عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 09-05-2002, 06:47 PM
khatm khatm غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2002
المشاركات: 148
إفتراضي

ثورة تحمي .. الثورة

إذا أراد شخص ما أن يحقق لعمله الهدوء والاستقرار، والأشخاص المحيطيون به لا يوفرون له ذلك، بل لا يريدون له ذلك، فلا بد من التفكير والسعي لأن يصنع لهم شيئاً يشغلهم عنه ويلتهون به، وهذا ما فعلته إيران بعد ثورتها. «فقد اعتبرت إيران تصدير الثورة ومساندة حركات المعارضة الراديكالية ـ خاصة ذات التوجه الإسلامي وبالذات الشيعة منها ـ في الدول المجاورة أسلوباً لهذا الهجوم الوقائي مستغلة البريق الأيديولوجي للثورة في سنواتها الأولى، كما هدفت من وراء ذلك إلى استخدام العامل الإسلامي الثوري من منطلق أنه عامل توحيدي إقليمي في مواجهة العامل القومي العربي؛ فالوضع الأمثل لريادة إيران ـ إن لم نقل زعامتها ـ على المستوى الإقليمي هو نظام إقليمي إسلامي وليس قومياً عربياً. ومن ثَمَّ توظف إيران دعمها للحركات الإسلامية خارج حدودها ـ حتى ولو كان معنوياً وإعلامياً فقط ـ في علاقاتها مع الأطراف الإقليمية والدولية بما يخدم أهداف سياستها ومصالحها الخارجية، ويلهي الحكومات المعادية لها عن محاولة التدخل في شؤون إيران الداخلية، واكتفائها بالحد من دور الجماعات الإسلامية لديها، وبما يحفظ الزخم الثوري في الداخل الإيراني.

ومنذ بداية انتصار الثورة الإيرانية عام 1979م، طالب التيار الداعي لتصدير الثورة باعتبار تصدير الثورة إحدى سبل حمايتها في الداخل، وبعدم الاكتفاء بالدعاية الخارجية للنموذج الإيراني بل بتقديم مساعدات ودعم لقوى سياسية خارج إيران، وخاصة القوى الراديكالية المعادية للنظم القائمة في العالم الإسلامي لإنشاء حكومات على النمط الإيراني.

وقد طالب الخميني منذ البداية بتكرار ثورة إيران في البلدان الإسلامية الأخرى على سبيل أن يكون ذلك خطوة أولى نحو التوحد مع إيران في دولة واحدة يكون مركزها إيران في المواجهة مع من أسماهم بأعداء الإسلام في الشرق والغرب. والتزم بتدمير من أسماهم بالأنظمة الفاسدة التي تقمع المسلمين واستبدالها بما اعتبره حكومات إسلامية، كما ربط بين تصدير الثورة وبين مواجهة الإمبريالية وتحرير فلسطين. ورأى للثورة الإيرانية دوراً عالمياً لمساندة المحرومين عبر العالم، واعتبر صراحة أن الدولة الإسلامية في إيران ستمثل قائداً للمستضعفين في الأرض، وأكد ضرورة تصدير الثورة لكل مكان؛ لأن الإسلام يدافع عن الشعوب المستضعفة ولا يعترف بالحدود بين البلدان الإسلامية. وتعهد الخميني بتصدير الثورة الإيرانية إلى كافة أرجاء الأرض، بل وعدّ ذلك ضمن واجبات الثورة الإيرانية، وأضفى على رؤيته قدراً من الواقعية عندما ذكر أن عدم تصدير إيران لثورتها سيضعفها أمام أعدائها.

وقد اتفقت معظم الأدبيات الثورية الإيرانية منذ عام 1979م على تصنيف حكام معظم البلدان الإسلامية ـ مثلهم مثل دول الغرب ـ بأنهم يمارسون «الاستكبار» ضد شعوبهم، وحثت هذه الشعوب على التخلص من حكوماتها التي تخدم ـ حسب الرؤية الإيرانية ـ مصالح أعداء الإسلام. وركزت هذه الأدبيات على إبراز النموذج الإيراني بوصفه النموذج الثوري الإسلامي الوحيد، ومن هنا فهو ملزَم بمساندة الحركات الإسلامية في بقية أنحاء العالم الإسلامي، مما يجعل تصدير الثورة واجباً دينياً وليس مجرد هدف سياسي يتمثل في جعل علاقات إيران الخارجية مع الشعوب وليس مع الدول، ويتطلب من إيران تقديم مساعدات مالية وعسكرية بالإضافة إلى التدريب العسكري والتلقين العقائدي لهذه الحركات، وعدم الاكتفاء بالدعاية الخارجية للثورة.

وقد جسد الحزب الجمهوري الإسلامي ـ الذي سيطر على الحكم في إيران منذ إقصاء الدكتور أبو الحسن بني صدر عن رئاسة الجمهورية في يونيو 1981م، حتى حل الحزب عقب نهاية الحرب مع العراق ـ نظرية تصدير الثورة. بل إن بعض الناس اعتبر الخلاف بين الحزب وبين الدكتور أبو الحسن بني صدر أول رئيس لجمهورية إيران هو ـ في أحد أبعاده ـ خلافاً بين المفهوم الوطني للإسلام وحركة الإسلام العالمية. فاعتبر الحزب نفسه ـ في برنامجه الأساس ـ حزب المسلمين في كافة أنحاء العالم وليس في إيران وحدها، وذكر برنامجه أن عالمية الثورة الإسلامية ومبدأ تصدير الثورة وجهان لعملة واحدة، وبذلك حدد مهمة إيران الثورة في إنقاذ المسلمين والبشرية بأجمعها.

وقد سوَّغ الدكتور حسن آيات ـ أحد منظري الحزب ـ تدخل الثورة الإيرانية في شؤون الدول الإسلامية الأخرى بأن على إيران نصرة المستضعفين في كل مكان حتى يتم ضمان استمرارية الثورة واتساع دائرة إشعاعها. وقد جاءت تصريحات لعدة مسؤولين إيرانيين لتؤكد أن إيران لن تأمن من مؤامرات الدول الكبرى إلا إذا حدثت ثورات مماثلة في العالم الإسلامي، ووعدت بمساعدة كل حركات التحرير والحركات الإسلامية الراديكالية في أي مكان في العالم»(1).

«كما بذلت إيران ما في وسعها منذ قيام الثورة لإدماج الأقليات الشيعية الأجنبية سياسياً تحت قيادة الإمام، وهكذا دعمت في فترة أولى تمتد حتى عام 1982م، كافة الحركات الشيعية الصرفة مثل حركة أمل في لبنان.

بعد ذلك راحـت تطلب المزيد من الراديكالية والمزيد مـن التخلّي ـ فـي آن معاً ـ عن المرجعية الوطنية والاندماج في بنى إيرانية محضة (مثل الباسداران ومكتب الدعاية الإسلامية في قم الذي كان يديره آية الله منتظري) وهذه الفترة الثانية هي الفترة التي بدأ فيها ظهور الأحزاب التي دُعيت بأنها أحزاب الله، سواء في لبنان أو أفغانستان، وإلى قيام تنظيمات باسداران لدى الشيعة. وهكذا، فإن السفارة الإيرانية في بيروت أصبحت بمثابة قيادة الأركان الشيعية الحقيقية في لبنان؛ حيث شرع حزب الله وأمل الإسلامية التي نشأت عام 1982م في معارضة حركة أمل، مع الابتعاد عن رجال الدين الأكثر تقليدية (مثل الشيخ محمد مهدي شمس الدين).

أما الشيعة العراقيون المنفيون في طهران فقد التقوا في إطار «مجلس الثورة الإسلامية العراقية» في تشرين الثاني ـ نوفمبر 1982م ، تحت قيادة محمد باقر الحكيم. وقد تمت عملية السيطرة هذه أحياناً بعد حرب أهلية داخلية فعلية، (أمل ضد حزب الله، والخمينيون ضد الشورى في أفغانستان)، انتهت هذه المرحلة عام 1983م. أما المرحلة التالية فكان قوامها توجيه المجموعات الشيعية لشنّ هجمات ضد خصوم إيران وهي المرحلة التي حولت لبنان بخاصة إلى ساحة حرب ضد الرعايا الغربيين (تدمير مركز قيادة الأركان الفرنسية والأمريكية عام 1983م)؛ ذلك أن أفغانستان سرعان ما شهدت قيام توازن بين الاتحاد السوفييتي وإيران (فلا هجمات شيعية ضد الروس، مقابل تحفظ سوفييتي نسبي في دعم العراق)، وقد بلغ إضفاء الطابع الإيراني ذروته بين عامي 1985 ـ 1986م، وهي الفترة التي شهدت الانتصار على الجيش العراقي في الفاو، فقد كان عام 1986م عام الانتصار الإيراني»(2).

وتفلسف أحد قادة الحركة في لبنان وهو إبراهيم الأمين ـ وقال: «إن تصدير الثورة لا يعني تسلط النظام الإيراني على شعوب منطقة الشرق الأوسط، وإنما المفروض أن تعيش هذه المنطقة الإسلام من جديد!! ـ أي إسلام؟ ـ فيكون المتسلط على هذه الشعوب الإسلام وليس الإنسان، على هذا الأساس نحن نعمل في لبنان من خلال المسؤولية الشرعية ومن خلال القناعة السياسية أيضاً، حتى يصبح لبنان جزءاً من مشروع الأمة في منطقة الشرق الأوسط، ولا نعتقد أنه من الطبيعي أن يكون لبنان دولة إسلامية خارج مشروع الأمة»(3). وكان الحرس الثوري الإيراني هو المؤسسة الرسمية الرئيسة التي ترفع راية مبادئ الثورة الإسلامية ومُثُلها التي حددها الخميني وتحميها، وقد لعب الحرس دوراً هاماً في ترسيخ أفكار الثورة وزعيمها(4).

وانطلاقاً من هذه السياسة الإيرانية بعد نجاح الثورة وبلوازم الدور الذي يقوم به الحرس الثوري لتصدير هذه الثورة، ولتحقيق الأمل الآخر بقيام الدولة الأخرى في لبنان فقد ساعدت مفرزة الحرس في لبنان على تأسيس «حزب الله»، وعلى تدريبه ودعمه فيما بعد، بهدف إقامة جمهورية إسلامية في ذلك البلد. وعموماً كانت قيادة مفرزة الحرس وأفراده في لبنان ـ وقوامها 2000 مقاتل ـ تضم أكثر رجال الحرس راديكالية من الناحية العقائدية. وإلى جانب المساندة والتدريب العسكريين المباشرين لحزب الله لعب الحرس دوراً عقائدياً وسياسياً كبيراً في وادي البقاع اللبناني، حيث بثوا معتقداتهم بين السكان المحليين، وأسسوا المدارس والمستشفيات والمساجد والجمعيات الخيرية، واكتسبوا التأييد للثورة الإسلامية وأمدوا حزب الله بالمجندين.

وقد نشبت خلافات واسعة في طهران حول المستوى والأسلوب الأمثل لنشاط الحرس في لبنان. وكان لدى الحرس مصلحة في إنكار مسؤوليته عن بعض أنشطته في لبنان؛ كما كان لمختلف الزعماء الإيرانيين صلات شخصية وسياسية واسعة مع المتشددين الشيعة اللبنانيين على اختلافهم؛ فعلى سبيل المثال: قام وزير الحرس السابق رفيق دوست بزيارات متكررة للبنان، ولعب دوراً رئيساً في أنشطة الحرس بلبنان؛ لأنه أقام علاقات واسعة هناك خلال التدريب الذي تلقاه على حرب العصابات، ولأنه كان مسؤولاً رسمياً عن تقديم الإسناد اللوجستي والإمدادات للحرس.

كما لعب السفير الإيراني السابق في سوريا ووزير الداخلية علي أكبر محتشمي، وهو أحد المتشددين البارزين، دوراً فاعلاً بالتعاون مع الحرس في تشكيل حزب الله، ويبدو أنه لا يزال يتمتع بنفوذ قوي في لبنان. كما تسعى السفارتان الإيرانيتان في سوريا ولبنان مع وزارة الخارجية الإيرانية وبعض الزعماء الإيرانيين إلى السيطرة على أنشطة الحرس والسياسة الإيرانية في لبنان(5).

-------------
(1) د. وليد عبد الناصر، إيران: دراسة عن الثورة والدولة، دار الشروق، ط 1/1418هـ، ص70 ـ 75 بتصرف، وانظر: د. عبد المنعم سعيد، العرب ودول الجوار الجغرافي، مركز دراسات الوحدة العربية، ط/1/1987م، ص 86 ـ 87.
(2)أولفيه روا، تجربة الإسلام السياسي، ص 182 ـ 183.
(3)دولة حزب الله/210.
(4)انظر: الحرس الثوري الإيراني، نشأته وتكوينه ودوره، ص 26 ـ 27.
(5) راجع المصدر السابق، 139 ـ 140، 178 ، 180، وانظر: دولة حزب الله، ص 277. وانظر: مجلة المقاومة العدد: 31، ص 4.

الجز السادس يوم غد انشاء الله
khatm
__________________
khatm