عرض مشاركة مفردة
  #7  
قديم 05-05-2002, 12:01 PM
shaltiail shaltiail غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2001
المشاركات: 342
إفتراضي

مندوب الاِيمان.
س ـ في المواضيع التي ذكرتم أنها أُثيرت معكم من قبل العلماء الذين التقيتموهم هناك ما يتعلق بالشيعة والخلافة، وبما أن لهذا الموضوع ارتباطاً قوياً بما نشر في العدد السابق عن الشيعة والعصمة، فهل ترون أن نثير التحدث فيه لنربط بين حلقات هذه الاَحاديث الحساسة.
ج ـ لا مانع لديَّ شريطة أن لا نثقل على القراء ، كما أثقلنا عليهم في الحديث الماضي.
مندوب الاِيمان.
س ـ بالعكس إن القراء رحبوا بهذه الاَحاديث ترحيباً منقطع النظير، ولدينا كتب تشكر المجلة على اهتمامها باستقصاء كل ما دار في الندوات من أحاديث، وهم في أشد الشوق لمواصلة نشرها، وما أكثر ما تلقيت كلمات الحث والمطالبة والتشجيع من قبلهم، والآن هل تتذكرون أين جرى الحديث حول الشيعة والخلافة ومع مَنْ من أعلام الفكر هناك؟
ج ـ جرى هذا الحديث في أكثر من ندوة ـ وكان له في ندوتي الاِسكندرية والقاهرة ـ وهما اللتان سبق التحدث عنهما في موضوعنا السابق ـ مجال واسع.
وهناك جملة من الاَعلام شاركوا في الحديث عنهما ، وبخاصة بعض من شهدوا الندوتين ، ونحن نجمع ـ كما صنعنا في الحديث الماضي ـ جملة ما دار من أحاديث عنها سواء ما وقع منها في الندوتين المذكورتين ، أم غيرهما ملتزمين نفس الخطة التي سلكناها في الحديث الماضي.
س ـ هل تتذكرون كيف بدأ الحديث عن هذا الموضوع؟!
ج ـ بدأ الحديث فيما أتذكر في بعض الندوات عندما وجه إليَّ أحد الاَعلام هذا السؤال الهام: إذا كان في الاَدلة التي ذكرتموها ما ينهض بإثبات العصمة لاَهل البيت عليهم السلام ، فليس فيها ما يثبت الاِمامة بمفهومها العام الذي يتسع لخلافة الرسول صلى الله عليه وآله وتخطئة مَنْ لم يعطهم هذا الحق، وأيُّ محذور في أن نؤمن بالفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ، فنعطي حق التشريع للاَئمة المعصومين : مثلاً، وحق التنفيذ لغيرهم ، ممن تختارهم الاُمة لاِدارة شؤونها العامة.
س ـ وماذا كان جوابكم على هذا السؤال؟
ج ـ قلت للسائل : إن سؤالك هذا مما يثير أمامنا عدة تساؤلات ، أظن أننا إذا قُدّر لنا أن نوفق للاِجابة عليها فستتضح وجهة نظر الشيعة في هذه المسألة، وربما تجمعت هذه الاَسئلة حول سؤالين رئيسين:
يتعلق أولهما في طبيعة الحكم في الاِسلام، وهل فيها ما يسيغ الفصل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية؟ وعلى تقدير الفصل في هذه المسألة فهل هناك ما يلزم بإضفاء صفة العصمة على رأس الحكم، وما هي الاَسباب الداعية إلى ذلك؟ وهذه الاَسئلة كما ترون إنما تتعلق فيما يجب أن تكون عليه طبيعة الحكم من وجهة عقلية في التشريعات الاِسلامية.
وثانيهما: يتعلق في طبيعة ما هو كائن وهو التساؤل عن واقع ما صدر عن النبي صلى الله عليه وآله وهل كان منسجماً مع ما ننتهي إليه في الاِجابة على الاَسئلة السابقة؟ ولماذا لم يتقبله كثير من المسلمين إذ ذاك؟
أما الجواب على السؤال الاَول: فإن الذي أعتقده أن طبيعة الحكم في الاِسلام تختلف جذرياً عما عليه طبيعة الحكم في الاَنظمة الاُخرى غير السماوية.
فإذا أمكن فصل السلطتين عن بعضهما في الاَنظمة الحديثة وبخاصة الديمقراطية منها، فإن ذلك غير ممكن بالنسبة إلى الاِسلام ، بل إذا أمكن تصوره في الاِسلام نفسه ـ بعد استكمال تشريعاته وتدوينها ـ فإن ذلك لا يمكن تصوره بالنسبة إليه في الفترة التي نؤرخ لها ، وهي أشبه بما يسمى في عرف الثورات الحديثة بفترات الانتقال.
قال أحدهم: وكيف؟
قلت: هذا واضح ، لاَن الاِسلام لا يعترف بوجود شخصية فرديةأو جماعية لها حق التشريع في مقابل ما تأتي به السماء من أنظمة وقوانين لاستئثار السماء في ذلك كله ، وحضرها ذلك على البشر جمعاء ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً ) (1).
وإذا عرفنا أن الله جعل لكل حادثة حكماً ولم يغفل في تشريعاته شيئاً مما يحتاج إلى حكم من أفعال العباد إلا وشرع له حكمه الخاص، كما هو فحوى ما ورد في ذلك من حديث، اتضح لنا انعدام السلطة التشريعية في الدستور الاِسلامي وحصرها في الله عزوجل ، والاقتصار على السلطة التنفيذية لتلكم الاَنظمة والقوانين السماوية فيمن يدرك هذه الاَنظمة ويعرفها معرفة تامة من رسولٍ وغيره.
وهذا بخلاف الدساتير الوضعية ،لاِمكان فصلهما فيها ، وذلك بإعطاء حق التشريع ، مثلاً للبرلمانات أو مجالس الثورة، وحق التنفيذ لمجلس الوزراء، وعلى أن راس الحكم فيها لابد وأن يستقطب السلطتين معاً ، برجوعهما إليه لتوقف تحقيقهما على مصادقته وإقراره.
وهنا أود أن اسأل: ألا تعتقدون معي أن وظيفة رأس الدولة هي حماية الدستور وما يتفرع عليه ، من أنظمة دولته وقوانينها الخاصة ، والعمل على سلامة تطبيقها على جميع المواطنين؟
قال أحدهم: طبعاً.
قلت: ألا ترون أن طبيعة الحماية تستدعي إحاطة الحامي بواقع ما يحميه، والتوفر على معرفة كل ما يتصل به ، وإلا لما أمكن تصور معنى للحماية بدون ذلك، إذ لا معنى لحماية المجهول من التجاوز عليه ، وهو غير محدد له ، فحامي الدستور مثلاً كيف يمكن له حمايته ككل إذا كان يجهله كلاً أو بعضاً، وما يدريه تجاوز بعضهم على بعض ، ما يجهل منه ما دام مجهولاً لديه.
قال: بالطبع.
قلت: فحامي الاِسلام إذن يجب أن يكون محيطاً بكل ما يتصل بأنظمته وقوانينه.
قال: وما يمنع أن يكون ذلك متوفراً في غير أئمة أهل البيت عليهم السلام ؟
قلت: إن الذي يمنع عنه هو ما سبق التحدث فيه مفصلاً في المحاورة السابقة ، حيث تساءلنا ـ ونحن نتحدث عن عصمة أهل البيت عليهم السلام ـ عن مصادر المعرفة لحقائق الاِسلام في عصر الصحابة ، وانتهينا إلى أنهما الكتاب والسنة ، وقلنا: إن الكتاب ـ وإن دوّن على عهد الرسول صلى الله عليه وآله وحُفظ ـ إلا أنه لم يحط بجميع خصائص التشريع، ومن هنا احتجنا إلى السنة لبيان ما أجمل فيه ، والتعرض لمختلف القيود والشرائط والموانع المعتبرة في أحكامه ، مما لم يتعرض لها بشيء من التفصيل ثم التعرف على الاَحكام التي لم يذكرها الكتاب العزيز.
وقلنا: إن السنة لم تدوّن على عهده ولم يلزم هو بتدوينها وتنسيقها بضم القيود إلى مطلقاتها والمخصصات إلى عموماتها،فالاِحاطة بها وبكل ما يتصل في شؤونها تكاد تكون ممتنعة لدى غير أهل البيت عليهم السلام حيث أودعها صلى الله عليه وآله لديهم وألزم بالرجوع إليهم بأمثال أحاديث الباب والثقلين كما سبقت الاِشارة إليه.
على أني لا أعرف أحداً من الصحابة قد ادعى لنفسه المعرفة المستوعبة سواء منهم الخلفاء أم غيرهم، بل رأيت فيهم من يحتاج إلى أن يدل على معنى آية في كتاب الله، ومَنْ يجمع الصحابة لاستشارتهم في حكم من الاَحكام يجهل واقعه، وما أكثر ما أرسل الخليفة عمر قولته المشهورة لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن. (2)
قال أحدهم: ألا ترى أن هذا منتهى الحرص والمحافظة على أحكام الشريعة من قبل هؤلاء الخلفاء، وإلا لما كانت أية ضرورة للاستفسار من قبل الاِمام والصحابة عما يجهلون من أحكام.
قلت: إن الذي يبدو لي أننا نسينا مواقع النقض من كلامنا، فالفحص والحرص على تطبيق ما يعلم من الاَحكام بعد العثور عليها لا ينافيان الجهل أحياناً، وقد قلنا إن حماية المجهول لا يمكن تصورها مطلقاً.
والسؤال في بعض الاَحيان عما يجهل من الاَحكام لا يعني السؤال في جميع الاَحيان، ولا استيعاب كل ما يتصل بأحكام الشريعة، وكيف ندفع احتمال السهو والغفلة ، وحمل الصحة لتصرفات الآخرين ، مما يوجب عدم الفحص عنها.
ومن أراد من السادة الاَعلام أن يتتبع ما صدر عن الخلفاء من الاَحكام التي لا تلتقي مع النصوص ـ كتاباً وسنة ـ فليرجع إلى أمثال كتاب الحجة شرف الدين (النص والاجتهاد) و(الغدير) للحجة الاَميني ليعرف مدى ما استدرك عليهم المعاصرون لهم من الصحابة وغيرهم في ذلك كله.
قال أحدهم: إن ما ذكرتموه لا يفرض أكثر من ضرورة توفر صفة العلم في الحماة ، لا العصمة كما افترضتموها لهم.
قلت: هذا صحيح ، لو كان عنصر الحماية لا يحتاج إلى أكثر من العلم ، أما إذا ضممنا إليه ـ لضمان وجودها واستمرارهاـ ضرورة تمثل المسؤول لواقعها تمثلاً نفسياً يأبى عليه التنكر لها مهما كانت البواعث له ، احتجنا إلى العصمة.
قال أحدهم: وماذا يعني هذا الكلام؟
قلت: إن الذي أعنيه أن لا يختلف الشخص ـ الذي يقوم بدور الحماية ـ في واقعه النفسي عنه في واقعه العقلي ، أي أن لا يحمل في أعماقه من الرواسب ما يتنافى مع طبيعة الرسالة التي آمن بها عقلياً ، لئلاً تستأثر بعض الرواسب في توجيهه الوجهة المعاكسة في حالات غفلة الرقيب ، أو تخديره بغضب أو غيره.
وأنتم ولا شك تعلمون أن الاِسلام جاء بثورة مستوعبة لمختلف أبعاد الاِنسان ، وقد شنها حرباً لا هوادة فيها على جملة ما كان سائداً في عصره من مفارقات، وإن الكثير ممن عاشوا تلكم المفارقات هم الذين اعتنقوا الاِسلام وناضلوا ودافعوا عنه ، وأكثرهم كانوا قد اعتنقوه ببواعث عقلية لا تمت إلى الواقع النفسي بصلة.
ولكن الرسالة ـ أية رسالة ـ لا يمكن أن تأتي من بداية ثورتها على جذور ما قامت عليه من مفارقات ، وبخاصة ما ترسب منها في أعماق الاِنسان ، بل هي تحتاج إلى أن تمر بأجيال يتخفف كل جيل لاحق من رواسب جيله السابق ، بعد تعويضه بما جد من قيم ومفاهيم نتيجة لقيام الثورة الرسالية الجديدة، ووظيفة الرسالة في بداية أمرها كبت تلكم الرواسب المعاكسة بإعطاء طاقة جديدة للضمير، أو الاَنا ليمنع من تسربها إلى الشعور ، والاستئثار بكل مجالات السلوك، وإلا فإن استئصالها لا يمكن أن يتم بعد أن أخذت مكانها بين عوالم اللاشعور.
ومن هنا كنا نرى بروز الكثير من الرواسب إذا تخدر الضمير ، أو وقف تأثيره بفعلٍ من بعض العوامل النفسية كالغضب مثلاً ، وهنا ذكرت مضمون كلام لاَحمد أمين يحسن أن نرجع إلى نصه في فجر الاِسلام.

( يتبع )