمة إذن وما الفرق بين النبي وبين من عداه بل يحمل هذا القول ضمناً تفضيل عمر عليه لأنهم اعتبروا النبي مخطئاً حين طلب الكتاب كما دلّ على ذلك فحوى اعتذارهم كما اعتبروا عمر مصيباً وهذا من مصائب الدهر وهو حاك عن رقة الدين عند هؤلاء القوم وإن ما عندهم مما يسمّى ايماناً بالله ورسوله لا يصب في مجرى الإسلام بل هو تعصب للباطل ودفاع عن الضلال وتيهٌ في مهاوي الزيغ . وهاهم يستدلون على صواب إمامهم بقضية مزعومة تصوروها بعقولهم ثم استنطبوا منها قضية أخرى وذلك أنّهم زعموا أن عمر لو لم يكن مصيباً لماترك النبي الإنكار عليه ونقول لهم ببساطة وهل يكون انكار أكبر من الغضب والطرد إنّ طردهم من حضرته دليل على غضبه عليهم وإنكاره .
ونقول للمازري ـ وهذا طامة اخرى ـ كما قلنا لصاحبه الخطابي : اخفقت يا شيخ في ترجيك بلعلّ فلو كانت هناك قرينة لما جرى من امامك ... ما جرى ولما انقسم الصحابة بين مؤيد ومفنّد ولو كانت قرينة لا تحد موقفهم أزاءها .
وقال القرطبي : «أئتوني» أمر وكان حق المأمور أن يبادر للأمتثال لكن ظهر لعمر وطائفة أنّه ليس على الوجوب وأنّه من باب الارشاد إلى الاصلح فكرهوا أن يكلفوه من ذلك ما يشق عليه في تلك الحالة مع استحضارهم قوله تعالى «ما فرطنا في الكتاب من شيء» وقوله تعالى : «تبياناً لكل شيء» ولهذا قال عمر عنه : حسبنا كتاب ربنا وظهر لطائفة أخرى أنّ الأولى أن يكتب لما فيه من امتثال أمره ....( العيني ، ج2 ص171 وص172 ) .
أقول للقرطبي : لا يبقى محل لهذا الكلام بعد قول عمر : «يهجر» أو قول مرادفها «غلبه الوجع» فكلاهما من سنخ واحد .
والدليل على أنّه للوجوب ولم يكن ذلك ملحوظاً لعمر ... قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لن تضلوا بعده ولقد جمع النبي بهذه الكلمة جوهر رسالته وهل ارسله الله إلاّ لنفي الضلال ولهداية الناس وإرشادهم .
ولو نظر عمر في مصلحة الاُمة ... لسارع بالإجابة ولم يحل بين النبي وبين الكتابة وتولّى كبر الرد على النبي وناء بثقل العصيان وتحمل كل ضلالة وفتنة ترتبت على ترك الكتابة فهي في عنقه وعنق من أعانه إلى يوم القيامة كما شاركه من اعتذر عنه .

( يتبع )