عرض مشاركة مفردة
  #39  
قديم 27-04-2002, 12:59 PM
shaltiail shaltiail غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2001
المشاركات: 342
إفتراضي

وقفة قصيرة مع الحافظ بن حجر !!:

حشد احبار المسلمين كل طاقاتهم العلمية للدفاع عن عمر فما وفقوا والحمد لله وجاء اعتذارهم اقبح من فعل عمر واستبان لنا مما سلف أن اعتذارهم أدّى إلى تخطئة النبي وإثبات العوارض البشرية أي يهجر عليه وتفضيل عمر عليه بالنقاط التالية :

أولاً : اخطأ في طلب الكتاب ـ وحاشاه من قول الجاهلين ـ وأصاب عمر .

ثانياً : أراد النبي أن يكلفهم ما يعجزون عن حمله فبادر عمر إلى رده فكان له الفضل على المسلمين حين حماهم من هذا التكليف الباهض .

ثالثاً : صار النبي في طلب الكتاب سبباً لتقول المنافقين على الإسلام ولكن عمر حماه منهم في رد الكتاب .

رابعاً : فضلوا عمر بالفقه على ابن عباس حين اكتفى بالقرآن ولم يكتف به ابن عباس ولازم هذا أن يكون عمر أفقه من رسول الله أيضاً لأنه لم يكتف بالقرآن وطلب منهم الكتاب .

ولا تكون نتيجة الاعتذار بالباطل أحط من هذه النتيجة وجاء دور ابن حجر العسقلاني فصب اهتمامه على قول عمر «يهجر» ولم يكن البادئ بذلك بل سبقه الرواة إليها حين اعيتهم الحيلة ولم يجدوا مخرجاً من هذا المازق وسدّت في وجوههم المسالك إلاّ مسلكين :

الأول : خسارة الفاروق وهي خسارة جسيمة بخاصة إذا عرفنا أنّه ثالث الدعائم الحاملة لمذاهبهم تاريخاً ومعتقداً وفقهاً .

الثاني : اللعب بالنص روحاً ولفظاً وتحريف الكلم عن مواضعها وتبديل لفظة ثقيلة بأخرى أخف منها وإن كان المؤدى واحداً . وحمل جريرة الواحد على الجميع وهكذا .

وفعلاً فقد اختاروا الثاني كما اتّضح لك مما سلف وأهم ما في الرواية امور ثلاثة النبي وفاروقهم ولفظ يهجر أمّا النبي فقد جوزوا عليه ما لا يجوز بل ما نقاه القرآن عنه من أجل الاحتفاظ بالثاني فاروقاً ومحدّثاً وسراجاً للجنة ويثيب الله على حبه كما يثيب على التوحيد أو أكثر .
وأمّا عمر فنحتوا له الأعذار وقلبوا القضيّة لصالحه فاصبح العجيبة ( الثامنة أو ) التاسعة في الدنيا وصارت القضية التي يكفّر بها غيره لو قالها أو فعلها تستنبط له منها المقامات السامية فهو الفقيه وهو المشفق على الإسلام وعلى النبي وهو حامي حمى الفضيلة والإجتهاد وهو عون العلماء ونصيرهم لأن النبي لو كتب الكتاب لبطل الاجتهاد وتضاءل دور العلماء أرأيت من هاهنا دهينا(البيهقي ، دلائل النبوة ، ج7 ص184 ) .
وأمّا لفظ «يهجر» فصيّروه هكذا : ما شأنه ؟ أهجر ؟ ونسبوا قول ذلك إلى جماعة الأصحاب الموجودين ساعتئذ بحضرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .
وأنت تعلم أنّه من المستحيل طبعاً أن يقولها الجميع دفعة واحدة دونما سابق تقدم ولاحق اقتفى آثره وهذا واضح لمن تدبره لا مرية فيه فالسابق إليها عمر واديرت دفة الكلمة صوب غيره لتخف الوطأة عليه وهذا الإهتمام بالرواية إلى هذا الحد كان من أجله كما هو واضح . ثمّ شرعوا في ترقيص كلمة يهجر لتكون بمثابة الزئبق لا تستقر على حالة .
قال الحافظ : بهمزة بجميع رواة البخاري ، وفي الرواية التي في الجهاد بلفظ «فقالو هجر» بغير همزة ووقع للكشميهني هناك فقالوا : هجر هجر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أعادوا هجر مرّتين .
قال عيّاض معنى أهجر افحش يقال : هجر الرجل إذا هذى واهجر إذا أفحش الغرض من تغيير الفعل إلى الرباعي المهموز هو تغيير معناه إلى أفحش ونسبته إلى النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) أخف وطأة على عمر من نسبة الهجر .
ثم قال الحافظ بعد قبوله لتلخيص القرطبي وتقديمه على غيره وتسميته حسناً :
وحاصله أن قول هجر الراجح فيه إثبات همزة الاستفهام وبفتحات على أنّه فعل ماضي .
وبهذا التزويق للكلمة تبرد اللوعة على الحبيب إذا كان بنحو الاستفهام لا بنحو الخبر مع كونه منسوباً إلى الحاضرين جميعاً ومع حصول الشك بأن عمر ليس في القائلين ثمّ شرع الحافظ في تفسير الهجر بعد ضبطه بالضم ثم السكون قال والمراد به هنا : ما يقع من كلام المريض الذي لا يتنظم ولا يعتدّ به لعدم فائدته ووقوع ذلك من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مستحيل لأنّه معصوم في صحته ومرضه لقوله تعالى : «وما ينطق عن الهوى» ولقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : إني لا أقول في الغضب والرضا إلاّ حقاً وإذا عرف ذلك فانما قاله من قاله منكراً على من توقف في امتثال أمره بإحضار الكتف والدواة فكأنه قال : كيف تتوقف أتظن أنّه كغيره يقول الهذيان في مرضه ؟ امتثل أمره واُحضره ما طلب فإنّه لا يقول إلاّ الحق قال : هذا أحسن الاجوبة(ابن حجر ، فتح الباري ، ج7 ص739 وص740) .
وقال الحافظ أيضاً ملخصاً قول القرطبي : ويحتمل أن بعضهم قال ذلك عن شك عرض له ولكن يبعده أن لا ينكره الباقون عليه مع كونهم من كبار الصحابة ولو أنكروه عليه لنقل .
ويحتمل أن يكون الذي قال ذلك صدر عن دهش وحيرة كما أصاب كثيراً منهم عند موته وقال غيره ويحتمل أن يكون قائل ذلك أراد أنّه اشتدّ وجعه فاطلق اللازم وأراد الملزوم لأن الهذيان الذي يقع للمريض ينشأ عن شدّة وجعه(فتح الباري ، ج7 ص740 ) .

ونقول له :
أولاً تمطيط العبارة إلى هذا الحد وتحميلها هذه الجمل الطويلة يرده قول عمر : غلبة الوجع وهي العبارة الملطفة بل المحرقة عن «يهجر» وقد جعل القرطبي أو غيره ذلك أحد الاحتمالات ولكنه عكس فقد استنبط أن القائل نطق باللازم وهو الهذيان وأراد الملزوم وهو غلبة الوجع .
والعبارة المنسوبة إلى عمر هي الملزوم وأرادة اللازم . وعلى أية حال فالمؤدّى واحد والمحذور حاصل وما فر منه الحافظ وأصحابه وقعوا فيه . ولا يجدي التطويل فتيلاً .

وثانياً : كيف لم ينكره الصحابة وقد اختلفوا إلى درجة الخصومة راجع رواية 7366 من فتح الباري وفيها : واختلف أهل البيت واختصموا(فتح الباري ، ج13 ص347 ) .
وفيم هذه الخصومة ليت شعري إن لم تكن في الإنكار على القائل . وأما قوله : لو أنكروا لنقل إلينا .
أقول الدواعي آنئذ متوفرة لكتمان كل شيء بخاصة والقائل هو الفاروق وقد أوتي وجماعته ... الحكم بعد رسول الله فكيف يبقون على أثر للحادثة وهل يظن عاقل أنهم يتركون ذيولهاعالقة بهم وهي حجة عليهم وواحدة من أسباب ادانتهم .
وأنت تعلم أن عمر حارب السنة واحرقها ونهى عنها وبعد هذا لا يبقى شك بأنّهم قضوا على كل أثر للحادثة . وهناك احتمالات باردة ركيكة اطلقها الحافظ ليس من داع لتحريرها هنا .
والواقع أن عمر هو قائل الكلمة ... وحده وساندته ... ( جماعته ) وقالوا : القول ما قاله عمر .
وكان هدفه من منع الكتاب أن لا ينص على علي (عليه السلام) ولو كتبه لردّه وحجّته أنه كتبه وهو يهجر فلا يعقل . وهذا الذي جعل النبي يعرض عن الكتابة لأنّ اختلافهم بعد طلبه أهون من اختلافهم بعد كتابته بل هو اختلاف لا يكاد يذكر بالقياس إلى ما يحدث من الشقاق العظيم والانقسام الشديد . وحينئذ تكفر الاُمة برمتها حال كتابة الكتاب وردّه .

(يتبع)