عرض مشاركة مفردة
  #10  
قديم 06-05-2002, 10:50 AM
shaltiail shaltiail غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2001
المشاركات: 342
إفتراضي

مناقشة الجزائري في دلالة الحديثين :
قال الجزائري : وقصد المؤلف من وراء هذا معروف ، وهو أن آل البيت ـ وشيعتهم تبع لهم ـ يمكنهم الاستغناء عن القرآن الكريم بما يعلمون من كتب الأوّلين.
وهذه خطوة عظيمة في فصل الشيعة عن الإسلام والمسلمين ، إذ ما من شك في أن من اعتقد الاستغناء عن القرآن الكريم بأي وجه من الوجوه فقد خرج من الإسلام ، وانسلخ من جماعة المسلمين.
ثم قال : إن اعتقاد امرئ الاستغناء عنه أو عن بعضه بأي حال من الأحوال ، هو ردَّة عن الإسلام ومروق منه ، لا يبقيان لصاحبها نسبة إلى الإسلام ولا إلى المسلمين.
____________
(1) المصدر السابق 3|124.
(2) المصدر السابق 3|125.
(3) معجم رجال الحديث 16|160.
--------------------------------------------------------------------------------

أقول :
لو سلمنا بصحَّة الحديثين جدلاً فهما مع ذلك لا يدلان على شيء مما قاله.
أما الحديث الأول : فهو لا يدل على أن أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم قـد استغنوا بكتب الأوَّلِين عن القرآن الكريم ، وإنما يدل بوضوح على أن أهل البيت عليهم السلام عندهم تلك الكتب غير محرَّفة ولا مبدَّلة ، ورثوها من النبي صلى الله عليه وآله ، وهم يعرفونها على اختلاف ألسنتها كما عنْوَنَ الكليني رحمه الله الباب بذلك.
وظاهر الحديث أن أبا الحسن موسى عليه السلام قرأ على بُريه من الإنجيل ما يُلزمه ويأخذ بعنقه للدخول في الإسلام ، بدليل أنه أسلم في الحال ، ولعلَّه قرأ عليه من الإنجيل ما يدل على نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وآله ، فإن ذلك مكتوب عندهم في التوراة والإنجيل كما أخبر سبحانه وتعالى في محكم كتابـه إذ قـال : ( والذين هـم بآياتنا يؤمنون * الذين يتبعون الرسول الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم... ) (1).
قال ابن كثير : هذه ـ يعني قوله تعالى ( يأمرهم بالمعروف... ) الآية ـ صفة محمد صلى الله عليه وآله في كتب الأنبياء ، بشَّروا أُممهم ببعثه ، وأمروهم بمتابعته ، ولم تزل صفاته موجودة في كتبهم ، يعرفها علماؤهم وأحبارهم (2).
وقال : إن الأنبياء عليهم السلام لم تزل تنعته وتحكيه في كتبها على أممها ،
____________
(1) سورة الاعراف ، الآتيان 156 ـ 157.
(2) تفسير القرآن العظيم 2|251.
--------------------------------------------------------------------------------

( 39 )

وتأمرهم باتّباعه ونصره ومؤازرته إذا بعث (1).
وقال البيهقي : إن الله تعالى أمَر عيسى عليه السلام فبشَّر به قومه ، فعرفه بنو إسرائيل قبل أن يُخلق (2).
قلت : يدل على ذلك قوله تعالى ( وإذ قال عيسى بن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدِّقاً لما بين يدي من التوراة ومبشِّراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ) (3).
والاحتجاج بالتوراة والإنجيل على أهل تلك الملل جائز لا ضير فيه ، فقد أخرج البخاري في صحيحه بسنده عن عبد الله بن عمر ( رض ) أن اليهود جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وآله برجل منهم وامرأة قد زنيا ، فقـال لهم : كيف تفعـلون بمن زنى منكم ؟ قالوا : نُحمِّمُهما (4) ونضربهما. فقال : لا تجدون في التوراة الرجم ؟ فقالوا : لا نجد فيها شيئاً. فقال لهم عبد الله بن سلام : كذبتم ، فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين. فوضع مِدْراسها الذي يُدَرِّسها منهم كفَّه على آية الرجم ، فقال : ما هذه ؟ فلما رأوا ذلك قالوا : هي آية الرجم. فأمر بهما فرجما قريباً من حيث موضع الجنائز عند المسجد ، فرأيت صاحبها يجنأ عليها (5) ، يقيها الحجارة (6).
ولهذا أفتى مَن وقفنا على فتاواه من العلماء بجواز اقتناء التوراة
____________
(1) المصدر السابق 4|360.
(2) دلائل النبوة 1|81.
(3) سورة الصف ، الآية 6.
(4) أي نسكب عليهما الماء الحميم ، وقيل : نجعل في وجوههما الحمة ، أي السواد.
(5) أي يحني ظهره عليها.
(6) صحيح البخاري 6|46 كتاب التفسير ، سورة آل عمران ، 9|205 كتاب المحاربين من أهل الردة والكفر ، باب الرجم في البلاط ، وصفحة 214 باب أحكام أهل الذمة. وراجع صحيح مسلم 3|1326 كتاب الحدود ، باب رجم اليهود أهل الذمة في الزنا.
--------------------------------------------------------------------------------

( 40 )

والإنجيل ، بل كتب الضلال كلها لنقضها أو للاحتجاج بها على من يعتقد بها.
وعليه ، فلعل اقتناء أهل البيت عليهم السلام لهـذه الكتب كان لأجل هذه الغاية ، فلا يستخرجون شيئاً منها إلا وقت الحاجة إليه ، كما صنع الإمام عليه السلام مع بُريه.
وقد ورد ما يشهد لذلك في كتبهم ، فقد قال الشيخ محمد بن علي الصبان : إن المهدي يستخرج تابوت السكينة من غار أنطاكية ، وأسفار التوراة من جبل بالشام ، يحاج بها اليهود ، فيسلم كثير منهم (1).
ومما ينبغي بيانه ههنا أن الكتب السماوية التي في أيدي الناس لا ريب في كونها من كتب الضلال ، بسبب ما دخلها من التحريف ، وأما ما عند أهل البيت عليهم السلام من كتب الأنبياء السابقين فهي وإن كانت منسوخة قد انتهى أمد العمل بها ، إلا أنها لا تشتمل على ضلال ، لأن الله سبحانه لا يقول إلا الحق ، ولا يُنْزل إلى الناس باطلاً .
قال صاحب الجواهر أعلى الله مقامه : ليس من كتب الضلال كتب الأنبياء السابقين ، ما لم يكن فيها تحريف ، إذ النسخ لا يُصيُرها ضلالاً ، ولذا كان بعضها عند أئمتنا عليهم السلام ، وربما أخرجوها لبعض أصحابهم ، بل ما كان منها مثل الزبور ونحوه من أحسن كتب الرشاد ، لأنها ليست إلا مواعظ ونحوها على حسب ما رأينا ، والله أعلم (2).
ولهذا قال الإمام عليه السلام في حديث الكافي الذي نحن بصدد الكلام فيه :
____________
(1) إسعاف الراغبين ص150 ، وأخرج السيوطي في كتابه « العرف الوردي في أخبار المهدي » المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي 2|81 نقلا عن أبي عمرو الداني في سننه ، عن ابن شورب قال : إنما سمي المهدي لأنه يهدى إلى جبل من جبال الشام ، يستخرج منه أسفار التوراة ، يحاج بها اليهود فيسلم على يديه جماعة من اليهود.
(2) جواهر الكلام 22|60.
--------------------------------------------------------------------------------

( 41 )

« نقرؤها كما قرأوها ، ونقولها كما قالوا » : أي أن ما نقـرؤه منها هو عين ما كان يقرؤه الأنبياء عليهم السلام من هذه الكتب ، لا تحريف فيه ولا تغيير ، وأن ما نقوله للناس في تفسيرها وتأويلها هو عين ما يقولونه عليهم السلام من التفسير والتأويل.
وبهذا يتضح مما تقدم أن أئمة أهل البيت عليهم السلام وإن كانت كتب الأنبياء السابقين عندهم ، إلا أن ما يخصُّون شيعتهم به من العلوم الإلهية والمعارف الدينية هو مما أنزله الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وآله ، فعلَّمه لباب مدينة العلم ، الأُذُن الواعية لعلمه ، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، الذي أفاض علومه على مَن جاء بعده من أئمة العترة النبوية الطاهرة ، ثم أفاض كل إمام ما عنده من العلوم على الإمام الذي يأتي من بعده.
وما أحسن قول الشاعر :
إذا شئتَ أن تبغــي لنفسـك مذهبــاً وتعلـمَ أن النـاس في نقـل أخبــارِ
فدَعْ عنــك قــولَ الشافعـي ومالكٍ وأحمـدَ والمروي عن كعـب أحبــارِ
ووالِ أنــاســاً قولُهـم وحديثـهـم روى جـدُّنا عـن جبرئيلَ عن الباري


( يتبع )