عرض مشاركة مفردة
  #9  
قديم 05-05-2002, 12:05 PM
shaltiail shaltiail غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2001
المشاركات: 342
إفتراضي

قال أحدهم: إن الذي يقف دون تقبل هذه الفكرة وما اعتضدت به من نصوص هو موقف الصحابة منها ومن نظائرها، أتراهم لم يدركوا هذا الواقع الذي تقوله الشيعة أم أدركوه ولم يتقيدوابالاَخذ بمدلوله مع شدة علاقتهم به صلى الله عليه وآله وحرصهم على الاَخذ بتعاليمه أليس في هذا الكلام شيء من الطعن في الصحابة.
قلت: إذا سمحت لي يا سيدي أن أتحدث بشيء من الصراحة سألتك عن رأيك في الصحابة ، وهل إنكم تنسبونهم إلى العصمة كما يعتقد الشيعة في أئمتهم.
قال: لا، إنهم ليسوا بمعصومين ولكنهم لا يتعمدون المعصية لاَنهم عدول، والمسألة هنا لا تحتمل الخطأ مع هذه النصوص.
قلت: ورأيك هذا هل ينطبق على الجميع أم أنهم يختلفون من حيث المستوى الاِيماني باختلاف مدة الصحبة ، وشدة الارتباط بالمفاهيم الجديدة وعدمه.
قال: ماذا تقصد بهذا الكلام؟
قلت: أقصد التساؤل عما إذا كان اعتقادكم قائماً على التساوي بين من دخل الاِسلام من بداية البعثة واعتنق مبادئه ودافع عنها ، وبين من أسلم عام الفتح مثلاً.
قال: أما من حيث عدم تعمد المعصية فنعم ، وأما من حيث التفاوت في المنازل القريبة فلا.
قلت: إذن تعتقدون أن الصحبة ولو كانت لفترة يسيرة كافية لاِحداث ملكة العدالة في نفوس أصحابها.
قال: نعم.
قلت: ولكن النصوص صريحة في خلاف ذلك ، فإن كثيراً من آيات الكتاب العزيز نسبت النفاق إلى بعضهم أمثال قوله تعالى: ( ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم ) (20) وقوله عزاسمه: ( وإذ زاغت الاَبصارُ وبلغتِ القلوبُ الحنَاجِرَ وتَظُنونَ باللهِ الظُنُونا ، هُنالِكَ ابتُليَ المؤُمنونَ وزُلزلُوا زلزالاً شديداً ، وإذ يقُولُ المنافقُونَ والّذينَ في قُلوبِهم مرضٌ ما وَعَدَنا اللهُ ورسُولُه إلا غروراً ) (21) إلى أمثالها من الآيات.
فهل كان هؤلاء من الصحابة أو من غيرهم ، وأين ذهبوا بعد وفاته صلى الله عليه وآله وهل عينهم التاريخ بأسمائهم لنخرجهم من قائمة الحساب!
على أن التاريخ حافل بتجاوز بعض الصحابة على البعض ، ونيل بعضهم من البعض ، فهل كان هؤلاء كلهم على حق.
قال أحدهم: ما بال الشيعة لا يتركون الطعن في الصحابة ، والتجاوز عليهم أحياناً.
قلت: يا أخي لا تقل هكذا، فنحن لسنا في موضع استفزاز أو إثارة عواطف، وليست المسألة مسألة شيعة وسنة، وإنما هي مسألة واقع تترتب عليه ممرات في مجالات العمل والسلوك.
إن عيب الشيعة يا سيدي أنهم لا يستطيعون أن يجمعوا الصيف والشتاء على سطح واحد، فالصحابة لديهم مختلفون في المستوى ، وفي أعمال بعضهم ما لا يعرفون له وجهاً ، وهم وإن وجدوا في الصحبة فضلاً لاَصحابها لا يعادله فضل ، إلا أنه الفضل الذي لا يعفي صاحبه من المسؤولية.
ولكن ما رأيك لو قال لك أحد الشيعة ـ ولوعلى طريق الاستفزاز أو الدعابةـ : إن أول من فتح باب الطعن في الصحابة هم السنة لا الشيعة ، فماذا يكون جوابك على هذا الاَمر ؟
قال: وكيف.
قلت: أسالك : هل هناك أعظم من رمي المسلم بالارتداد؟
قال: لا.
قلت: إن البخاري ـ وهو من أقدم من ألّفوا في الحديث ـ عقد باباً في صحيحه لاَخبار الحوض ، حشده بالكثير من الروايات التي تنسب إليهم أو إلى بعضهم الارتداد اقرأها مفصلة في هذا الباب. (22)
قال: إنا لا نمنع وجود مرتدين أمثال مَنْ حاربهم أبو بكر لردتهم.
قلت: ولكن بعض هذه الروايات لا تستثني منهم إلا مثل همل النعم ، كناية عن القلة وتنسب الارتداد إلى الاَكثر ، ثم ذكرت مضمون رواية لاَبي هريرة ويحسن أن نعود إلى نصها.
مندوب الاِيمان: وهنا أخرج الجزء الثامن من البخاري وقرأ فيه « حدثني إبراهيم بن المنذر حدثنا محمد بن فليح حدثنا أبي قال: حدثني هلال عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله قال: بينا أنا قائم إذا زمرة حتى إذاعرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم ، فقال: هلم فقلت: أين قال: إلى النار والله قلت: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى، ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلم قلت: أين قال: إلى النار والله، قلت: ما شأنهم ؟ قال: إنهم ارتدوا بعدكعلى أدبارهم القهقرى، فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم » (23)
إن الذي يبدو لي يا سيدي أن أسلافنا كانوا أوسع أفقاً منا وأقرب إلى الموضوعية عند ما حشدوا كل ما عثروا عليه من الاَحاديث التي اطمأنوا إلى صدورها وتركوا للباحثين أمر تمحيصها ، ولم يجعلوا رواسبهم مقياساً لما يروون وما يتركون ، وكان محدثوا الشيعة والسنة سواء من هذه الناحية ، فليس من الانصاف أن نحمل الجميع مسؤولية رأي لم يصرحوا جميعاً بتبنيه ، وحجتنا في ذلك مجرد العثور على رواية في كتاب للسنة أو الشيعة تتعلق في الصحابة أو غيرهم ويستشم منها الطعن مثلاً.
قال أحدهم: وقد وجه بنظرة عتاب إلى المعترض ـ لقد أبعدتنا عن صميم الموضوع، فالسؤال الذي سبق أن أثرناه حول موقف الصحابة من هذه النصوص ما يزال قائماً ، أترى أن الصحابةوفيهم مثل أبي بكر وعمر لم يدركوا هذا الواقع الذي أدركه الشيعة ، وفهموه من هذه النصوص أم ادركوه وانحرفواعنه جميعاً.
قلت: إن الذي أدعيه ـ يا سيدي ـ إن الصحابة جميعاً فهموه ـ كنص ـ بالمستوى الذي فهمه الشيعة ، إلا أن موقفهم منه كان مختلفاً جداً ، وهم ينقسمون في هذاالاَمر إلى أقسام ثلاثة ، وليس في أحد هذه المواقف تشكيك بالنص.
القسم الاَول: وهو الذي يشكل الاَكثرية وقوامه مسلمة الفتح من قريش وبعض المنافقين الذين أشارت إليهم الآيات السالفة ، كان للرواسب التي عرضها الدكتور أحمد أمين في حديثه السابق موقع كبير من نفوسهم ، ومثل هؤلاء لا يسهل عليهم تقبل خلافة الاِمام علي عليه السلام بالذات ، لاُمور عدة أهمها اعتقادهم أن الخلافة إذا دخلت هذا البيت فلن تخرج منه بعد ذلك ، وفي هذا ما فيه من قتل لطموح من يرى لنفسه أهلية الحكم ، وبخاصة من زعماء القبائل الذين كانوا ينفسون على هذا البيت مكانته الجديدة التي ارتفع رصيدهابالاِسلام، والنزعة القبيلية ما تزال متحكمة في أعماق الاَكثر، وقد رأيتم فيما سبق أن حادثة بسيطة كادت أن تثير حرباً بين المهاجرين والاَنصار بباعث من هذه النزعة ، ومن هنا انطلق شعار « وسعوها في قريش تتسع » (24) وقد عكست هذاالواقع محاورة للخليفة عمر مع عبدالله بن عباس يذكرها ابن الاَثير في جزئه الثاني ، ويحسن أن نقف على ما يتصل منها بطبيعة موضوعنا.
يقول ابن عباس ـ من حديث فقال يعني عمر: « يا ابن عباس أتدري ما منع قومكم منكم بعد محمد صلى الله عليه وآله :
فكرهت أن أُجيبه ، فقلت: إن لم أدر فأمير المؤمنين يدريني .
فقال: عمر كرهوا أن يجمعوا لكم النبوة والخلافة فتبجحوا على قومكم بجحاً بجحاً ، فاختارت قريش لاَنفسها فأصابت ووفقت.
فقلت له : يا أميرالمؤمنين ، إن تأذن لي بالكلام ، وتمط عني الغضب تكلمت؟
قال: تكلم.
قلت: أما قولك يا أميرالمؤمنين: اختارت قريش لاَنفسها فأصابت ووفقت، فلو أن قريشاً اختارت لاَنفسها حين اختار الله لها لكان الصواب بيدها غير مردود ولا محسود.
وأما قولك: إنهم أبوا أن تكون لنا النبوة والخلافة، فإن الله عزوجل وصف قوماً بالكراهة فقال ( ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم ) (25) . (26)
فهذه المحاورة ـ ولها نظائر ـ تعكس موقف قريش من النص وتخوفها من تطبيقه ، ووقوفها دون ذلك رغم علمهم بأنه مما أنزله الله كما يبدو من حديث ابن عباس.
وهذا الاِصرار من قبل قريش على الوقوف دونه هو الذي فتح منفذ الاجتهاد أمام الخليفتين أبي بكر وعمر وسعد بن عبادة وأضرابهم ، وهم الذين يشكلون (القسم الثاني) في أن يتداركوا الاَمر كل من زاويته ، فسعد جمع الاَنصار لترشيح نفسه ، أو التماس مرشح للخلافة منهم ـ بعد أن أحس بخطر ما تريده قريش ـ وقد خشي من تغلبهم على الاَمر ، وعداؤهم لواتريهم من الاَنصار معروف.
وعمر أصر على اختيار أبي بكر ، لاعتقاده بأنه أفضل العناصر التي لا يمكن أن تجمع الكلمة إلا عليه ما دامت قريش لا تجتمع على علي عليه السلام .
أما القسم الثالث ويتمثل بأمثال سلمان وعمار وأبي ذر والزبير والمقداد وبني هاشم ، فقد ظلوا مصرين على ضرورة تطبيق النص واختيار علي عليه السلام للخلافة إلى اللحظة الاَخيرة ، فالمسلمون إذن ما كانوا ليشكوا في النص على علي عليه السلام أو لا يرونه، إلا أن قريشاً لا تريد أن تجمع النبوة والخلافة في بيت، والاَنصار يخشون من تمرد قريش وغلبتهم، والخليفتين وجملة من الصحابة كانوا يخشون من تفرق الكلمة عن الاِمام وهكذا.
قال أستاذ كبير في الندوة: إن الذي أراه أن الحق في الخلافة إنما هو للاِمام علي عليه السلام والاَئمة عليهم السلام من بعده، وأن الخلافة لو وصلت إلى الاِمام بعد النبيّ بلا فصل لما انتهت بعد ذلك إلى أمثال يزيد بن معاوية والوليد من الاَمويين.
ولانتهى الاِسلام إلى غير ما انتهى إليه اليوم، ولكن ما رأيكم وقد انتهى عصر الاَئمة ، ولم يعد فعلاً مجال لعودتهم للحكم أن نسدل الستار على الماضي ونتناساه ، ونعود إخواناً يجمعنا كتاب الله وسنةنبيه صلى الله عليه وآله دون أن نسمع كلمة تفرقة أوخصام من أجل عقيدة.
قلت: إن هذه الدعوة هادفة وسليمة جداً ، ولكن لمن لم يكن للماضي علاقة بحاضره، أما والشيعة تعتقد بضرورة الرجوع إلى الاَئمة من أهل البيت عليهم السلام ورثة السنة النبوية فإن حاضرها لم ينقطع عن ماضيها، بل هي مضطرة للتشبث به وعلى الاَخص فيما يتعلق بإمامة أهل البيت عليهم السلام ولكن ما رأيكم أن نضيف إلى ما ذكرتم ضرورة الرجوع إلى السنة الموروثة لدى أهل البيت عليهم السلام والتي ألزم بها النبي صلى الله عليه وآله بحديث الثقلين بالاِضافة إلى ما صح من غير طريقهم ، ويكون ذلك موضعاً لاتفاق الكلمة ووحدتها ، مع ما في ذلك من الحيطة للديّن كما تعلمون.
قال أحدهم: وكيف يمكن الاتفاق مع الشيعة ، وهم يؤمنون بأن لهم قرآناً يختلف عن قرآن أهل السنة .
مندوب الاِيمان: وبماذا أجبتم على هذا الاَستفزاز؟
ج ـ إن جوابي عليه مما لا يتسع له الحديث في جلستنا هذه ولعلنا نتحدث عنه في جلسة قادمة إن شاء الله. (27)