عرض مشاركة مفردة
  #4  
قديم 05-05-2002, 11:55 AM
shaltiail shaltiail غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2001
المشاركات: 342
إفتراضي

قال أحدهم: وما نصنع بحديث (وسنتي) لو أخذنا بحديث الثقلين ، ولماذا تقدم حديث الثقلين عليه ، وهو معارض له.
قلت: إنما نقدم حديث الثقلين لاَنه حديث متواتر ، ولا أقل من شهرته وصحة طرقه ، وعناية الصحاح والمسانيد به ، بينما لم يرو حديث وسنتي إلا أفراد محدودون ، ورواياتهم لم تخضع لشرائط الاعتبار ، لوقوع الاِرسال فيها.
وعلى فرض صحتها ، فأين موقع المعارضة بين الحديثين ، وليس لها منشأ إلا توهم التدافع بين مفهوميهما، وهما لا يخرجان على كونهما من مفهومي العدد واللقب، وكلاهما ليسا بحجة في دفع الزائد، فأي محذور في أن يخلف الكتاب والسنة والعترة، وهو ما يقتضيه الجمع العرفي بينهما.
على أن أحدهما يرجع إلى الآخر، لما سبق أن قلنا من أن أهل البيت لا يأتون بغير السنة، لاَنهم ورثتها والمسؤولون عن تبليغها، وكلام أئمة أهل البيت عليهم السلام صريح في ذلك، وما أكثر ما تردد مضمون هذا الكلام على السنة قائلهم: حديثي هو حديث أبي ، وحديث أبي هو حديث جدي رسول الله ، فحديثنا واحد (16) .
ورواية السنة لا يمكن الاَخذ بها على ظاهرها ، لامتناع جعل مصدر تشريعي تسأل الاُمة على اختلاف عصورها عن العمل به، وهو لم يدوّن ولم ينسق على عهده ، ولا العهود القريبة منه، لما في ذلك من التفريط بالرسالة وتعجيز المكلفين دون أداء وظائفها كما سبق شرحه.
فالظاهر أن الحديثين يعضد بعضهما بعضاً ، ويؤديان ـ بعد الجمع بينهما ـ وظيفةً واحدةً ، مرجعها إلزام المسلمين بالرجع إلى السنة المودعة لدى أهل البيت عليهم السلام ، وعدم جواز إغفالهم لها.
قال أحدهم: ومعنى ذلك أنكم لا تأخذون بغير روايات أهل البيت عليهم السلام ، وتلقون بأحاديث أهل السنة ، ولا تعتمدونها؟!
قلت: يا أخي ومن قال ذلك ؟! إن السنة حجة على كل حال ، ثبتت من طريق أهل البيت عليهم السلام أو من طرق غيرهم، شريطة أن تشتمل على ما يوجب الاطمئنان بالصدور ، ولكن أهل البيت عليهم السلام معصومون عن الخطأ في أدائها، ومستوعبون لكل ما يتصل بها، بحكم هذه الاَحاديث التي مرت عليك.
قال: المعروف عنكم أنكم لا تأخذون بأحاديث غير الاِمامية ، ولا تعتمدونها!!
قلت: لا أعرف مصدراً لهذا القول ، كيف وفي كتب الدراية ما يسمى بالحديث الموثّق (17) وهو ما كان في طريقه غير إمامي، واعتماد الموثقات عندنا أشهر من أن يتحدث عنه، وحسبك أن تفتح أي كتاب فقهي شيعي لترى مدى الاعتماد عليه، وما أكثر ما اعتمد فقهاء الشيعة على الاَحاديث النبوية التي لم يقع في طريقها إمامي واحد إذا ثبتت لديهم وثاقتها، والمقياس في الاعتماد على الحديث عندهم حصول الاطمئنان لديهم بصدوره عن المعصوم نبياً كان أو إماماً، من أي طريق حصل، ومزية أهل البيت عليهم السلام ـ كما قلنا ـ استيعابهم لكل ما يتصل بالسنة وعصمتهم في أدائها.
وبتعبير أدل إن الرجوع إلى أهل البيت عليهم السلام قاطع للعذر وموقر للحجة ، فإذا حصلت الحجة من غير طريقهم لزم الاَخذ بها، نعم إذا تعارض كلام أهل البيت عليهم السلام مع غيرهم قدم كلام أهل البيت عليهم السلام ، نقدم كلام المعصوم على غيره للقطع بحجيته بحكم أدلة العصمة، والشك ـ على الاَقل ـ في حجية معارضه، والشك في الحجية من أسباب القطع بعدمها، لما ذكر وقرب في الاُصول من أن القطع مقوم للحجيّة، فمع الشك فيها يقطع بعدمها ، لعدم توفر عنصر العلم فيها.
قال: وحديث الثقلين أين موقع دلالته من العصمة ، وفي أي موقع من فقراته وجدتم ذلك؟
قلت: إن جل فقرات الحديث تدل عليها .
منها : اعتبارهم في الحديث قرناء للكتاب « إني قد تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر ، كتاب الله وعترتي » (18) وحيث أن الكتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، فكذلك قرناؤه.
ومنها : جعل العصمة للاُمة بالتمسك بهم عن الضلالة « ما أن تمسكتم به لن تضلوا بعدي » وفاقد الشيء لا يعطيه، بداهةً، وهنا أحب أن أقف قليلاً عند هذه الفقرة ، لاَنبه على ما سبق أن أشرنا إليه من أن الاكتفاء بأحدهما عن الآخر ـ أعني الكتاب والعترة ـ لا يكفي في توفير الحجة القاطعة غالباً ، حيث اعتبرت العاصمية على الاِطلاق للتمسك بهما معاً لا بأحدهما، بل وجدت في الضمير العائد على الموصول فيما إن تمسكتم كناية عن تكوينهما وحدة ، لا تتحقق المعذرية أو المنجزية في الجميع إلا بها.
والفقرة الثالثة وهي قوله : « ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض » فإنها من أدل ما يمكن أن يساق في هذا المجال عن العصمة.
قال: أحدهم وكيف؟
قلت: أسألك إذا صدر الذنب من العبد ، أو سها عن أحد الاَحكام ، مثلاً ، فهل هو متفق في حالة سهوه أو عصيانه مع الكتاب ، أو مفترق عنه.
قال: بل هو مفترق ، لاَن الالتقاء لا يكون إلا مع التوافق والانسجام بين الحكم المتبني في الكتاب ، والسلوك الذي صدر عنه ، ومع المخالفة ـ مهما كان شأنها ـ لانسجام بينها ولا وفاق.
قلت: وأضيف إلى ما تفضلتم به أن السهو والغفلة وإن أوجبا لاَصحابهما المعذرية شرعا، إلا أنهما لا يمنعاه من صدق الافتراق، لاَن الافتراق المعنوي كالافتراق الحسي، مداره ابتعاد أحدهما عن الآخر، فالشخص الذي يُقسر على ترك صديقه والابتعاد عنه يصدق عليه الافتراق عنه، وإن كان معذوراً في مفارقته، وهكذا من يخالف الكتاب.
وإذا صح هذا ، عدنا إلى تذكر ما سبق أن اتفقنا عليه ، من مفهوم العصمة التي أوجبناها للنبي صلى الله عليه وآله بحكم العقل ، وهي استحالة صدور الكذب أو الخطأ أو السهو عليه، في مقام التبليغ، لنسأل على ضوئه هل يجوز وقوع افتراق العترة عن الكتاب لاَي سبب كان، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله عن عدم وقوعه بمفاد لن التأبيدية « لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ».

( يتبع )