الجزء الرابع ( حقيقة كفر وجرم حزب الله في لبنان فضحه الله)
الخروج إلى بيروت
==========
بعد هذا الاستقواء الذي تم للحركة طالب الصدر أتباعه في خطاب جماهيري باحتلال القصور في بيروت، واعتبر الشيعة ذلك نداءاً مقدساً، واحتلوا من بيروت مناطق «أهل السنة» وقصورهم. يقول عبد الله الغريب: «ويغلب على ظني أن استيطان الشيعة في بيروت في الستينيات الميلادية ـ من القرن العشرين ـ وقبلها كان عفوياً، أما بعد الستينيات فكانت أهدافهم واضحة، وكان موسى الصدر مهندس هذه الخطة ومن ورائه النهج النصراني، ومن الأدلة على ذلك أن العمال والموظفين القادمين من الجنوب والبقاع والشمال كانوا يبنون منازلهم في جنوب بيروت على أملاك الغير، وكان ذلك يحدث تحت سمع السلطة وبصرها، بل وكان أصحاب الأراضي من أهل السنة يطالبون الأجهزة المسؤولة بوضع حدٍّ لهذا العبث، ورغم ذلك فالسلطة تترك قُطَّاع الطرق يفعلون ما يشاؤون. ولو كان هذا الذي يحدث في بيروت الشرقية أو في أي منطقة من مناطق النصارى لما صمت قادة الموارنة لحظة واحدة. وتضاعفت هجرة الشيعة خلال الحرب اللبنانية أضعافاً مضاعفة، واحتلوا المنازل والشقق والقصور كما أمرهم إمامهم، والسلطة تحرضهم وتشجعهم على مثل هذه الأفعال الشنيعة. وهكذا قامت أحياء في الضاحية الجنوبية وكأنها أحياء مقتطعة من بعلبك، وأحياء أخرى وكأنها مقتطعة من صور أو النبطية، وفي هذا الحي يقطن نبيه بري، وفي ذاك الحي حسين الحسيني رئيس المجـس النيابي وأمـين عـام منظمة أمل ـ سابقاً ـ ، وفي الحي الثالث عبد الأمير قبلان المفتي الجعفري الممتاز.
ويضاف إلى ما سبق ذكره أن المغتربين الشيعة الذيـن يعملون في الخليج أو إفريقيا أو الأمريكتين راحوا يشترون الأراضي في بيروت، ويقيمون المؤسسات والمشاريع الاقتصادية في العاصمة، وأصبحوا من أصحاب الفاعليات الاقتصادية فيها. وعندما سأل الصحفيون نبيه بري عن الأسباب التي دفعته إلى احتلال بيروت الغربية أجاب: بيروت الغربية عاصمة لبنان وملك لجميع المواطنين وليست حكراً على أهل السنة»(1).
«ونزل النازحون الشيعة في الأحياء التقليدية للسنة، واشترى ميسورون من الشيعة أقساماً من هذه النواحي، فآلت السنوات العشر من 1976م إلى 1986م وحتى أوائل التسعينيات الميلادية، إلى تغيير سكاني كبير نزع الصفة السنية عن بعض أحياء بيروت القديمة، وغلب عليها السكان الشيعة»(2). «كما شاع في وسط المهجَّرين الخروج عن القوانين العامة وعن الأعراف، مثال ذلك: أن 88% من الـ 4400 مبنى التي أحصاها المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بالرمل العالي والأوزاعي وشاتيلا والجناح، وهي من نواحي الحركة الإسلامية «الخمينية»، شيّدت في الأملاك العامّة أو في أملاك الغير (اغتصبت عنوة)، وهذه الحال استمرت على الوجه نفسه إلى العام 1996م، ولن تتغيّر إلا إذا أنجز ما يسمّى مشروع «اليسار» وبناء هذا الجزء من ضواحي بيروت بناءاً جديداً في نصف العقد الآتي، ومع استهلال الألف الثالثة، فإن ما يقرب من 20% من المقيمين ببيروت الغربية كانوا فيها منذ العام 1986م واستمر معظهم على حاله إلى 1995 ـ 1996م يقيمون في منازل تسلّطـوا عليها واحتلّـوهـا احتلالاً 14%، أو ينزلون مؤقتاً ببيوت يملكها أقارب أو أصحاب 5.8%»(3).
وتشير القرائن إلى أن هذا الاحتلال الإسكاني كان ثمرة إعداد وتصميم، ولم يكن خبط عشواء(4).
وهكذا تظهر صورة من صور العلاقة بين الشيعة وأهل السنة فـي لبنان ولا نحسب أنها صورة مشرقة كالتي يتغنى بها الشيعة ويدغدغون بها مشاعر الناس البسطاء عبر ملاليهم وسياسييهم؛ فهذا الذي حدث في بيروت لا ينم عن نوايا حسنة لطلب حُسن العشرة.
---------------
(1)عبد الله الغريب، أمل والمخيمات الفلسطينية، ص 155، وانظر فصليْ: دول الجماعات، وبناء المعقل الإسلامي في كتاب: دولة حزب الله لشرارة.
(2)دولة حزب الله، ص 234.
(3)دولة حزب الله / 211.
(4)المصدر السابق، ص 113.
غياب الصدر
=======
وصل الصدر إلى ليبيا مع اثنين من رفاقه هما الشيخ محمد يعقوب، وشفيع عباس بدر الدين في 25 أغسطس عام 1978م في زيارة غير محددة المدة والغرض. وقد صرح أحد رفاق الصدر القريبين منه بأن الزيارة كانت استجابة لدعوة من الزعيم الليبي معمر القذافي، وقَبِل الصدر هذه الدعوة على أساس أنها سعي نحو تحقيق السلام في لبنان. وكثرت الروايات حول أسباب اختفاء الصدر، ولعل من أبرز الأسباب ما تمحور حول مسألتين:
الأولى: طموح الصدر؛ فقد سُئل علي الجمَّال، وهو أحد المقربين لموسى الصدر، ومن كبار ممولي حركته بالمال والسلاح، سُئل عن طموح الصدر فقال: أما طموحه فكان الوصول إلى الأمانة العامة للطائفة الشيعية في العالم(1).
الثانية: وهي نتيجة للأولى وسبب مباشر لها؛ حيث إن هذا الطموح لم يكن خافياً على الخميني مما اعتبره منافساً قوياً وخطيراً له؛ كما أشار بذلك الخبراء والقريبون من مصادر المعلومات الجيدة(2).
على الرغم من أن الغموض الذي يحيط باختفاء الصدر لا يزال قائماً فإن هذا الاختفاء شكل أهمية رمزية لحركة أمل؛ فقد ارتفع الصدر إلى مرتبة الشهيد القومي عند العديد من الشيعة اللبنانيين، وتصدرت صوره افتتاحيات صحف أمل، كما أعيد طبع خطبه وتعليقاته مصاحبة بصوره، وأطلق أعضاء الحركة على أنفسهم ـ من حين لآخر ـ «الصدريين» وارتدى معظم الشباب الصغير في الحركات قلادات وأزراراً وقمصاناً عليها صورة الصدر، وكان من الطبيعي أن يصل الصدر إلى هذه الدرجة، خاصة في مجتمع ليس له من الرموز المعاصرين إلا العدد القليل. لقد حقق اختفاء الصدر فوائد عدة لحركة أمل؛ فقد وجد العديد من الشيعة في «الإمام المختفي» رمزاً ملزماً للتعبير عن عدم الرضا الذي يشعرون به، وقد أكمل اختفاءُ الصدر هذا المزاجَ السياسيَّ للشيعة وغزَّاه، وكان وسيلة ملائمة للتعبير عبر الحركة التي خلفها وراءه. كما أن هناك بعضاً من قادتهم من يسلِّم بأن اختفاءه كانت له قيمة كبيرة في التعبئة السياسية لجماهير الشيعة لم يكن يحققها وجوده ذاته، كما أدى أيضاً إلى قلة حدة الانتقادات التي توجه للحركة بسبب تبجيلها لذكراه واعتباره رمزاً لها(3). وهكذا فقد حقق اختفاء الصدر هدفين في وقت واحد: التخلص من طموحه، وإعطاء دفعة معنوية لحركة أمل إلى حين.
--------------
(1)حوار مع مجلة الشراع اللبنانية، العدد: 898، 6/9/1999م، بمناسبة الذكرى الحادية والعشرين لاختفاء الصدر.
(2) انظر: الصدر ودوره في حركة أمل، ضمن حلقات: الإسلام والكونجرس الأمريكي، مجلة المجتمع، العدد: 957، ص 47.
(3)راجع أمل والشيعة، ص 97 ـ 103، والمصدر السابق، 47
تابع انشاء الله
__________________
khatm
|