عرض مشاركة مفردة
  #3  
قديم 05-05-2002, 11:53 AM
shaltiail shaltiail غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2001
المشاركات: 342
إفتراضي

قال: السنة هي قول النبي صلى الله عليه وآله وفعله وتقريره.
قلت: وهذا ما تعتقده الشيعة أيضاً ، ولكن هل استطيع أن أسألك عن اسلوبه صلى الله عليه وآله في التبليغ كيف كان ، وهل كان يعتمد القرائن المنفصلة ، كاستعمال المخصصات والمقيدات لعموماته ومطلقاته ، والناسخ لبعض ما انتهى أمد مصلحته من أحكامه.
قال: طبعاً : وما أكثر ما يأتي العام في الشريعة ، ثم يأتي بعد ذلك مخصصه ويأتي المطلق ثم يقيد بعد ذلك ، وهكذا.
قلت: وهذا ما نعتقده أيضاً ، وهي الطريقة التي يعتمدها الناس في أساليب تفاهمهم ، ولو كانت له طريقة خاصة تخالف ما ألفوه لوصلت إلينا عادته وطريقته في التبليغ كيف كانت؟ أكان يجمع الناس جميعاً عندما يريد أن يقول أو يفعل أو يقر أمراً يتصل بشؤون التشريع؟ وهل من الممكن له ذلك؟ وإذا أمكن أن نتصوره عندما يريد أن يبلغ من طريق القول ، فهل يمكننا تصوره عند الفعل أو الاِقرار؟ أي إذا أراد أن يفعل شيئاً ، أو يقر جمع الناس كلهم ، ففعل ما يريد فعله أو أقر ما يريد إقراره أمام الجميع ، ستقول بالطبع: لا ، وإنما كان يبلغ على الطرق المتعارفة، كأن يصدر الحكم أمام فرد أو فردين ، وهؤلاء يكونون الواسطة في التبليغ ، وعلى من لم يحضر أن يفحص عما يجد من الاَحكام.
وهنا ذكرت مضمون كلام لابن حزم ، أوثر الآن أن أنقله هنا بنصه لقيمته يقول ابن حزم وهو يتناول هذه الناحية من التشريع : ولا خلاف بين كل ذي علم بشيء من أخبار الدنيا ، مؤمنهم وكافرهم ، أن النبي صلى الله عليه وآله كان بالمدينة وأصحابه رضي الله عنهم مشاغيل في المعاش ، وتعذر القوت عليهم لجهد العيش بالحجاز، وأنه صلى الله عليه وآله كان يفتي بالفتيا ويحكم بالحكم بحضرة من حضره من أصحابه فقط ، وأن الحجة إنما قامت على سائر من لم يحضره صلى الله عليه وآله بنقل من حضره ، وهم واحد أو اثنان ويقول أيضاً: « وبالضرورة نعلم أن النبي صلى الله عليه وآله لم يكن إذا أفتى بالفتيا أو إذا حكم حكم بالحكم يجمع لذلك جميع من بالمدينة هذا ما لا شك فيه ، لكنه صلى الله عليه وآله كان يقتصر على من بحضرته ويرى أن الحجة بمن يحضره قائمة على من غاب، هذا ما لا يقدر على دفعه ذو حس سليم » (4) .
ثم قلت: وإذا كان حساب السنة هو هذا ، سواء من حيث الاعتماد على القرائن المنفصلة ، أو من حيث اُسلوب تبليغها ، وهي لم تدوّن على عهده أو عهود الخلفاء من بعده ، فهل يمكن اعتبارها مصدراً تشريعياً يجب الرجوع إليه؟
قال أحدهم : ولِمَ ، ألمْ يجعلها القرآن من مصادر التشريع؟ ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) (5) ( وما ينطق عن الهوى ) (6) الآية.
قلت: لا أشك في ذلك، ومن ينكر حجيتها فهو ليس بمسلم ، لاِنكاره أهم الضروريات الاِسلامية ، ولكن اسألك ماذا يصنع من يحتاج إلى معرفة حكم لم يجده في كتاب الله.
قال: يرجع إلى النبي صلى الله عليه وآله لاستفساره عنه.
قلت: وبعد وفاته.
قال: يرجع إلى صحابته.
قلت: هب أنه وجد عاماً عند أحد الصحابة ، واحتمل أن يكون له مخصص عند غيره ، أو وجد حكماً واحتمل نسخه ، أو مطلقاً واحتمل تقييده ، فماذا يصنع إذ ذاك؟
قال: عليه الفحص من قبل بقية الصحابة.
قلت: كيف؟ والصحابة مشتتون أيظل هذا السائل ـ وافترضه ممن دخل الاِسلام جديداً ـ يبحث عنهم حتى يستوعبهم فحصاً ، وفيهم من هو في الحدود يحمي الثغور، وفيهم الحكام والولاة في البلاد المفتوحة بعيداً عن الحجاز، وفيهم المشتتون في قرى الحجاز وأريافها، وربما أنهى عمره قبل أن يصل إلى ما يريد؟!
وبعد عصر الصحابة ماذا يصنع الناس.
قال: يرجعون إلى مَنْ أخذ عن الصحابة من التابعين!
قلت: إذا امتنع استيعاب الفحص عن الصحابة مع قلتهم نسبياً ، فهل يمكن ذلك بالنسبة إلى من أخذ عنهم ، وهم أضعاف مضاعفة ، وكثير منهم مجهول، وإذا جاز ذلك في عصر التابعين ، فهل يجوز في العصور المتأخرة عنهم وكيف؟
ألا ترى معي ـ يا سيدي ـ أنه ليس من الطبيعي أن يفرض على الاُمة ـ أية أمة ـ مصدر تشريعي يلزمون بالاَخذ به ، وهو غير مجموع ومدوّن ومحدد المفاهيم ليمكن أن تقوم الحجة به عليهم.
ثم هل يمكن لاَية دولة متحضرة أن تعتبر تصرفات أحد حكامها قولاً وفعلاً وتقريراً في مدى حياته قانوناً يجب الرجوع إليه إلى جنب أحد قوانينها المدوّنة ، مع أن هذه الاَقوال والاَفعال والتقريرات لا تقع إلا أمام أفراد محدودين وغير معروفين تفصيلاً ، ولا الاَحاديث التي جرت أمامهم معروفة ، وهم لم يجمعوها بدورهم ولم ينسقوها ، كأن يضعوا إلى جنب العمومات قرائن التخصيص مثلاً وهكذا.
قال: وكيف نلائم إذن ، بين اعتقادنا بلزوم الرجوع إليها ، وبين الواقع الذي تذكره؟
قلت: الصور المتصورة في المسألة اربعة ، نعرضها ونختار أكثرها ملاءمة للواقع العقلي والتأريخي.
الاُولى: أن نسقط السنة عن الحجية ونكتفي بالكتاب ، وفي هذا محق للاِسلام من أساسه ، وأظن أن إخواني العلماء يؤمنون معي أن الكتاب وحده لا ينهض ببيان حكم واحد بجميع ما له من خصوصيات ، فضلاً على استيعاب جميع الاَحكام ، بكل ما لها من أجزاء وشرائط.
الثانية: أن نحمل النبي صلى الله عليه وآله ـ وحاشاه ـ مسؤولية التفريط برسالته بتعريضها للضياع عندما لم يدونها ، أو يأمر الصحابة بالتدوين والتنسيق.
الثالثة: أن نحاشي النبي صلى الله عليه وآله عن تعمد التفريط ونرميه بعدم العلم ، وحاشاه بما ينتج عن إهماله التدوين من مفارقات ، أيسرها ضياع كثير من الاَحكام الشرعية ، نتيجة موت قسم من الصحابة حملة السنة ، أو نسيانهم أو غفلتهم ـ وهم غير معصومين بالاتفاق ـ وهكذا، هذا بالاِضافة إلى ما يسببه الفحص عن الاَحكام من قبل المحتاجين إليها من المكلفين ، من عسر وحرج بسبب تشتت الصحابة وتشتت رواتهم بعد ذلك ، إن لم يكن متعذراً أحياناً.
الرابعة: أن نفترض له جمعها وتنسيقها وإيداعها عند شخص مسؤول عنها، عالم بجميع خصائصها ليسلمها إلى من يحتاج اليها من المسلمين ، ثم يورثها من بعده لمن يقوى على القيام بها من بعده ، كما ورثها هو ، حتى تستوعب من قبل المسلمين تدويناً ، ويسهل الاِعتماد عليها من قبلهم ، ولو بالطرق الاجتهادية.
فإذا اعتبرنا السنة ـ بحكم الضرورة ـ من مصادر التشريع ، ونزهنا النبي صلى الله عليه وآله عن الجهل والتفريط برسالته ، تعين الاَخذ بالفرض الرابع.
ومن هنا نعلم أن النبي صلى الله عليه وآله ما كان مسوقاً بدوافع عاطفية ، وهو يؤكد ويحث ويلزم بالرجوع إلى أهل بيته ، بأمثال هذه النصوص، « إنما مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها غرق » (7) . « إن مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل ، من دخله غفر له » (8) « إني تركت فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا بعدي ، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الاَرض، وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفونني فيهما » (9) .
وقوله في تحذيرهم ، وهو يمهد لاِعلان النص على الاِمام يوم الغدير : « كأني دعيت فأجبت إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله وعترتي ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، ثم قال: إن الله عزوجل مولاي ، وأنا مولى كل مؤمن ، ثم أخذ بيد علي عليه السلام فقال: من كنت مولاه فهذا وليه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه » (10) .
وقوله ـ صلى الله عليه وآله في خصوص الاِمام علي عليه السلام ـ : « علي باب علمي ، ومبين لاَمتي ما اُرسلت به من بعدي » (11) .
وقال له : « أنت أخي ووارثي ، قال : وما أرث منك ؟ قال صلى الله عليه وآله : ما ورّث الاَنبياء من قبلي » (12) .
وفي رواية كنز العمال « ما ورث الاَنبياء من قبلي ، كتاب ربهم وسنة نبيهم » (13) .
قال أحدهم ـ وقد قطع عليّ سلسلة الكلام والتوسع برواية الاَحاديث ـ : نحن لا ننكر علم أهل البيت أو الاِمام علي ، ولا لزوم محبتهم والتمسك بهم ، بل نحن أكثر تمسكاً بهم منكم ، وإنما حديثنا في ثبوت العصمة لهم!!
قلت: صحيح أن حديثنا كان عن العصمة وليس عن العلم ، وما أظن أننا بعدنا عن الحديث لو تركتموني أتم الكلام وأربط بين حلقاته وما أدري ما دخل المفاضلة هنا ، والتماس أكثرنا تمسكاً بأهل البيت ، والحديث ليس مسوقاً لهذه الناحية العاطفية!
وهنا التفت أكثرهم إلى القائل بنظرة عتب ، ثم التفتوا اليّ وقالوا : تفضل فاستمر بالحديث.
قلت: فاذا كنتم قد اكتفيتم بهذاالمقدار من الاَحاديث ـ وفيها فعلاً بعض الكفاية لِما نريد ـ فإني أحب أن أعود إلى السؤال الاَول الذي وجهناه في بداية الحديث ما هو السر في التزامنا بعصمة النبي صلى الله عليه وآله
قال: أحدهم: سدُ فجوات الشك في أن ما يأتي به النبي صلى الله عليه وآله من قول أو فعل أو تقرير فإنما هو من الله عزوجل ، لا مجال فيه لرأي أو شبهة أو سهو أو غفلة أو تعمد كذب.
قلت: فإذا افترضنا أن أهل البيت عليه السلام كانوا هم الامناء على السنة وهم ورثتها بمقتضى هذه الاَحاديث ، ونحن مأمورون بالرجوع إليهم باعتبارهم الورثة لها، أفلا ترون أن الباعث الذي دعانا إلى الاَلتزام بعصمة النبي صلى الله عليه وآله ما يزال قائما بالنسبة اليهم ، وهو سدُ فجوات الشك في أن ما يؤدون إنما هو السنة الموروثة، لا آراؤهم الخاصة، ولا ما ينتجه الخطأ والنسيان والسهو وتعمد الكذب.
وإن شئتم أن تقولوا : إن فكرة الاِمامة امتداداً لفكرة النبوة وبقاءً لها باستثناء ما يتصل بعوالم الاتصال بالسماء من طريق الوحي ، فإذا احتاجت النبوة لاَداء أغراضها ـ بحكم العقل ـ إلى تحصينها بالعصمة ، احتاجتها الاِمامة لنفس السبب ما دامت الاِمامة امتداداً لها من حيث أداء الوظائف العامة كاملة ، وأهمها تبليغ السنة وإيصالها إلى الناس.
على أنا في غنى عن هذا النوع من الاستدلال بالعودة بكم إلى مضمون نفس هذه الاَحاديث ، ليكون استدلالنا بالسنة نفسها على عصمة أهل البيت عليهم السلام بدلاً من دليل العقل ، ولنختر من هذه الاَحاديث ما فيه تعميم لجميع أهل البيت عليهم السلام كحديث السفينة أو الثقلين، والاَفضل أن نتحدث عن:
حديث الثقلين
للتسالم على صحته عند جل المسلمين ، ولوفرة رواته بل ثبوت تواتره، وحسبه أن تصل طرقه لدى الشيعة إلى اثنين وثمانين طريقاً ، ولدى السنة إلى تسعة وثلاثين (14) ٍ. وما أظن أن حديثاً من الاَحاديث التي ادعي تواترها بلغ من وفرة الرواة ما بلغه هذا الحديث.
ثم ما أظن أن كتب الحديث والتأريخ والتفسير على اختلافها قد عنيت بمثل ما عنيت بهذا الحديث ، حتى بلغت الكتب التي روته في مختلف العصور المئات وألّفت فيه رسائل مستقلة (15) .
والظاهر أن سر هذه العناية البالغة بهذا الحديث هو عناية النبي صلى الله عليه وآله واهتمامه البالغ به ، فقد صدع به في حجة الوداع بعرفة ، وفي غدير خم ، وبعد انصرافه من الطائف ، وفي الحجرة قبيل وفاته ، وهكذا.

( يتبع )