فدائيون أم .. عملاء؟
===========
في الوقت الذي كانت إحدى مجلات اليسار الثوري المتطرف تتوب فيه من اليسار، والثورة والتطرف، أوردت مقالاً بعنوان: حزب الله.. فدائيون أم عملاء؟ ووصلت كاتبة المقال في نهايته إلى أنهم عملاء(1)!!
في الوقت ذاته لم تمنع أُخُوة المذهب أحد الكتاب أن يطلق على حزب الله لقب «خدم للأسياد»(2)
وتلطف بعض الكتاب وأطلقوا عليهم.. الوكلاء(3)
بل إن أمينه العام اعتبر الحزب.. ورقة وأداة(4)!!
في جميع الأوصاف السابقة إشارات واضـحة باتهامات وإدانات لحـزب الله، وهنا لن نتبنى وصفاً معيناً ممـا سبق، ـ وإن صـدرنا واحداً منه ـ ولكن سنعرض تفاصيل الاتهامات وما يتعلق بهـا، ثم نترك القارئ يجيب على هذا السؤال.
ومع النظر إلى الخدمات التي يقدمها حزب الله لعامة الشيعة في لبنان، ومع حجم المبالغ المالية الضخمة التي تنفق على هذه الخدمات، والتي ينفقها الحزب على الجهاز العسكري، ومع النظر كذلك إلى سياسة الحزب تجاه إيران وتجاه سوريا، ونظرة الحزب إلى العالم، من خلالها سندرك بلا شك إجابة السؤال.
------------------------
(1) روز اليوسف ، د. فاطمة سيد أحمد ، العدد: (3685) 25/1/1999م.
(2) وضاح شرارة، دولة حزب الله، ص 335.
(3) أحمد خالدي، حسين ج.آغا، سوريا وإيران، تنافس وتعاون، ص 135.
(4) حسن نصر الله، جريدة الأنباء، العدد: 8331، 14/2/1420هـ.
هل كان الإحسان خالصاً؟
«إننا يمكن أن نأتي بالتغيير في لبنان بتعليم الشعب وتنويره داخل المؤسسات الاجتماعية»(1).
«إن قوتنا تكمن في قدرتنا على صنع الناس والجماهير، وعلى أن نضع أوامرنا موضع التنفيذ، إنهم ينفذون أوامرنا؛ لأنهم يعرفون أننا أقرب الناس إلى تحقيق مطالبهم»(2).
بهذه الكلمات الموجزة يبين محمد حسين فضل الله، الزعيم الروحي لحزب الله إحدى الوسائل الهامة التي يسعون من خلالها إلى تحويل لبنان إلى دولة شيعية، أو على الأقل مجتمعاً شيعياً، فلم تقتصر وسائل التغيير لدى «حزب الله» على نمط واحد، بل تعددت وتشعبت في أركان لبنان، وكل وسيلة تغرس غرساً وتجني ثمراً.
وكان للخدمات الاجتماعية التي يقدمها «حزب الله» دور كبير في ترسيخ القناعة بأحقيته بأن يكون صوت العشيرة وراعيها الساهر على راحتها، الساعي إلى قضاء حوائجها، في وقت تقطعت فيه أوصال المجتمع اللبناني، وانهارت مؤسساته بعدما حل بالبلد ما حل.
وفي الوقت الذي سعى فيه حزب الله لأن يكون رأس الحربة في الساحة اللبنانية، وفي مقدمة الطائفة الشيعية، كان لا بد من النظر إلى عامة الشيعة نظرة تشعرهم بالاهتمام بهم، والسعي لرفع الفقر والحاجة التي طالما عانوا منها، فكان للحزب سعيان: سعي بالسلاح، وسعي بالإحسان؛ فالمبادئ والمثل والحقائق تبقى عند كثير من الناس بلا تأثير إن لم يروا لها أثراً حياً يتحرك بها في واقعهم.
ولم يكن هذا الإحسان خالصاً كله؛ فقد كان فيما يرمي خلق جبهة خلفية تتبنى الدفاع الأدبي والمعنوي عن الحزب، كما أنها تمثل المدد البشري الذي يدين بالولاء والطاعة، فليس جزاء الإحسان إلا الإحسان.
----------------------------
(1) قراءة في فكر زعيم ديني لبناني، د. أحمد إبراهيم خضر، مجلة المجتمع، العدد: 954، ص 43.
(2) المصدر السابق، العدد: 958، ص 50.
دور المؤسسات الاجتماعية وهدفها
في الوقت الذي خسرت فيه كثير من الحركات السنية كثير من عامة الناس لإخفاقها في توجيه الخطاب المناسب لها، وتقديم الرعاية الاجتماعية، بل إن من هذه الحركات من ناصب عامة الناس العداء واعتبرهم «جاهليين» في الوقت ذاته نرى هنا تجربة الرعاية الاجتماعية التي قدمها حزب الله، وكيف كان لها أثرها في تثبيت أقدام الحزب، وبرغم الموقف الواضح هنا من الحركات الشيعية عامة، وحزب الله خاصة، فلا يُظن أن هذا الكلام ذم مطلق للحركات السنية، وإنما إشارة إلى جزء من منهجها الذي لم توفق فيه للوصول إلى أحد ركائز الدعوة.
وإن كانت صور التجربتين غير متطابقة في مكوناتها وتطبيقاتها إلا أن النظر إلى التجارب التي حققت نجاحاً أكثر من الأخرى ـ في بعض جوانبها ـ لا شك أنه سيعود بالفائدة.
«تنهض المؤسسات الاجتماعية بالصلة بعامة الشيعة؛ فهي نظير: «المنظمات الجماهيرية» في الحركات الشيوعية خاصة. والمقصد منها إنشاء دوائر أوسع، وكلها تفترض علاقة وثيقة ومتينة لسياسة الحركة وعملها. إن الهيئات المختلفة تعمل على الإحاطة بكل وجوه الحياة الاجتماعية، وعلى إنشاء مجتمع نقيض للمجتمع العام والظاهر، فينبغي لمن تسميهم الحركة الشيعية الإيرانية «الملتزمين» تارة، و«المجاهدين» تارة أخرى، ينبغي إذن لجمهورها وأنصارها أن ينتقلوا من المهد إلى اللحد هم وأهلهم الصغار منهم والكبار من غير الخروج من مرافق «ذلك المجتمع» مهما كانت الذريعة، من تعليم وتريض واستشفاء وصداقة وزواج وقتال وعبادة، إلخ... وإذ يقول دعاة «حزب الله» وخطباؤه إن الإسلام إسلامهم وهو حركة شاملة، وذلك يقتضي أن من ألحّ مهامهم عليهم: استكمال إنشاء الجمهورية الإسلامية بقيادة الخميني»(1).
«وكان لاجتماع عوامل التهجير والإقامة المرتجلة وانكماش فرص العمل المستقر وتدني الدخل، أن انتشرت مؤسسات الرعاية الاجتماعية والإغاثة على نحو واسع. وأخذت هذه المؤسسات على عاتقها مهمات كثيرة: من مساعدات طارئة للمهجرين «بما في ذلك ترميم المنازل التي تضررت من جراء الحرب ـ إلى المساعدة الطبية وتوزيع الأدوية، ومن التعليم المهني إلى تأهيل المعاقين تأهيلاً جديداً، ومن التأهيل الاقتصادي ـ قروض طويلة الأمد لمزارعين وحرفيين وتجار فقدوا مورد رزقهم ومعاشهم ـ، إلى إنشاء مساكن جاهزة ومساعدات مدرسية، وتولت اللجان والمؤسسات والهيئات والمنظمات، مهمات متفرقة في ميادين وحقول كثيرة، منها: معالجة الجرب، واكتشاف القمل، وتوزيع مساعدات غذائية، وإقامة معارض كتب، وإنشاء مستوصفات والقيام على خدماتها، وإصلاح أضرار من جراء النزاعات الداخلية، وإعداد دورات خياطة وتطريز، وتجريد حملات لمحو الأمية، وإعداد ممرضات، وتأهيل مشاتل وتوزيع شتول على المزارعين، وتعهد سياسة طب وقائي في المدارس، وتمكين الطلاب الأيتام والمعوزين من التعليم المهني والتقني، وتقديم منح طالبية، وتنظيف المدن من الردم، وإحصاء الأضرار والخسائر، ومساعدات نقدية دورية، وتوفير أطراف صناعية، ورعاية المعاقين وتأهيلهم، وإعداد اختصاصيين في تدبير أمور الأطفال، واستيعاب المكفوفين والصم، ومساعدة مستشفيات على سد العجز في ميزانياتها، وتعليم الطباعة على الآلة الكاتبة، وشراء بطاريات قلب، وإجراء فحوصات مخبرية، وتدريس القرآن.
فلم يبق حقل من حقول الحياة الاجتماعية بعيداً من يد المساعدة والإغاثة والتعويض والإحصاء والإرشاد. وسعت إمّا فـي جمـع المساعدة والحث عليها أو في صرف المساعدات المتوفرة والهبات إلى المحتاجين»(2).
وقد كان الاهتمام الشيعي بالخدمات الاجتماعية منذ بدايات النهضة الشيعية، فقد كانت خطوات موسى الصدر الأولى في لبنان أن أنشأ مدرسة الخياطة والتفصيل في عام 1963م، ومدرسة التمريض في 1969م، ومدرسة جبل عامل المهنية في 1969م، ومبرة الزهراء، ومستشفى الزهراء بعد ذلك(3).
وكان من أبرز المؤسسات الشيعية التي قامت بأدوار اجتماعية بارزة:
__________________
khatm
|