عرض مشاركة مفردة
  #10  
قديم 27-04-2002, 01:01 PM
shaltiail shaltiail غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2001
المشاركات: 342
إفتراضي

ماذا أراد النبي أن يكتب !

لا يخالج ذا مسكة ريب أنّ موقف عمر الصلب وتحمسه الشديد لدفع الكتاب ليس عفو الخاطر أو هو وليد الارتجال أو الاندفاع الذي أملاه الدهش في تلك الساعة العصيبة والآونة الرهيبة من توديع نعمه واستقبال مصيبة ، بل دلّت قرائن الحال أن الرجل ومعه أصحابه ومراكز القوى القرشية كانوا يعلمون بما ينوي النبي كتابته من النص المكتوب على صاحب الأمر بعده وحينئذ تردم في وجوههم المسالك وتخفق الخطة التي اجمعوا على تنفيذها بعد وفاة النبي ، بخاصة وإن الكاتب للكتاب هو أميرالمؤمنين (عليه السلام)( عمدة القارئ ، ج2 ص171 ) . من هنا قامت قيامتهم وضحّوا بالدين من أجل دنياً يصطادونها وفعلاً عُجّلت لهم هذه اللذة وأجّل عنهم ما سوف يحاسبهم الله عليه .
وقد أشار المأرخون إلى طرف من ذلك ، قال الخطابي في الكتاب الذي هم النبي بكتابته يحتمل وجهين :
أحدهما أنّه أراد أن ينص على الإمامة بعده فترتفع تلك الفتن العظيمة كحرب الجمل وصفين وقيل أراد أن يبيّن كتاباً فيه مهمات الأحكام ، ليحصل الاتفاق على المنصوص عليه ثم ظهر للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إن المصلحة تركه أو أوحي إليه به(عمدة القاري ، ج2 ص171) . ورجح هذا القول ابن حجر(فتح الباري ، ج1 ص252 ) .
وأنت إن جانبتك العصبيّة وأَصخت السمع لصوت العقل لتعلمن علم اليقين إن الصحيح هو الإحتمال الأول ولذا ثارت ثائرة الثاني ... وإلاّ فما يضيره من كتابة الأحكام ولو ملأ بذلك رسول الله ألف طرس وطرس وهناك قول مضحك ذكره سفيان بن عينية وهو يدلّ على تخبط القوم في تيه بني السقيفة وهو كتيه بني اسرائيل .
وقال سفيان بن عينية : أراد أن ينص على اسامي الخلفاء بعده حتى لا يقع منهم اختلاف ويؤيده أنّه (عليه السلام) قال في أوائل مرضه وهو عند عائشة أدعي لي أباك وأخاك حتى اكتب كتاباً فإني أخاف أن يتمنّى متمنّ ويقول قائل ويأبى الله والمؤمنون إلاّ أبابكر(عمدة القارئ ، ج1 ص171 ، فتح الباري ، ج1 ص252 ، والقول الأول حذفه ابن حجر لأن فيه تأييداً لما تذهب إليه الشيعة ) .
وحرّف النووي قول سفيان فلم يذكر النص على الخلفاء بعده بل اقتصر على استخلاف أبي بكر فقال : وقد حكى سفيان بن عينية عن أهل العلم قبله أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم)أراد أن يكتب استخلاف أبي بكر ثمّ ترك ذلك اعتماداً على ما علمه من تقدير الله تعالى ....( النووي على مسلم ، ج11 ص90 ).
ونقول لهؤلاء المساكين : لو صحّ هذا أكان عمر يصاب بتلك اللوثة ؟ أليس ذلك مراداً له ولجماعته وهل يريد عمر أكثر من النص على صاحبه وعليه من بعده ؟ ولو علم ذلك لطار إليه مسرعاً ولم يتلكأ كيف وهو يستدلّ على تقديم أبي بكر بما يقال من تقديمه للصلاة ويبني من هذه الحبة قبة .
أكان يتراجع عن الكتاب لو علم بما فيه من تحقيق حلمه الذهبي بتولية صاحبه وبالنص عليه ؟! أجل استندوا إلى هذا القول الخائب بما روته عائشة من أنّ النبي قال لها : ادعي لي أباك وأخاك حتّى أكتب كتاباً فإني أخاف أن يتمنّى متمن ويقول قائل ويأبى الله والمؤمنون إلاّ أبابكر أخرجه مسلم وللبخاري معناه(راجع ! العيني عمدة القارئ ، ج2 ص171 ) .
وهذه الرواية موضوعه في مقابل رواية الكتاب ولولا أنها مروية في كتابي الشيخين لما ألقى أحد إليها بالاً لأنّها نحمل عناصر زيفها ويدلّ سياقها على وضعها .
ولو أنّ النبي أعدّ الصديق والد الصديقة لعروس الخلافة لما أخرجه مع أسامة بن زيد !!
ولو علم أبوبكر أو صاحبه بالكتاب لاحتج على أهل السقيفة به ولو صح الكتاب لما جاز له أن يقدم للبيعة عمر أو أبا عبيدة لأن ذلك يعتبر ردّاً لوصية النبي له ونصّه عليه .
ولو صحّ الكتاب لبطلت نظرية الاختيار والشورى ولكان شيعة علي وشيعة عتيق متساويين في ادعاء النص وترى القوم وفيهم الصديقة أشد الناس انكاراً للنص .
ولو صحّ الكتاب لما أنكر عبدالله بن أبي أوفى الوصية فقال لمن سأله : هل أوصى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال : لا فقلت فلم كتب على المسلمين الوصية أو فلم أمروا بالوصية قال : أوصى بكتاب الله عزوجل(رواه البخاري في الوصايا والمغازي وفضائل القرآن ورواه مسلم في الوصايا والترمذي في الوصايا ، والنسائي في الوصايا وابن ماجة في الوصايا . راجع تحفة الاشراف ، ج4 ص284) .
ولما أنكرت عائشة الوصية فقالت : ما ترك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ديناراً ولا درهماً ولا شاة ولا بعيراً ولا أوص بشيء(أخرجه مسلم في الوصايا وأبو داود في سننه كتاب الوصايا والنسائي في الوصايا الكبرى وابن ماجة في الوصايا راجع تحفة الاشراف ، ج12 ص308 ) .


خاتمة المطاف

علمت مما تقدم حقيقة هذا الكتاب المبتلى ولماذا ردّه عمر وجماعته وعارضوه .
وكان هذا الكتاب مسرحاً لاستنباطات كثيرة ، منها ما قاله النووي عن اتفاق العلماء المتكلمين على أنّه من دلائل فقه عمر وفضائله ودقيق نظره !!!( النووي على مسلم ، ج11 ص90 )
ومنها ما قاله ابن بطال : وفيه شاهدٌ على بطلان ما يدعيه الشيعة من وصاية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالإمامة لأنه لو كان عند علي (رضي الله عنه) عنه عهد من الرسول صلعم أو وصيه لأحال عليها ...( الكرماني على صحيح البخاري ، ج2 ص128 )
ونقول لهذا ... المتحيّر : إنّ الشيعة لا تدّعي بأن الوصية عبارة عن صك كتبه النبي واعطاه بيد الإمام (عليه السلام) وإنما هي أحاديث متواترة صرّح بها النبي بوصايته ووراثته وخلافته من بعده ... كحديث يوم الدار وحديث الغدير والثقلين وما إلى ذلك .
والآن أراد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقرن القول بالعمل لأن الحديث المسموع عرضة للزيادة والنقصان وهو معرض أيضاً للنسيان .
من ثم طلب الكتاب لينص عليه تحريراً كما نص عليه شفهياً وعلم عمر بذلك فمنعه واحدث فتنة أعانه عليها ( أتباعه ) ولو كتبه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لكانت المصيبة أكبر والرزية أعظم لأن القوم مجمعون على الخلاف ولو كتب ألف كتاب وكتاب وهم قد عارضوه في تأمير أسامة على سرية حتى لعنهم فكيف يرضون بتأمير علي على الاُمة واستخلافه .
وحينئذ ما الذي يحول بين عمر وبين أن يقول إنّ الكتاب كتب والنبي مشف على الموت وهو في حالة ..... فلا تقبله . وحينئذ تكفر الامة قاطبة برده والنبي إن ترك تبليغ ما أمره الله به تحريراً فما تركه قولاً حيث أوصاهم بثلاث وهذا تمام الحديث :
أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم وسكت عن الثالثة أو قال فنسيتها .
وهذه الثالثة هي التي أراد النبي أن يكتبها وهي وصية الإمام أميرالمؤمنين (عليه السلام)وخلافته ولهذا نسيت فلم تذكر . وأخيراً نقول : إن جميع الفتن والمصائب والحروب والاقتتال وما جرى في خلافة عثمان وبعده من حروب الجمل وصفين والنهروان وحرب كربلاء وما كان بين بني امية وبني العباس وفتن الخلافة ومخالفات الأحكام والدماء التي سفكت والأموال التي نهبت والأعراض التي هتكت في حرب الحرة وغيرها . وكل ضلال اصيبت به الأمة الاسلامية امس واليوم في عنق اولئك الذين منعوا كتابة الكتاب وقد أخبرهم نبيهم (صلى الله عليه وآله وسلم) : لن تضلوا بعده .
فقل لعشاق أبي حفص : قولوا ما تشائون واعتذروا عنه بما ترون وأوّلوا وغيّروا وبدّلوا فإن الحق أقوى من كل قوة والباطل زاهق والحمد لله .
.... ومن دقق نظره فيه عرف ما بيّته القوم لأهل البيت (عليهم السلام) بعد وفات النبي الأعظم . وكانت المواقف من الصحابة بداية تلك المصائب التي حلت بأهل البيت .
... يعد الاجراء الذي اتخذه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل وفاته من تسريح جيش اسامة وطلب الكتاب فرصة نادرة لم يمكن اهتبالها حتى سقط الحكم بأيد أقل ما يقال فيها إنها ليست معدة من الله لممارسته بل تم لها الانتزاء على دسته بمعونة ظروف خاصة ذكرها أكثر المؤرخين ليس هنا موضع ذكرها ونرشد بالرجوع إلى كتاب «السقيفة» للعلامة المظفر فقد أشبع الموضوع بحثاً دونما تطويل ممل رحمه الله رحمة واسعة . وبدأت من يومئذ معالم المجتمع الاسلامي بالتغير وتبدل وجهه الناصع بأشراقة الإسلام وتربية النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى وجه مظلمة سحناته عابسة قسماته كسته حروب ما يسمّى بالرده بلون داكن من البؤس .... والارهاق ....)) (الحكم والأخلاق في منطق الثورة الحسينية(مع تعديلات طفيفة))

خلاصة النقطة الثانية أنك أسأت توجية البيانات أو المعطيات وبالتالي تكون إستنتاجاتك ( المرحلة الثالثة ) خطأ في خطأ حتى لو أحسنت التحليل في المرحلة الثانية ... فلو أردنا أن نضع بعض ملاحظاتك ( مع غض الطرف عن خللها ) في موضعها الصحيح فسوف تكون بالشكل التالي :
((
1- الهذه الدرجة بلغلت في كتب أهل السنة وصحاحها الجرأة ان يقولوا ان الرسول مات وفي نفسه امنية لم يستطع ان يحققها ومنعه انسان اخر عن ذلك.
2- الهذه الدرجة بلغلت في تلك الكتب الجرأة ان يستخفوا بقدرة الرسول على فرض ما يريده بوجه اي كان.
3- الم يكن باستطاعة الرسول وهو رسول الله والذي بمتلك قدرة الاهية بتبليغ وتنفيذ اي شئ لان الله معه من ان يكتب هكذا كتاب.اليس هذا طعنا بقدرة الله (اعوذ بالله من هكذا امر(
4- اذا كان الامر الذي اراد الرسول ان يكتبه امرا اوحي اليه به لابلاغه,ايقف عمر ومن معه دون ان يتم التبليغ؟
))
هذه هي ملاحظاتك على الأساس الصحيح وقد إنعكست ضدك كما قلت لك في مشاركاتي السابقة... والخلل هنا الآن هو في آلية المعالجة والتي تقدم ذكرها في النقطة الأولى وليس في البيانات الصحيحة ..
وسأضع هنا مجموعة من الملاحظات المبنية على الأساس السليم والتحليل الجيد بما يتناسب والموقف (وهو قول صاحب أصل الشيعة وأصولها) :
لنتجنَب ما أمكننا الخوض في غمار الشجون والتاسُف جهدنا ، ولنتسائل لعل في التساؤل والبحث عن الجواب تتحقق غاية مبتغي المعرفة ، وهو ما يريده المنصفون خلاصة لجهدهم :

1 ـ ما كان ذلك الكتاب الذي أغاض رسول الله صلى الله عليه وآله اعراض بعض أصحابه عنه ، وجهدهم في منعه عن كتابته ، رغم ما صرَّح به من أنَّ الأمَّة لن تضل بعده أبداً ؟ هل كان أحكاماً شرعية ، وقد ثبت أنَ الرسول صلى الله عليه وآله لم يدخر جهداً في توضيح كل تلك الأحكام للمسلمين طيلة حياته ، ثم ما كان يمكن لتلك الصحيفة المحدودة أنْ تحويه من أحكام ، وفي تلك الساعات الأخيرة من حياة رسول الله صلى الله عليه وآله ! ! وكيف غفل هو صلى الله عليه وآله عنها ـ طالما هي من الأهمية بهذا الشكل ـ طيلة حياته ليتذكرها في هذه اللحظات الأخيرة؟

2 ـ لِمَ نبرى بعض الصحابة وعلى رأ سهم عمر بن الخطاب ـ كما تذكر ذلك المراجع المختلفة ـ إلى اتهام رسول الله صلى الله عليه وآله بالهجر والهذيان مباشرة بعد مطالبته صلى الله عليه وآله بتلك الصحيفة ؟ أما كان يجب عليهم أنْ يستجيبوا للرسول الذي أمرهم الله تعالى بوجوب الانقياد إلى أوامره دون مراجعة ومعارضة ، أو على أدنى الاستجابة مسائلته بماهية ذلك الكتاب أمام الملأ الحاضرين ؟

3 ـ هل تأمَّل البعض مبلغ التوهين الذي مُنيَ به رسول الله صلى الله عليه وآله من قِبل اولئك الصحابة ، حيث نبذوه ـ وهو المبلِّغ عن الله تعالى ، ومن لا ينطق عن الهوى ـ بالهجر وأمام الحاضرين المفجوعين به ، حتى سرت مقولتهم سريان النار في الهشيم ، وتلقَّفها اليهود والمنافقون وغيرهم من أعداء الدين فطفقوا يطبِّلوا لها ويزمِّروا ؟

4 ـ وأخيراً ، أما يحق لنا ان نتساءل ويتساءل معنا الجميعِ : لِمَ لم ينبس أحدٌ من اولئك الصحابة ببنتَ شفة رداً على ابي بكر ، واعتراضاَ عليه ، واتهاماً اياه بالهجر ، رغم انه اوصى بعمر خليفة من بعده حين غلبه الوجع وانشبت المنية فيه اظفارها ؟! بل هلّل ذلك البعض وكبرَّ خلاف ما بدا عليه حين اراد رسول الله صلّى الله عليه وآله كتابة عهده باستخلاف علي عليه السلام.
فاي الاثنين أملك لعقله دون الآخر ، بل وايهما رسول لله تعالى دون الثاني ؟! انه مجرد تساؤل لا غير.

نعم وأقول بوضوح كما هو ينبغي أنْ لا يخفى على الجميع : إنِّها الوصاية بعلي عليه السلام لا غير ، وكان المتصدِّين لمنع اثباتها أدرى بها من غيرهم ، وذلك ليس بخاف على المتتبعين المتفِّحصين لأبعاد هذه الواقعة وما تلاها .

(يتبع)