«ومضى الصدر إلى أبعد من مجرَّد الدفاع الداخلي عن حقوق طائفته، فنراه يقيم علاقات وثيقة مع المقاومة الفلسطينية، وهكذا نجده يخرج عن تحفظه في موضوع العلاقات بين الدولة اللبنانية والمنظمات المسلحة التي كانت تعمل ضدّ (إسرائيل) بدءاً من جنوب لبنان، وكان تحالفه معها يتيح لرجل الدين الإيراني، أن يستفيد من دعم عسكري لكي يقف بقوة أمام الرؤساء التقليديين لجبل عامل، وأن يجد بعد عام 1975م دعماً شخصياً (كتقديم أسلحة، وتدريب) عندما أسست الميليشيا العسكرية لحركة أمل»(6). وكما تدربت ميليشيا أمل على يد «فتح» فقد كانت المنظمة تقدم خدماتها بهذه الصورة إلى ما هو أكبر وأوسع من دائرة أمل. فقد وسعت هذه الخدمة لتشمل النشاط الشيعي على مختلف الأصعدة، وكأنهم يقولون لهم: هكذا تذبحوننا!! «فحين عهد الشاه إلى جعفر شريف إمامي بتشكيل حكومة في صيف 1978م، عاد مئات من دعاة الكفاح المسلح الذين أُعِدُّوا بلبنان إلى إيران، وكان منهم ممثل الخميني لدى جبهة التحرير الفلسطينية آية الله علي جنتي الذي عمل في منظمة «فتح»، وابن آية الله محمد منتظري، المدعو «زينغو» لحمله على الدوام مسدساً في وسطه، وعشرات من حركة «أمل» التي كان منها بعض حرس الخميني الشخصي. وكان من الذين تدربوا في المعسكرات الفلسطينية، وفي معسكرات حركة «أمل» بلبنان، مصطفى وأحمد، ولدا الخميني نفسه، وأتمّ ما لا يقل عن سبعمائة عضو من حزب الدعوة ـ حتى عام 1976م ـ تدريبهم على أيدي فلسطينيين من «فتح» ، بينما زار ياسر عرفات في هذه الأثناء الخميني بالنجف مرتين»(7). وكان من أبرز من تدرب على يد «فتح» أول وزير دفاع للثورة الإيرانية مصطفى شمران الذي كان له دور هام في حركة أمل(8) ، كما تدرب كذلك مقاتلو منظمة «مجاهدي الثورة الإسلامية» الذين ناضلوا ضد الشاه لسنوات عديدة(9)، وأول وزير للحرس الثوري الإيراني محسن رفيق دوست(10).
وعندما وجد الصدر من جماعته القوة التي تستطيع أن تواجه المنظمة ـ التي دربته ـ قلب لها ظهر المجن؛ فبعد أن اشتعلت الحرب المدنية اللبنانية بدأ الصدر يغير موقفه بشكل واضح من المنظمات الفلسطينية، وقد نقل عنه كلمات قاسية جداً ضدها، قالها ـ قبل أن يختفي ـ لأحد رجال السياسة الموارنة القريب من الطلائع المارونية: «إن المقاومة الفلسطينية ليست بثورة، إنها لا تقبل البرهان على قضيتها بالشهادة. إن هذه مكنة عسكرية ترهب العالم العربي؛ فمع السلاح يحصل عرفات على المال، وبواسطة المال يمكنه أن يغذي الصحافة، وبفضل الصحافة يستطيع أن يجد آذاناً صاغية في الرأي العالمي. إن المنظمة (فتح) عامل اضطراب في الجنوب، وقد نجح الشيعيون بالتغلب على عقدة نقصهم تجاه المنظمة الفلسطينية»(11).
في الوقت ذاته كان الصدر لا يريد أن يفقد علاقته مع حلفائه من الموارنة في السلطة الحاكمة، فأعلن أن «أمل» عون ومدد للجيش اللبناني في الجنوب في التصدي للهجمات الإسرائيلية!! وبهذا الفعل حصل الصدر على عدة مكاسب:
1. اكتساب شرعية لميليشياته من الدولة اللبنانية، وعدم خسارة العلاقة معها.
2 ـ إضعاف سلطة الفلسطينيين في الجنوب بوجود قوة أخرى «لبنانية» مشتركة، وكان التعاون بينهم في هذا الجانب واضحاً(12).
3 ـ كان هناك كذلك مكسب هام ـ وإن كان إعلامياً ـ وهو الادعاء بأنه ما زال يدافع عن القضية الفلسطينية، وها هي قواته تقاتل في الجنوب ضد العدو الصهيوني، وهو ما اعتبره الصدر انتزاعاً لانفراد المنظمات الفلسطينية بالمواجهة؛ وعليه فقد تم التفريق بين القضية الفلسطينية وبين مواجهة الفلسطينيين.
---------------
(1)تجلت هذه الرغبة في البرنامج الأمني لحركة أمل بشكل واضح من خلال منهجها وطريقة عملها، راجع: أمل والشيعة نضال من أجل كيان لبنان، ص 118 ـ 121.
(2)عند الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982م استقبل سكان الجنوب من الشيعة القوات اليهودية بالورد والأرز لفرحتهم بأنهم سوف يخلصونهم من الفلسطينيين.
(3)من نص ميثاق حركة أمل، انظر: أمل والشيعة، نضال من أجل كيان لبنان، ص 231، وعبد الله الغريب، أمل والمخيمات الفلسطينية، ص 157.
(4)انظر هذه التسمية عند باتريك سيل في كتابه: الأسد، الصراع على الشرق الأوسط، دار الساقي، ط 2/1989م.
(5)انظر حوار نبيه بري مع مجلة الوسط، العدد: 274/28/4/1997م.
(6)يان ريشار، الإسلام الشيعي، 200.
(7)وضاح شرارة، دولة حزب الله، ص 109.
(8)انظر: الحرس الثوري الإيراني، نشأته وتكوينه، ودوره، كينيث كاتزمان، ص 46.
(9،10) المصدر السابق، 52 ، 53.
(11)فؤاد عجمي، الإمام المستتر، ص 178.
(12)راجع في ذلك: أمل والمخيمات الفلسطينية لعبد الله الغريب، وراجع: حرب الألف عام في لبنان، جوناثان راندال، ترجمة فندي الشعار، دار المروج، 1984، ص 33.
تابع الجزء الرابع غدا انشاء الله
khatm
__________________
khatm
|