عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 06-05-2002, 04:10 PM
khatm khatm غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2002
المشاركات: 148
إفتراضي

بين بداية القرن ونهايته
=============

كانت الحالة الدينية السياسية الشيعية في بداية القرن العشرين الميلادي حالة منكمشة إلى حد كبير، وكان هناك تهميش واضح للشيعة باعتبارهم «طائفة»، وكان ذلك التهميش الذي عاناه «جبل عامل» والشيعة عامة خلال فترة الانتداب على لبنان وفترة بناء الدولة والاستقلال حال دون احتلال مواقع في الدولة تسمح أو تدفع بالمشاركة في سباق ادعاء رموز تاريخية مؤسسة لها من الطائفة الشيعية(1).

وعلى مستوى الحالة الدينية فقد ضعف دور العلماء وعزف الشيعة اللبنانيون عن العمامة ـ أي طلب العلم الشيعي الديني ـ وانزوى المسجد، وقد شهد أحدهم على هذا الواقع فقال: «فهذه القرى العاملية لا تذكـر اسم الله ـ تعالى ـ في ليل ولا نهار، برغم سخاء المهاجرين على بناء المساجـد؛ وكان يوجـد وقتها [1920 ـ 1930م] ما يزيد على الأربعمائة مسجد بين مسجد كبير وصغير»(2).

وتزامنت هذه الحالة الرثة والهامشية مع تغيرات عالمية ضخمة، فكان سقوط الخلافة العثمانية، وبدايات الدعوة إلى القومية العربية عقب الدعوة الطورانية التركية، والحرب العالمية الأولى، ثم كانت الدولة البهلوية «العلمانية». وكانت هذه الظروف وغيرها مجتمعة أدت إلى بدايات النهضة الحديثة للشيعة الإمامية التي انتهت في 1979م، بقيام الجمهورية الإسلامية ورغبة في قيام جمهوريات أخرى على غرار المثال الأم.

وبين هذه النهضة في بداية القرن وقيام الدولة وسعيها إلى إنشاء دول أخرى، خاصة في لبنان كانت هناك جهود كبيرة لذلك، وكان «حزب الله» مرحلة من مراحل ينبغي أن نقف عليها.

---------------------------
(1)انظر: د. وجيه كوثراني، مصدر سابق، ص 79.
(2) دولة حزب الله، ص 177.

من هامش الحياة إلى نسيجها

«النظام اللبناني غير شرعي ومجرم» و «من الضروري تسلم المسلمين الحكم في لبنان كونهم يشكلون أكثرية الشعب»(1). فتويان: الأولى خمينية، والأخرى خامنئية، وضعتهما الحركة الشيعية في لبنان في بؤرة القلب وبؤبؤ العين، ورفعتهما إلى مرتبة الهدف الذي يُسعى لتحقيقه. كما أفتى رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، مهدي شمس الدين بذلك أيضاً حين قال:« إن الدولة وجدت نتيجة لعقد، هذا العقد تبرمه الأكثرية من المواطنين بإرادتهم الحرة، فينتج عن إبرامه كيان الدولة، ومن المؤكد أن التنازل عن الهوية الثقافية والدينية ومظاهرها في المؤسسات والقوانين يتنافى مع موجبات هذا العقد، ولا يؤثر على موجبات هذا العقد موقف الأقلية التي توافق على التنازل عن هذه الهوية؛ فإن على الأقلية في هذه الحالة أن تخضع للأكثرية»(2) (*)

وفي معرض رده على الأسئلة الموجهة إليه في أحد البرامج قال محمد حسين فضل الله: «لم يكن هؤلاء الذين حكموا العالم الإسلامي في الماضي يحكمون باسم الإسلام فنحن لا نعتقد ـ على سبيل المثال ـ أن الحكم العثماني كان عادلاً وحراً وإسلامياً!!»(3).

وهكذا يُخرج الفقهاء الشيعة فتاويهم دون اعتبار لعامل التاريخ أو الجغرافيا ومن دون تقية كذلك. ولأثر التبديل فقد احتل الفقهاء والآيات والحجج مكانة عالية بلغت درجة التقديس، وأضحت الفتاوى، بل الكلام المجرد من القداسة الدينية ارتفع إلى مرتبة القداسة في النفوس.

وقد دأب الفكـر الإمامـي على ربط الأمة الجعفـرية برمـوز غير قابلة للنقد أو التجريح، وأعطاهم ـ أو أعطوا لأنفسهم ـ صلاحيات وصلت إلى خصائص الإمام الغائب المعصوم المعيَّن من قِبَلِ الله ـ تعالى ـ!! ولقد تجاوزت هذه الصلاحيات ما كان معطى للشاه المستبد الطاغية الدكتاتور عميل الإمبريالية والصهيونية!! فقد أقر مجلس الخبراء الإيراني على إعطاء الولي الفقيه صلاحيات تفوق ما كان مخولاً به الشاه السابق، ونص على ذلك في المادة (107) من الدستور الإيراني(4). كما تنص الفقرة (110) من الدستور نفسه على منح الفقيه سلطات واسعة لتعيين المسؤولين الكبار الآخرين، والموافقة على المرشحين لمنصب الرئاسة، وعزل الموظفين غير الأكفاء وتولي القيادة العامة للقوات المسلحة، مع تعيين قادة الجيش النظامي والحرس الثوري أو عزلهم وتنظيم مجلس الدفاع الأعلى الذي يعتبر أعلى هيئة لصنع القرار في القوات المسلحة الإيرانية(5).

«الثورة الإسلامية في لبنان» هذه العبارة هي آخر ما تقرؤه على عَلَم «حزب الله» في لبنان. والثورة بهذا الوصف محاولة استنساخ للثورة الأم في قم وكلتاهما ثورة آيات، أي أن العِلم الديني الإمامي هو أساس التصور والحركة؛ فالثورة ـ حسب المعلن ـ ثورة دينية، إمامها فقيه، رئيسها فقيه، وزيرها فقيه؛ فالمثال الذي ينبغي وضعه نصب العين هو إرادة الفقهاء؛ ولهذا فقد كان للحوزات والحسينيات دور هام في غرس مفاهيم التقديس، ودورها كذلك في إمداد الثورة بالوقود البشري

------------
(1)انظر مقال: صادق الموسوي، مجلة الشراع، 17/5/1993م. وانظر: وضاح شرارة، دولة حزب الله، ص 342.
(2)د. وجيه كوثراني، المسألة الثقافية في لبنان، الخطاب السياسي والتاريخ، ص 20 ـ 1.
(* ) ورد في الموسوعة العربية العالمية، ج 21/71 أن عدد السكان الشيعة في لبنان في عام 1990م بلغ مليون ومئتي ألف نسمة، أي بنسبة 54% من السكان المسلمين الذين يمثلون 62% من سكان لبنان. كما تذكر مصادر أخرى أنهم يشكلون 50% من نسبة السكان كما ورد ضمن حلقات الإسلام والكونجرس، مجلة المجتمع، العدد: 928، ص29، كما أوردت مجلة المجلة في العدد: 795/13/4/1995م أن عدد الشيعة في لبنان يبلغ 42% من مجموع سكان لبنان.
(3)قراءة في فكر زعيم ديني لبناني، ضمن حلقات الإسلام والكونجرس الأمريكي، د. أحمد إبراهيم خضر، مجلة المجتمع، العدد: 953، ص 45.
(4)انظر: بهمان بختياري، المؤسسات الحاكمة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ضمن مجموعات أبحاث تحت عنوان: إيران والخليج، البحث عن الاستقرار، إعداد: جمال سند السويدي، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، ط 1، 1996م، ص 75.
(5) كينيث كاتزمان، الحرس الثوري الإيراني، نشأته وتكوينه ودوره، ص 60.

تابع انشاء الله
__________________
khatm