مؤسسة الجرحى:
==========
«وللجرحى هيئة خاصة بهم، بدأ عملها في 1990م في عز الحروب الأهلية، وكانت تابعة لـ «مؤسسة الشهيد» ولكن الزيادة المضطردة في عدد الجرحى دفعت نحو الانفصال لتشكيل جسم خاص. ففي تلك المرحلة كان القصف المتبادل بين اللبنانيين يسقط العديدين، ولما استتب الأمن كان لا بد من تركيز الأنظار على جرحى القصف الإسرائيلي سواء كانوا مقاومين أم مدنين، وتقدم المؤسسة العناية الكاملة لجرحى المقاومة، والاعتناء بالجرحى المدنيين «شبه كامل». بالنسبة لجرحى المقاومة تكون التقديمات شاملة من لحظة دخول المستشفى حتى لحظة الخروج. وبالنسبة للآخرين فإن وزارة الصحة هي التي تتكفل النفقات في البداية، ولكن الاهتمام يتراجع تلقائياً فتكمل المؤسسة ـ الاهتمام بالجوانب الأخرى التي يحتاجها كل جريح. التقدير الإجمالي لعمل المؤسسة، كما يؤكد مسؤولها الإعلامـي (عماد خشمان) ـ هو اهتمامها، حتى آخـر إحصاءات بـ 3048 حالة لا تزيد نسبة المقاومين فيهم عن 8% فقط أصيب بعض هؤلاء بإعاقات جزئية «بتر قدم أو يد، أو فقدان عين..» كما أصيب 72 شخصاً آخرين بإعاقات كلية. إن المسؤولية شاملة عن المعاقين كلياً: مخصص شهري، سكن، صحة، تربية، تكاليف العائلة: إلخ، ويضيف: أن نجاحنا الأبرز ربما كان تزويج 68 شاباً من أصل 72 من الذين أصيبوا بإعاقة كلية، وكانت تدفع نفقات صناعة الأطراف وتركيبها إلى أن أخذت وزارة الصحة الأمر على عاتقها، غير أن ذلك دفع إلى إقامة مصنع للأطراف وذلك بعد النجاح في تشغيل مركز العلاج الفيزيائي، والمطلوب من مصنع الأطراف سد الحاجات ورد التكاليف وربما أمكن لاحقاً الاستفادة منه تجارياً. وثمة دورة تدريبية حالياً من أجل تخريج من يمكنه المعاونة في هذا العمل الدقيق. ولمؤسسة الجرحى التي يعمل بها أربعون شخصاً ـ معظمهم من الجرحى السابقين ـ فروع في النبطية وصور وبعلبك وهي تعمل وفق مبدأ. إن الرعاية من دون إعادة تأهيل غير ناجحة، ولذا فإن التركيز واضح على التعليم، ومن علامات النجاح وجود من تخرج جامعياً ومن انخرط في أعمال مهنية تؤمن مصدر رزق.
كما تعمل المؤسسة على رفض إيواء الجرحى، والسعي إلى رعايتهم ضمن العائلة والمجتمع»(9).
أما جرحى النفوس الذين أمضوا جزءاً من حياتهم في السجون الإسرائيلية فكانوا يتطلبون نوعاً آخر من الرعاية لرفع معنوياتهم وإعادة تأهيلهم، فكانت تقيم السفارة الإيرانية في بيروت رحلات خاصة لأولئك، من لبنان إلى «العتبات المقدسة» في إيران، وكانت تسمى هذه الرحلة بـ «رحلة التجلي» حيث: «ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر»(10)!! وذلك حسب الوصف الشيعي لتلك العتبات.
مؤسسة جهاد البناء:
«جمعية مؤسسة جهاد البناء الإنمائية تأسست في لبنان سنة 1988م، شعارها: «إسرائيل تقصف يومياً ونحن نرمم يومياً» اقتصر عملها بعد التأسيس وفي ظروف الغياب الخدماتي للدولة، على رفع النفايات وتأمين المياه والكهرباء وما شابه من قضايا تهم اللبنانيين في حياتهم اليومية وتفاصيلها، ولكن بقدر ما كانت المقاومة تتحول إلى العنوان الرئيس لمناهضة الاحتلال عسكرياً، وبقدر ما كانت الردود ترتبط باسمها، وجدت «جهاد البناء» نفسها مدعوة إلى «ردم الهوة التي تريد إسرائيل إيجادها بين المقاومة والناس» و «ردم الهوة» بات يعني تحديداً القيام بأعمال الترميم بعد الاعتداءات. وبهذا المعنى فإن عدوانـي «يوليو» 1993م و «إبريل» 1996م كانا محطتين بارزتين على طريق تحويل المؤسسة إلى جهاز فاعل يطوق الآثار السلبية لعمليات القصف، ويُقَدر عدد المنازل والوحدات السكنية المتضررة في كل من العدوانيين بخمسة آلاف، وأمكن في المرتين إتمام الترميم خلال 3 إلى 4 أشهر، ثم إعادة البناء تماماً لكل ما تهدم، كما أن المؤسسة عاملة على بناء مدارس ومستشفيات ومستوصفات وملاجئ وعلى القيام بتمديدات كهربائية بعد القصف وعلى حفر آبار ارتوازية، ويزداد يوماً بعد يوم.
وللمؤسسة دورها في التنمية الزراعية فهي تقوم بإرشاد زراعي وبتسليفات وتضع صيدلياتها وتعاونياتها في الجنوب والبقاع في خدمة المزارعين، كما أن للمؤسسة مركزين في الهرمل وبعلبك يتعاطيان مع الفلاحين ويقدمان إليهم خدمات ذات صلة بالطب البيطري وتربية النحل وفحص الأتربة والتعريف بالأمراض الزراعية وسبل الوقاية منها. وهي تعتمد خطة تسليف عينية لا نقدية بسقف حده 2000 دولار يجري تقديمها على شكل مواد أولية لحوالي 3 إلى 5 آلاف مزارع، ويضاف إلى ذلك توفير طاقم فني يقدر الاحتياجات لكل من يقدم كفالات وضمانات، ويحصل مقابل ذلك على أسمدة وأدوية ومتابعة من جانب مهندسين مختصين، وكذلك أقدمت في مراكز الإرشاد على إقامة نماذج مصغرة من مزارع تعاونية ويتولى فريق مختص مهمة شرح فوائدها للفلاحين سواء من ناحية خفض كلفة الإنتاج أو حل مشكلة التصريف، ويهتم الإرشاد أيضاً بالجانب البيئي لجهة الترشيد في استخدام الأدوية والأسمدة ثم السعي مع البلديات إلى توسيع المساحات الخضراء وإقامة حدائق.
وتمويل «جهاد البناء» من «الحقوق الشرعية» ومن التبرعات، ومن إيرادات شركات تملكها في مجالات الإعمار والزراعة والتجارة والوقود. وهي تتشكل من جهاز يضم 93 موظفاً بينهم 40 مهندساً من الاختصاصات كلها فضلاً عن 25 مجازاً في الإدارة والمحاسبة ويحصل أحياناً ـ كما في عدوان نيسان ـ أن يرتفع عدد المهندسين إلى 130، وعدد العمال حوالي ثلاثة آلاف، وفتحت الانتخابات البلدية الأخيرة مجالات جديدة للتعاون بين المؤسسة والسلطات المحلية خاصة، وأن هذه الأخيرة قليلة الخبرة قياساً بتلك التي تملكها جهة موجودة في ميادين العمل منذ 15 سنة»(11).
«وقد قامت المؤسسة إلى أوائل تموز عام 1994م بإنشاء تسع وعشرين مدرسة أو تأهيلها، ورُمم نحو خمسة آلاف وثلاثمئة منزل، ورُفع خمسة عشر مسجداً وأُهل ثلاثة وخمسون، وشُيد سبعة عشر نادياً حسينياً (حسينية)، وشُرع في إنشاء مقام للأمين العام السابق السيد عباس الموسوي، «سيد الشهداء»!! الحزب الخميني»(12).
وكان الشيخ نبيل قاووق، رئيس شورى الجنوب نوه في أواخر أيلول عام 1993م، أي بعد عملية «تقديم الحساب» بنحو شهرين، بترميم «جهاد البناء» 1750 منزلاً في إحدى وثلاثين قرية جنوبية، وإسهام خمسة آلاف ومئة إداري ومهندس وعامل في الإنجاز(13).
المدرسة:
«يقول نعيم قاسم «نائب الأمين العام لحزب الله» إن لدى الحزب 50 مدرسة موزعة على مناطق لبنان»(14).
ونأخذ من هذه المدارس نموذجاً لنرى ما الذي يُقدم من خلالها، وهي مدرسة (شاهد)، «هذه المدرسة من حيث المبدأ هي لأبناء القتلى والأسرى، أو من كان هؤلاء مسؤولين عن تأمين التربية لهم، غير أن المبدأ المتبع فيها ـ كما في مؤسسة الشهيد ـ هو عدم عزل هؤلاء عن الآخرين فعددهم في (شاهد) هو 180 من أصل 675 طفلاً موزعين على صفوف حتى الرابع ابتدائي، وبانتظار بناء ثانويتي الذكور والإناث كما أن التعليم أكاديمي عادي ونسبة النجاح عالية جداً، ويتم تقديم تربية دينية ونركز على مقاومة العدو الإسرائيلي، والأقساط لأبناء القتلى ملغاة، وتقدم (شاهد) نموذجاً عن تعايش من نوع خاص:
1 ـ التعليم الذي تقدمه عصري إلى أبعد حد فهو شديد الاهتمام باللغات الأجنبية؛ وذلك وفق أساليب تعتمد على التلقين الشفهي قبل الكتابي بحيث يعرض على الفتى ما هو مستعد له ذهنياً لتقبله. ويتم اعتماد أسلوب «الصور المتحركة» من أجل توفير رؤية بصرية تساعد في استيعاب ما يصل إلى الأسماع، ولكن الأهم من ذلك وجود قاعة واسعة تحوي مواد وألعاباً جرى الحديث عنها في القصص القصيرة التي تُروى على التلامذة وحفظوها، وتخدم هذه المقومات كلها في تيسير الانتقال إلى القراءة والكتابة.
2 ـ تتشح المدرسة بالسواد لمناسبة عاشوراء، وفي هذا غير إشارة إلى الجو الديني الذي يؤطر البرامج التعليمية وذلك في سياق ما هو معروف في لبنان من حضور كثيف للتربية الدينية في التعليم الخاص.
3 ـ تضم المدرسة قاعة واسعة فيها ما لا يقل عن 200 جهاز كمبيوتر، أن كل ما له علاقة بهذا العالم هو جزء من البرامج وذلك بدءاً من الصفوف الأولية»(15).
وهكذا نرى أن الخدمات الاجتماعية كانت شاملة لجميع الاحتياجات الاجتماعية وهي خدمات لا تستطيع جماعة بمفردها القيام بها؛ إذ إنها مساعدات لا تقدر عليها إلا دول أو جماعات تمدها دول وقد كان الهدف من تلك الخدمات هو «حصار» الناس ضمن إطار مذهبي شيعي لا يشذ عنه، وكما قيل:من المهد إلى اللحد، ولو عدنا إلى الوراء قليلاً وأعدنا النظر إلى حال الشيعة في بداية القرن لأدركنا الفرق الكبير، ولهذا فقد وسع محمد حسين فضل الله أن يقول: «إن قوتنا تكمن في قدرتنا على صنع الناس والجماهير، وعلى أن نضع أوامرنا موضع التنفيذ، إنهم ينفذون أوامرنا؛ لأنهم يعرفون أننا أقرب الناس لهم في تحقيق مطالبهم»(16).
-----------------------------
(1)دولة حزب الله، وضاح شرارة، ص 6ـ 8.
(2)المصدر السابق، 212 ـ 214.
(3) انظر: المصدر السابق، ص 85.
(4) المصدر السابق، ص 6 ـ 8 باختصار.
(5) المصدر السابق، ص .
(6) لبنان: أربعة وجوه للمقاومة الإسلامية، جوزف سماحة، جريدة الحياة، العدد: 13222، 6/2/1420هـ، 21/5/1999م، ونشرته مجلة المقاومة في العدد: 42، يوليو/ 1999م.
(7) دولة حزب الله، ص 6 ـ 8، وانظر مزيداً من التفصيل في: سوريا وإيران تنافس وتعاون، أحمد خالدي، حسين ج. آغا، ترجمة: عدنان حسن، ص 44.
(8) أربع وجوه للمقاومة، مصدر سابق.
(9) المصدر السابق.
(10) زيارة إلى إيران، مجلة العهد، العدد: 96، شعبان، 1406هـ.
(11) لبنان: أربعة وجوه للمقاومة الإسلامية، مصدر سابق.
(12) دولة حزب الله، ص 337.
(13) جريدة النهار اللبنانية، 28/9/1993م.
(14) محمد القدوسي ، كربلاء الجديدة، أيام مع المقاومة في جنوب لبنان، اللجنة العربية لمساندة المقاومة
في لبنان، ط 1/ 1998م.
(15) جوزيف سماحة، مصدر سابق.
(16) قراءة في فكر زعيم ديني لبناني، مجلة المجتمع، العدد: 958، ص 50.
تابع الجز السابع يوم غد اشاء الله
khatm
__________________
khatm
|