عرض مشاركة مفردة
  #3  
قديم 13-05-2002, 05:39 AM
مراقب الاسلامية مراقب الاسلامية غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2002
المشاركات: 60
إفتراضي

مشروع الوحدة وأهميته

إذن منطلق الفكر السياسي في حضارتنا كان الخلاف حول السؤال عن أساس الحكم، وهذا السؤال هو: هل الحكم ربوبي (ثيوقراطي) ينتسب إلى العقيدة بحسب العلم المطلق (المتناقض مع ختم الوحي) بالحقيقة الدينية (نظام الوصية والتعيين في الإمامة الشيعية) أم هو بشري (أنثروبوقراطي) ينتسب إلى إدارة الشأن العام بحسب العلم النسبي (الوحيد الممكن بمقتضى ختم الوحي) بالمصالح العامة (نظام الاختيار والمبايعة في الخلافة السنية)؟

ولتحقيق تعاون بين المذهبين أيضاً لا بد أن يتخلص "أهل السنة" من السلبية العملية فتعمل بالجهاد مثل "الشيعة"، وأن تتخلص "الشيعة" من السلبية النظرية فتعمل بالاجتهاد مثل السنة:

1- وشرط التخلص من السلبية العملية عند السنة هو العمل الإيماني بالعلم العقلي أو الجهاد المتمم للاجتهاد، فلا يكفي أن يبين ابن خلدون دور القوة في العمل السياسي إذا وضعها بصورة تحول دون عملها في وجودها التاريخي، بل كان ينبغي أن يضع شروط استعمال القوة نفسها لتحقيق الإصلاح السياسي وذلك هو مفهوم الثورة السياسية المستندة إلى المعرفة العلمية. وهذا لا يكون من دون التخلص من نظرية في العمل والتغيير. ففي العالم السني حالت السلبية العملية دون التصدي العملي للفصل بين مبدأي الحكم الطبيعيين: مبدأ تأثير القانون الطبيعي أو القوة، ومبدأ تأثير القانون الخلقي أو العقل، فصار مبدأ الشوكة بيد المرتزقة يحكم الواقع المادي بالقوة العمياء منفصلا عن مبدأ العقل الذي يمثله العلم الاجتهادي. وصار مبدأ العقل منفصلا بيد العلماء يحكم الواقع الرمزي بالفكرة العَزْلى منفصلا عن مبدأ القوة.

2- وشرط التخلص من السلبية النظرية عند الشيعة هو العلم العقلي بالعمل الإيماني أو الاجتهاد المعد للجهاد، فلا يكفي أن يبين الفارابي دور القيم في العمل السياسي إذا وضعها بصورة تحول دون علمها في وجودها التاريخي، بل كان ينبغي أن يضع شروط تحقيق القيم لتحقيق الإصلاح السياسي وذلك هو مفهوم المعرفة العلمية الهادية للثورة السياسية.

ففي العالم الشيعي حالت السلبية النظرية دون التصدي النظري للفصل بين مبدأي الحكم الطبيعيين؛ فأدت إلى نفس النتيجة وإن بدرجة أخف لكون القانون الخلقي يمثله العقل بما هو علم الأئمة المعصوم.

لذلك فليس من المصادفة أن يكون الفكر السياسي الشيعي قد بدأ يحاكي الفكر السني لينظر اجتهاديا في شروط تحقيق قيم الدين جمعا لوجهي الإيمان الحقيقي (بإضافة النظر الاجتهادي بدلا من العلم المعصوم إلى العمل بالقيم الدينية).

كما أنه ليس من المصادفة أن يكون الفكر السياسي السني قد بدأ يحاكي الفكر الشيعي ليعمل إيمانيا بشروط تحقيق قيم الدين جمعا لوجهي الإيمان نفسيهما (بإضافة العمل الجهادي بالقيم الدينية إلى النظر الاجتهادي بدلا من دعوى الاستسلام إلى القدر).

وبذلك يتبين التكامل بين فرق الفكر الإسلامي بحيث يصبح مشروع توحيد المسلمين أمرا ممكنا؛ لأنه ضرورة يقتضيها المنطق الذاتي للفكرين في مستوييهما النظري والعملي كما وصفنا.

آفاق الصحوة الإسلامية

الصحوة في جوهرها هي إعادة اكتشاف لمقومات النهضة عبر إعادة اكتشاف السنن الإلهية في كتاب الوحي المسطور وكتاب الكون المنشور، ترتيلا وتفكرا مع سير ونظر.

وسورة العصر وسورة آل عمران تشرحان تعريف الإصلاح من خلال مناقشة مفهوم التأويل لتحديد نظرية الاجتهاد أو الرسوخ في العلم. ومناقشة مفهوم القدر لتحديد نظرية الجهاد أو الرسوخ في العمل وهو ما جعلنا نربط بين السورتين.

فسورة العصر: "والعصر* إن الإنسان لفي خسر* إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر" تبدأ بالقسم بالعصر محددة منزلة اللحظة الإنسانية الوسطى وساطة العصر في الصلوات ووساطة الإسلام في التاريخ الكوني وفي العمل بالقيم. وتصف الآية الثانية الإنسان بأنه يوجد في هذه اللحظة أمام الخيار بين الخسر والاستثناء منه. ثم يأتي ذكر شرطي هذا الاستثناء، أعني مضمون الإصلاح أو الإسلام بمستوييه النظري والعملي في صيغة خبرية بالنسبة إلى من اتصف بهذه الصفات في الماضي فيعد من المسلمين (مبدأ قراءة تاريخ الأديان لبيان أنها جميعا إسلام عندما لا تكون محرفة). ويأتي كذلك وفي الوقت نفسه بصيغة إنشائية بالنسبة إلى من سيتصف بهذه الصفات، إذ هي تتضمن دعوة للتحلي بهذه الصفات (شرط الانتساب إلى الإسلام). وكلا المستويين من الإصلاح ذُكِر مرتين مرة ببُعده الشخصي الذاتي ومرة ببعده الجمعي الموضوعي: فالإصلاح النظري تشير إليه الآية بالإيمان شخصيا ذاتيا وتشير إليه جماعيا موضوعيا بالتواصي بالحق, والإصلاح العملي تشير إليه الآية شخصيا ذاتيا بالعمل الصالح وتشير إليه جماعيا موضوعيا بالتواصي بالصبر.

ولما كان التواصي بالحق هو عينه الاجتهاد الذي يعني العلم بحسب معايير إجماعية في غياب العلم المحيط بالوجود (وهو معنى المشاركة في التواصي بالحق)، وكان التواصي بالصبر هو عينه الجهاد الذي يعني العمل بحسب معايير إجماعية في غياب العلم المحيط بالقيم (وهو معنى المشاركة في التواصي بالصبر) -بات من الواجب أن نبحث عن معرفة الشروط الموجبة والسالبة التي يضعها القرآن الكريم لعمل هاتين المؤسستين (الاجتهاد والجهاد في النظر والعمل، سواء كان الموضوع طبيعيًا عالميًا أو شريعيًا تاريخيًا) بوصفهما الأصل الذي تستمد منه السياسة بعديها: النظري والعملي.

أما سورة آل عمران فتعالج تحليل أسباب الفساد الناشئ عن الموقفين القائلين بالعلم المحيط (تأويلا للمتشابه) والعمل المحيط (تعليلا بالقدر) فتنقسم آياتها المائتان إلى قسمين: المائة الأولى تعالج تحريف التواصي بالحق الناتج عن تأويل المتشابهات، والمائة الثانية تعالج تحريف التواصي بالصبر الناتج عن التعلل بالقدر الذي هو في الحقيقة أصل كل متشابه. فهي تحدد في الآية السابعة منها العلة الرئيسية التي لأجلها يمكن لتحريف المعرفة الإنسانية أن يحصل: إنها محاولة تأويل المتشابه في أهم موقف نظري من مواقف الحياة, موقف مواجهة المجهول خلال الاجتهاد من أجل الحقائق العقلية التي تجعل العمل يكون على علم. وهي تحدد في الآية الرابعة والخمسين بعد المائة العلة الرئيسية التي لأجلها يمكن لتحريف العمل الإنساني أن يحصل: إنها محاولة التعلل بالقدر في أهم موقف عملي من مواقف الحياة موقف مواجهة الموت خلال الجهاد من أجل القيم الروحية؛ مما يعني أن الرسوخ في العلم لا يمكن أن يكون إلا معرفة اجتهادية تتحرر من وهم تأويل المتشابه، إذ من دون ذلك لا معنى للدين ولا معنى للوحي ولا معنى لانعدام تناهي الطلب النظري. والرسوخ في العمل لا يمكن أن يكون إلا عملا جهاديًا يتحرر من وهم تحليل القدر؛ إذ من دون ذلك لا معنى للحرية ولا معنى للالتزام الخلقي ولا لانعدام تناهي الطلب العملي.

ولما كان الوهم الثاني (وهم تحليل القدر) عائدًا إلى الوهم الأول (وهم تأويل المتشابه) تقدمت الآيات التي تدرس تحريف النظر بتأويل المتشابه للتعلل به عن الجحود على الآيات التي تدرس تحريف العمل بتحليل القدر للتعلل به عن القعود. لكن المقصود من الآيات التي يتعين فيها المتشابه والقدر ليست مقصورة على المعنى الفني من كلمة آية (أي: المعنى الدال على مقاطع النص القرآني) فحسب بل المقصود كل الآيات الكونية والشرعية والجامعة بينهما جمعا متشخصًا في العين البشرية وجمعا كليا في التاريخ البشري، أعني الموضوعات التي تتكلم فيها الآيات التي يتألف منها نص القرآن الكريم. الآيات المتشابهة هي إذن أنواع الآيات الخمس التي يتكلم فيها الكتاب الذي أنزل بما فيها هذا المعنى المحدود الذي حُصر فيه النهي عن تأويل المتشابه في الأدبيات التفسيرية التقليدية أو الفلسفية: الآيات الكونية, والآيات الخلقية, والآية الجامعة بينهما في الشخص الإنساني, والآية الجامعة بينهما في التاريخ الإنساني, وآية الآيات أو القرآن الكريم.

ولعل سر الأسرار في الرسالة المحمدية هو إثبات القيام الموضوعي للآيات الخلقية مثلها في ذلك مثل الآيات الكونية واعتبار ذلك معلوما بالفطرة بل هو عين الفطرة الإنسانية كما تتبين من النفس البشرية التي هي وحدة الضربين الأولين من الآيات في قيامهما العيني ومن التاريخ البشري الذي هو وحدتهما في قيامهما الكلي. وليس القرآن الكريم إلا التذكير الخاتم بهذا الأمر من حيث ما لا يمكن للإنسان إلا أن يتدبره لتحقيق شروط الاستخلاف في التاريخ الفعلي وتسيير ذاته بنوره الفطري لكون الرسالات قد ختمت والرسالة الأخيرة ألغت الوسطاء بينه وبين السماء واعتبرت مهمة الدين الرئيسية تحقيق شروط الحرية العقدية والسياسية في العمران الإنساني كما تشير إلى ذلك بوضوح الآية الكريمة : "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي.

فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم" (البقرة 265).

وهذا الأساس القرآني هو في الوقت نفسه شرط تحرير المسلمين والبشرية من العولمة، فمهمة الدين الرئيسية تحقيق شروط الحرية العقدية والسياسية في العمران الإنساني كما تشير إلى ذلك بوضوح آية الكرسي: "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم".

الخاتمة

الحوار بين فرعي الإسلام الرئيسيين لتجاوز الخلافات المذهبية على أرضية عقدية وفلسفية وعلمية تستند إلى فكر يصل بين سنن فلسفية ودينية ورثناها من تراثنا وسنن تعلمناها من الفكر الإنساني في شكله الحالي خلال القرنين الأخيرين -من الاستفاقة الإسلامية. لذلك فقد سعينا إلى جعل الحوار يجري في مستوى المعرفة بالوحي والعقل والتاريخ.

ومن خلال طبيعة العلاج ومنهجه يتم تقديم البديل ليكون الحوار الجدي في سياق نفس الحضارة.

ومن دون صياغة هذين الوعيين صياغة فلسفية تقبل النقاش بالفحص الداعم أو بالفحص الداحض بالحجج العلمية في الحالتين -فلا يمكن للمسلمين أن يسهموا في التاريخ الكوني بفكرهم النظري والعملي إسهاما يكون بالمواصفات الإيجابية التي تطلبها رسالتهم خاصة وقد مكنهم التاريخ الماضي من تحقيق شرطي هذا الإسهام: الحجم الجغرافي التاريخي والوزن الاقتصادي (أهمية موقع العالم الإسلامي في المعمورة ووزنه الاقتصادي) والمنزلة التاريخية والمغزى الحضاري (منزلة الحضارة الإسلامية في التاريخ ودلالتها الروحية).

والله ولي التوفيق..