عرض مشاركة مفردة
  #3  
قديم 07-05-2002, 04:54 PM
khatm khatm غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2002
المشاركات: 148
إفتراضي

الملا.. الانتحاري!!

كان لا بد لهذا التطوير بعد هذا التأطير للمجتمع الشيعي من أن يصب في مجرى آخر للالتقاء مع حركة الصدر من أجل الثورة بعد التثوير. يذكر وضاح شرارة مثالاً لأولئك الطلبة الجدد، وهو من رمز إليه بالشيخ (حسن. ل) حيث عاد إلى لبنان من النجف في عام 1971م، وعهد إليه بتدريس الحلقات في بعلبك وبيروت والنبطية. يقول عن نفسه: «في عام 1972م أحسست أن الشعب يحتاج إلى قيادة دينية واعية، فبدأت أشارك الناس أعمالهم مثل زراعة التبغ!! وأعيش همومهم وقضاياهم، وقمت بإضراب سبيل الماء، وكانت لي صلات اجتماعية كثيرة وكنت متابعاً لأربع عشرة قرية، وأدرس فلسفتنا واقتصادنا «لباقر الصدر»، وكانت هذه الحلقات في المساجد والحسينيات والبيوت، هيأنا في منطقة النبطية جواً عاماً دينياً، وبدأت بتدريب الشباب تدريباً عسكرياً في 1975م، فدربت حوالي أربعمائة شاب»(1).

فما كانت تحتاجه الحركة الشيعية في المرتبة الأولى ليس العلماء المراجع والحجج، بل المحرضين والمعبئين والمقاتلين. فيقول محمد إسماعيل خليق ـ ممثل الشيخ حسين منتظري في لبنان ـ: «إن الحوزات العلمية على مدى العصور كانت منطلقاً للثورات ضد الظالمين؛ فهي مشعل لانتصار الإسلام والمسلمين في كل العالم، ومعين الطلبة الذين يشتركون في العمليات الجهادية»(2). ويقول حسن نصر الله:«يجب أن نعمل على إنضاج الممارسة الجهادية، فعندما يكون في لبنان مليون جائع، فإن مهمتنا لا تكون في تأمين الخبز، بل بتوفير الحالة الجهادية حتى تحمل الأمة السيف في وجه كل القيادات السياسية»(3).

وقد تم التوسل برباط «العلم» الإمامي الذي ينبغي أن يتعالى عن الأقوام والأهل واللغات، وأن يلحق المدارس الدينية والحوزات بـ «خط الإمام». وحملة «العلم» وأصحابه على «العمل» وحدت بين العمل وبين الحرب والقتال والشهادة، وتوّجته بالدم، فاستعادت من غير ملل ولا خشية من التكرار، المقارنة التي عقدها التراث الإمامي بين حبر العلماء وبين دم الشهداء، ومزجت بينهما، وجعلت مِزَاجهما عنواناً قاطعاً على وحدة «الشخصية الإسلامية» وعلى فرادتها، فاستحال عالم الدين إلى أحد وجهين متلازمين لكل مناضل إسلامي. أما الوجه الآخر فهو المقاتل أو المجاهد. فإذا اجتمع العلم والقتال والشهادة في شخص واحد ارتفع الشخص إلى مرتبة الولاية والمثال. وكما قال أحد شبابهم: «لا بد للعلم من جهاد يكمله ويتكامل معه»(4).

ولهذا فقد افتخر محمد حسين فضل الله بأن هذا الجيل الذي يمثله الآن «حزب الله» قد تربى على يديه (5)

--------------------
(1)دولة حزب الله، ص 91.
(2)جريدة السفير اللبنانية، 12/2/1987م.
(3)جريدة النهار، 27/1/1986م.
(4) انظر: وضاح شرارة، ص 162.
(5) انظر حواره مع مجلة: المشاهد السياسي، العدد: 168/30/5/1999م.

الفصل الثالث : البناء بالحرب

إعلان الحرب!!

في 18 فبراير من عام 1974م، وقبل بداية الحرب الأهلية اللبنانية بعام تقريباً، وقبل اندلاع الثورة الإيرانية بسنوات قليلة، وقف موسى الصدر أمام حشد كبير من شيعته ليقول: «إن اسمنا ليس المَتَاوِلة، إننا جماعة الانتقام، أي هؤلاء الذين يتمردون على كل استبداد، حتى إذا كان ذلك سيكلفنا دمَنا وحياتنا. إننا لم نعد نريد العواطف، ولكن نريد الأفعال، نحن تَعِبُون من الكلمات والخطابات، لقد خطبت أكثر من أي إنسان آخر، وأنا الذي دعا أكثر من الجميع إلى الهدوء، ولقد دعوت إلى الهدوء بالمقدار الذي يكفي، ومنذ اليوم لن أسكت أبداً، وإذا بقيتم خاملين، فأنا لست كذلك»(1).

«لقد اخترنا اليوم فاطمة بنت النبي، يا أيها النبي، يا رب، لقد اجتزنا مرحلة المراهقة، وبلغنا عمر الرشد، لم نعد نريد أوصياء، ولم نعد نخاف، ولقد تحررنا، على الرغم من كل الوسائل التي استخدموها لمنع الناس من التعلم، ولقد اجتمعنا لكي نؤكد نهاية الوصاية، ذلك أننا نحذو حذو فاطمة، وسننتهي كشهداء». ثم أعلن أنه لا ينحاز إلى المصالحات المهدئة التي اعتمدها الحسن بن علي ـ رضي الله عنهما ـ بل إلى التمرد الشاهـر سيفه الذي اعتمده الحسين بن علي ـ رضي الله عنهما ـ(2).

وبهذا الإعلان «الثوري» كانت بداية جديدة للحركة السياسية الشيعية في لبنان، وكانت نقطة الانطلاق التي اتفق فيها الصدر مع فضل الله.

-------------------
(1) الإمام المستتر، فؤاد عجمي، ص 155.
(2) الإسلام الشيعي، عقائد وأيديولوجيات، يان ريشار، ترجمة: حافظ الجمالي، دار عطية للنشر والترجمة ـ بيروت، ط /1/1996م، ص 199، 200.

أمل تبعث الأمل

قصة البداية:

بعد حرب العام 1948م لجأ إلى لبنان أكثر من 150 ألف فلسطيني، وفي منتصف السبعينيات الميلادية من القرن العشرين وصل هذا العدد إلى أكثر من 400 ألف، وفي أعقاب الصدام العنيف في «أيلول الأسود» من عامي 1970، 1971م بين المنظمات الفلسطينية، والسلطات الأردنية، لجأ كثير من هذه المنظمات إلى لبنان، وبطبيعة الحال فإن هذه المنظمات كانت أفضل تسليحاً وتنظيماً من أي قوة أخرى في الجنوب. في ذلك الوقت كان المجتمع الشيعي في حالة صحوة كما مر، واجتمع للشيعة عدة عوامل تزيد من عدم رغبتهم في هذا الوجود الفلسطيني(1)، ومنها:

1 ـ عامل التاريخ: وهو ذلك العداء القديم لأهل السُّنَّة؛ فهاهم الآن في معقل من معاقلهم «جبل عامل» وبقوة مسلحة تستطيع تهديدهم بشكل مباشر؛ ولهذا كان الشيعة أول من سارع لمساندة الجيش اللبناني «الموارنة» في الاشتباكات التي جرت مع المنظمات الفلسطينية، بل ومساعدة اليهود في ذلك أيضاً؛ فالموارنـة لا يريدون تكثير «السُّنَّة» لأجل إنشاء دولتهم النصرانية، واليهود لا يريدون الفلسطينيين في لبنان لئلا يتهدد أمنهم من الشمال، والشيعة لا يريدونهم كذلك؛ لأنهم يمثلون عائقاً أمام تحقيق وجودهم وكيانهم الذي يسعون من أجله.

2 ـ عامل الجغرافيا: وهو الرغبة في عدم إثارة الدولة اليهودية «الجارة» وهذه الإثارة تنتج عن مهاجمة المنظمات الفلسطينية لأي أهداف إسرائيلية سواء من داخل لبنان أم خارجها، وذلك أن دولة اليهود دأبت على تأديب سكان الجنوب كلما حدث ذلك لتزيد من النقمة الشيعية على الفلسطينيين(2).

3 ـ عامل الأيديولوجيا الثورية: حيث إن الشيعة في حال جديدة رغبة في التطلع لوضع سياسي واجتماعي يدفعهم نحو الدولة الحلم في لبنان، والتمكين للطائفة في الواقع اللبناني، وحيث إن الجنوب هو معقلهم التاريخي، فلا مناص إذاً من التخلص من هذا العائق الكبير الذي يقف أمام هذا الحلم. ولهذا فقد كان من الضروري التعامل مع هذه القضية الشائكة بحذر وجدية في الوقت ذاته. فالحذر: كان لاعتبار تلك النداءات التي أطلقها الصدر من أنهم يحملون هَمَّ القضية الفلسطينية وأنها قلب دعوتهم كما جاء في ميثاق حركته: «فلسطين، الأرض المقدسة التي تعرضت ـ ولم تزل ـ لكل أنواع الظلم، هي في قلب حركتنا وعقلها، وإن السعي إلى تحريرها أول واجباتنا، وإن الوقوف إلى جانب شعبها وصون مقاومته والتلاحم معها شرف الحركة وإيمانها، خصوصاً أن الصهيونية تشكل الخطر الفعلي والمستقبلي على لبنان، وعلى القيم التي نؤمن بها وعلى الإنسانية جمعاء، وأنها ترى في لبنان ـ بتعايش الطوائف فيه ـ تحدياً دائماً لها ومنافساً قوياً لكيانها»(3). كما كان من دواعي الحذر أن الصدام السريع مع المنظمات الفلسطينية سوف يكون لصالحها لا محالة.

وأما الجدية: فكانت في إيجاد حركة مسلحة تستطيع تحقيق الأمن الذي تحتاجه الطائفة الشيعية، والتخلص من هذا الهمِّ الجاثم على صدورهم، وكان أن أُعلن عن إنشاء «اتحاد محرومي لبنان»(4) أو «أفواج المقاومة اللبنانية» والتي عرفت فيما بعد باسم «أمل» ومن العجيب أن هذا الاسم الأخير «أمل» كان من اقتراح ياسر عرفات على موسى الصدر(5)، وكانت هذه الحركة هي «الجناح المسلح» لحركة المحرومين التي تم التدثر بها ابتداءاً.

تابع انشاء الله
__________________
khatm