لبنان وإيران .. قصة العلاقة
===============
تعد العلاقة بين لبنان وإيران علاقة متميزة على اختلاف مراحلها الزمنية، ووقفت إيران ـ غالباً مواقف حُمدت لها في لبنان، وكان وراء هذه العلاقة قصة يحسن أن نقف عليها لإدراك أبعادها.
حين استولى الصفويون على حكم إيران، في مطلع القرن السادس عشر، وجعلوا من التشيع الإمامي دين الدولة والأمة، وحصنوا إيران به بإزاء الفتح العثماني «التركي السني» كان التشيع يذوي ويتلاشى، سواء في مـدارس النجف أو في مدارس خراسان، فعمد الشاه إسماعيل إلى استقدام علماء من جبل عامل ـ جنوب لبنان ـ لتدريس الفقه الإمامي، فكان منهم: (بهاء الدين العاملي محمد بن الحسين بن عبد الصمد، 953هـ ـ 1031هـ ) الذي أصبح شيخ الإسلام في أصفهان في عهـد الشاه عباس الكبير، والمعروف بـالمحقق الكركي (علـي بن الحسين بن عبد العالي العاملي، ت 940هـ ـ 1533م) الذي قَدِم النجف ثم رحل إلى بلاد العجم لترويج المذهب، والسلطان حينئذ الشاه إسماعيل الصفوي الذي مكنه من إقامة الدين وترويج الأحكام، وكان يُرغِّب عامة الناس في تعلم شرائع الدين ومراسم الإسلام، ويحثهم على ذلك بطريق الالتزام، وكان أن جعل في كل بلدة وقرية إماماً يصلي بالناس ويعلمهم شرائع الدين، وبالغ في ترويج مذهب الإمامية؛ بحيث لقبه بعضهم بمخترع مذهب الشيعة(1).
ومنطقة جبل عامل (أو عاملة) في قلب جنوب لبنان كانت أهم مرجعية شيعية في العالم بين القرنين الميلاديين الرابع عشر والسادس عشر، ومع بداية هذا التعاون مع الدولة الصفوية أُبيد الآلاف من السُنّة من العامة والعلماء؛ ففي تبريز ـ العاصمة ـ وحدها كان السُنّة فيها لا يقلون عن 65% من السكان، وقد قتل منهم في يوم واحد 40 ألف سني!! كما أُجبر الألوف على التحول القسري إلى مذهب الإمامية(2). كما كانت هناك مؤامرات عديدة وتعاون مع قوى غربية على إسقاط الدولة العثمانية، وهي من الأمور غير الخافية عبر التاريخ(3).
«وقد استهوت التجربة الصفوية الشيعية «المضطهدين» في العراق وجبل عامل ـ جنوب لبنان ـ والبحرين، وذهب العلماء بالخصوص ليدعموا تأسيس الدولة الشيعية الصفوية الوليدة»(4).
ونستطيع أن نتجاوز حقبة زمنية بعيدة حتى نصل إلى صورة قريبة تبين تلك العلاقة الحميمة والوطيدة التي يحاول نفر من الناس فصلها وتزييف الواقع ووقائعه.
فقد قيل لـ (حسن نصر الله)(*) الأمين العام لحزب الله إن دور حزبه لن ينتهي؛ لأنه حزب مستورد من الخارج، (سوريا أو إيران) فقال:«لنكن واضحين ونحكي الحقائق: الفكر الذي ينتمي إليه «حزب الله» هو الفكر الإسلامي، وهذا الفكر لم يأت من «موسكو» أيام الاشتراكية ولا من «لندن وباريس» ولا حتى من «واشنطن» في زمن الليبرالية، هو فكر الأمة التي ينتمي إليها لبنان، إذن نحن لم نستورد فكراً، وإذا كان من يقول: إن الفكر إيراني. أقول له: إن هذه مغالطة؛ لأن الفكر في إيران هو الفكر الإسلامي الذي أخذه المسلمون إلى إيران، وحتى هذا الفكر خاص بعلماء جبل (عامل). اللبنانيون هم الذين كان لهم التأثير الكبير في إيران على المستوى الحضاري والديني في القرون السابقة؛ أين هو الاستيراد؟ هذا الحزب كوادره وقياداته وشهداؤه لبنانيون»(5).
وفي إحدى الاحتفالات التأبينية التي تقام في لبنان قال إمام جمعة مسجد الإمام المهدي، الشيخ حسن طراد: «إن إيران ولبنان شعب واحد وبلد واحد، وكما قال أحد العلماء الأعلام: إننا سندعم لبنان كما ندعم مقاطعاتنا الإيرانية سياسياً وعسكرياً»(6).
وفي مناسبة تأبينية أخرى قال الناطق باسم حزب الله ـ ذاك الوقت ـ إبراهيم الأمين: «نحن لا نقول: إننا جزء من إيران؛ نحن إيران في لبنان ولبنان في إيران»(7).
ويقول محمد حسين فضل الله المرشد الروحي لحزب الله: «إن علاقة قديمة مع قادة إيران الإسلامية بدأت قبل قيام الجمهورية الإسلامية، إنها علاقة صداقة وثقة متبادلة، ورأيي ينسجم مع الفكر الإيراني ويسير في نفس سياسته»(8).
وقد عين مرشد الثورة السيد علي خامنئي الشيخ محمد يزبك عضواً شورياً لحزب الله والمدرس بحوزة الإمام المنتظر ببعلبك، والسيد حسن نصر الله أمين عام الحزب، «وكيلين شرعيين» عنه في لبنان في الأمور الحسبية والوجوه الشرعية، فيستلمان عنه الحقوق ويصرفانها في مصالح المسلمين ويجريان المصالحات الشرعية، ويعينان الوكلاء من قِبَلِهِمَا(9).
ويقول حسن نصر الله: «إننا نرى في إيران الدولة التي تحكم بالإسلام والدولة التي تناصر المسلمين والعرب! وعلاقتنا بالنظام علاقة تعاون، ولنا صداقات مع أركانه ونتواصل معه، كما أن المرجعية الدينية هناك تشكل الغطاء الديني والشرعي لكفاحنا ونضالنا»(10).
«وفي وقت الاجتياح الإسرائيلي كادت الحرب تتسع وتطول سوريا وتصبح إقليمية؛ إذ أتت قوات إيرانية إلى سوريا ولبنان للمساعدة، وهذه القوات هي التي تولت تدريب مقاتلينا»(11).
«وإذا أقمت علاقة مع من يساندون الحق العربي أكون متهماً؟! فأنا أعتز بهذه التهمة ولا أتبرأ منها»(12).
ويُؤَمِّن على كلام أمين الحزب مساعد وزير الخارجية الإيرانيـة للشؤون العربية والإفريقية، د. محمد صدر، فيقول: إن السيد حسن نصر الله يتمتع بشعبية واسعة في إيران كما تربطنا به علاقات ممتازة(13).
وقد حذر علي خامنئي مرشد الثورة من إضعاف المقاومة الإسلامية وقال: إنه يجب التيقظ ومنع الأعداء من ذلك. إن شعلة المقاومة يجب أن لا تنطفئ؛ لأن أولئك الأبطال واجب على إيران مساعدتهم(14).
هذه العلاقة والرابطة المذهبية بين إيران وشيعة لبنان جرت على لبنان ويلات زادت من نار الحرب المستعرة في أرض غير مستقرة في الأساس، وكان لسعي الحركة الخمينية إلى تثبيت أقدامها في لبنان، الأثر البالغ على لبنان. يقول وضاح شرارة: «كما كان لبنان ساحة مهمة لعمل الحركة الخمينية، وكان على لبنان أن يصطلي بنار أرادت الحركة أن تستمر إلى أن تحقق أهدافها؛ فهذا إبراهيم السيد ـ الناطق السابق باسم حزب الله ـ يقول: إن الأساس في لبنان بالنسبة إلينا أن يبقى ساحة وموقعاً للصراع مع (إسرائيل)، إن مصلحة الإسلام أن يكون لبنان كذلك!!»(15).
«إن الأجهزة الإيرانية كافة، من حوزات قم إلى حرس الثورة، ومن الدعاة، إلى وزارة الداخلية، سهرت على الشأن اللبناني، وأعملت فيها رأيها وآلاتها»(16).
بيد أن هذا الوجود الإيراني كان يستلزم أن يبقى لبنان في حالة من الضعف المستمر، ومن اقتتال جماعاته وأحزابه، ودوام انقسامه السياسي الشديد مع عدم تمكين فئةٍ مَّا من السيطرة، وذلك كله لإكمال الأهداف والأعمال دون أن ينتبه أحد لما يراد بالبلد. كما يمثل لبنان أهمية تتجاوز الارتباط العقدي ومضافة إليه في الوقت ذاته، وهي أن لبنان يمثل منفذاً لإيران على دول المشرق العربي بمجمله للتأثير السلبي أو الإيجابي؛ فبدون لبنان ستبقى إيران معزولة عن تلك المنطقة، وهي منطقة جوهرية من الصعب تعويضها في مكان آخر. وهكذا يتبين الترابط المتكامل بين إيران الثورة وحزب الله وشيعة لبنان؛ فقد أصبحت إيران الأم الرؤوم والمحضن الدافئ والمرعى الخصيب والنموذج الذي يتطلع إليه عموم الشيعة؛ فهي القبلة الدينية والسياسية لهم.
------------------------------
(1)انظر: أحمد الكاتب، تطور الفكر السياسي الشيعي، ص 378 ـ 385، دار الجديد، بيروت، ط/1/1998م، وتاريخ جبل عامل، محمد جابر آل صفا،دار 1النهار، بيروت، ومحمد جواد مغنية، الشيعة في الميزان، دار التيار الجديد، ط/10/1409، ص 182 ـ 183، وانظر: تجربة الإسلام السياسي، أوليفيه روا، ترجمة نصير مروة، ص: 162، دار الساقي، ط/2/1996م.
(2)انظر: تاريخ الصفويين وحضارتهم، بديع جمعة ـ أحمد الخولي ، ص 55، دار الرائد العربي، وأحمد الكاتب، مصدر سابق، ص 378، و عبد الله الغريب، وجاء دور المجوس، ط/6/1408هـ.
(3) انظر: محمد العبدة، مئة مشروع لتقسيم الدولة العثمانية، ص 77، 125، وانظر: د. وجيه كوثراني، المسألة الثقافية في لبنان، الخطاب السياسي والتاريخ، ص 83 ـ 88، منشورات بحسون الثقافية/ط/1/1404هـ.
(4)أحمد الكاتب، مصدر سابق، ص 379.
(*)حسن عبد الكريم نصر الله، من مواليد 21 أغسطس 1960م، في حي شرشبوك في محلة الكرانتينا ببيروت، متزوج ولديه 4 أولاد. تلقى دروسه الأولى في مدرسة النجاح الخاصة، والتكميلية والثانوية التربوية في سن الفيل، ثم انتقل مع بداية سني الحرب إلى البازورية في قضاء صور، وعين مسؤولاً عن حركة أمل في البلدة دون الانقطاع عن دروسه في ثانوية صور الرسمية. سافر إلى النجف في العراق عام 1976م لتحصيل العلم الديني الإمامي، فتعرف على عباس الموسوي، ونشأت بينهما علاقة وثيقة، وعاد إلى لبنان عام 1978م، وأكمـل علومه الدينية في مدرسة الإمام المنتظر في بعلبك، استأنف نشاطه في حركة أمل عام 1979م وعين مسؤولاً سياسياً عن إقليم البقاع وعضواً في المكتب السياسي عام 1982م، ثم ما لبث أن انفصل عن الحركة، وانضم إلى العمل مع حزب الله وعين مسؤولاً عن بيروت عام 1985م، ثم عضواً في القيادة المركزية وفي الهيئة التنفيذية للحزب عام 1987م، واختير أميناً عاماً على أثر اغتيال الأمين العام السابق عباس الموسوي عام 1992م مكملاً ولاية سلفه، ثم أعيد انتخابه مرتين (1993م و 1995م).
وردت هذه الترجمة لنصر الله في مقدمة حواره مع مجلة المشاهد السياسي، العدد 147، 3/1/1999م.
(5)مجلة المقاومة، العدد: (40)، ص 29، وهي مجلة شهرية تصدر في مصر، تعنى بشؤون حزب الله وأخباره، يصدرها د. (رفعت سيد أحمد) مركز يافا للدراسات والأبحاث.
(6)جريدة النهار اللبنانية/11/12/1986م.
(7)جريدة النهار/ 5/3/1987م.
(8)حلقات الإسلام والكونجرس، الحلقة /38، ص: 46 د. أحمد إبراهيم خضر، نشرت في مجلة المجتمع، العدد: (955)
(9)جريدة السفير اللبنانية، 18/5/1995م.
(10)مجلة المقاومة، العدد: 27، ص 15 ـ 16.
(11)مجلة المقاومة، العدد: 31، ص 6.
(12)حواره مع مجلة المشاهد السياسي، العدد: 147/3/1/1999م.
(13)جريدة الشرق الأوسط، عدد: (7482) 9/2/1420هـ ـ 24/5/1999م.
(14)جريدة الحياة، العدد: (13252)، 6/3/1420هـ ـ 20/6/1999م.
(15)دولة حزب الله، ص 336.
(16)انظر: الحرس الثوري الإيراني نشأته وتكوينه ودوره، كينيث كاتزمان، ترجمة: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، الطبعة الأولى، 1996م، 104
تابع انشاء الله
__________________
khatm
|