المؤسسات الصحية:
============
«افتتحت «الهيئة الصحية» في مطلع 1987م، وبتمويل من «مؤسسة الشهيد» صيدلية في حي السُّلَّم أسمتها: «صيدلية الشهيد الشيخ راغب حرب»،وتضطلع بمد يد العون إلى المستضعفين كافة، وتبيع الدواء بأسعار معتدلة ومدروسة، ولا شك أن الإقدام على مثل هذه الخطوة يخرج الجناح الشيعي الخميني من جمهوره السياسي والحزبي إلى دائرة أصحاب الحاجات اليومية والعامة، وهم عامة الناس في الأحياء والشوارع التي يقطنها الشيعة ويجتمعون فيها اجتماعاً كثيفاً»(7).
«ومن المهمات التي تقوم بها الهيئة الصحية: الرعاية الصحية الأولية، مثل الإرشاد والوقاية وإقامة دورات في المناطق النائية، وتنظيم محاضرات، كما أن لها وجوداً في عدد كبير من القرى وذلك بواسطة «رابط صحي» غالباً ما يكون واحدة من المتطوعات. وتستفيد الهيئة من هذا الانتشار من أجل أن تشترك مع أجهزة الدولة في برامج محددة، كما تقوم بإجراء حملات التقليح ضد الشلل التي أفادت في عام 1998م حوالي 50 ألف شخص، كما قامت بالمسح الصحي للمدارس الرسمية من أجل وضع اختبارات دقيقة لكل طالب واستباق بروز أمراض معدية، وقد حصل أن وفرت هذه المعلومات القدرة على تدخل مسبق، وكذلك تجريد حملات لتحديد فئة الدم، وقد كان من الطبيعي أن تبدأ في القرى الشيعية الـ 65 المحاذية للشريط الحدودي المحتل وأثمرت عن وضع لوائح بكل المقيمين وفئات دمهم وهي لوائح بالغة الإفادة عند تعرض المدنيين إلى قصف إسرائيلي يوقع جرحى، إلى ذلك شاركت الهيئة في حملات مكافحة التدخين وحماية الأسنان عبر توزيع كل ما يلزم على جميع المدارس في الضاحية الجنوبية لبيروت. وتملك الهيئة حسب المسؤول عنها: 21 مستوصفاً و 9 مراكز صحية كبيرة و 13 عيادة تجول في 45 قرية في البقاع و 25 قرية في الجنوب، وقد خرجت 360 متطوعة في عام 1998م و 119 مسعفاً انضموا إلى جهاز واسع لـ «الدفاع المدني» يبلغ عدد أعضائه الآلاف كما يوجد مستشفى الجنوب في النبطية تابع للهيئة وكذلك مستشفى دارة الحكمة في البقاع وهما ـ مع غيرهما من المراكز ـ استقبلا ما يزيد عن مئتي ألف مريض خلال العام 1998م.
وتقدم الهيئة تسهيلات صحية للمواطنين. وقد استفاد 222 ألف لبناني من ذلك بمبالغ فاقت المليون دولار، وتوزعت بين مستفيد من دواء مجاني وبين دخول المستشفى لعملية جراحية.
كما أن هناك «مستشفى الرسول الأعظم» وهذا المستشفى يقع على تخوم الضاحية الجنوبية لبيروت المكتظة بالسكان التي تعاني من إهمال مزمن، يضم المستشفى ما بين 30 1 إلى 200 سرير وذلك حسب الأشغال الجارية فيه، ويتعرض المستشفى إلى إعادة نظر شاملة لتحديثه وضم أجنحة جديدة واستخدام أقسام وإعادة تأهيل بعض ما كان موجوداً، فلقد نما بسرعة من مستشفى ميداني صغير قبل عشر سنوات يهتم بجرحى الحروب الأهلية إلى مؤسسة تخدم سنوياً حوالي 200 ألف شخص ما بين المعاينة السريعة والعملية الجراحية، يعمل فيه مئة طبيب متنوعو الاختصاصات، وتؤكد الإحصاءات أن مستشفى الرسول الأعظم يمثل أكبر نسبه إشغال في مستشفيات بيروت، ويضم المستشفى معهداً للتمريض هو على الأرجح الأكبر في لبنان؛ إذ إنه يدفع سنوياً ما بين 200 و 250 ممرضة إلى سوق العمل؛ ومن الطبيعي أن تعمل متخرجات في المستشفى نفسه خصوصاً أنه قيد التوسيع من أجل الرد على احتياجات متزايدة تفوق ثلاثة آلاف حالة طوارئ شهرياً وستة آلاف استشارة في عيادة الأطباء العاملين، ويوجد لجنة طبية خاصة بعوائل القتلى ومن مهماتها ـ فضلاً عن المتابعة الصحية ـ تقديم خدمات أخرى تأخذ في الاعتبار فقدان المعيل»(8).
مؤسسة الجرحى:
«وللجرحى هيئة خاصة بهم، بدأ عملها في 1990م في عز الحروب الأهلية، وكانت تابعة لـ «مؤسسة الشهيد» ولكن الزيادة المضطردة في عدد الجرحى دفعت نحو الانفصال لتشكيل جسم خاص. ففي تلك المرحلة كان القصف المتبادل بين اللبنانيين يسقط العديدين، ولما استتب الأمن كان لا بد من تركيز الأنظار على جرحى القصف الإسرائيلي سواء كانوا مقاومين أم مدنين، وتقدم المؤسسة العناية الكاملة لجرحى المقاومة، والاعتناء بالجرحى المدنيين «شبه كامل». بالنسبة لجرحى المقاومة تكون التقديمات شاملة من لحظة دخول المستشفى حتى لحظة الخروج. وبالنسبة للآخرين فإن وزارة الصحة هي التي تتكفل النفقات في البداية، ولكن الاهتمام يتراجع تلقائياً فتكمل المؤسسة ـ الاهتمام بالجوانب الأخرى التي يحتاجها كل جريح. التقدير الإجمالي لعمل المؤسسة، كما يؤكد مسؤولها الإعلامـي (عماد خشمان) ـ هو اهتمامها، حتى آخـر إحصاءات بـ 3048 حالة لا تزيد نسبة المقاومين فيهم عن 8% فقط أصيب بعض هؤلاء بإعاقات جزئية «بتر قدم أو يد، أو فقدان عين..» كما أصيب 72 شخصاً آخرين بإعاقات كلية. إن المسؤولية شاملة عن المعاقين كلياً: مخصص شهري، سكن، صحة، تربية، تكاليف العائلة: إلخ، ويضيف: أن نجاحنا الأبرز ربما كان تزويج 68 شاباً من أصل 72 من الذين أصيبوا بإعاقة كلية، وكانت تدفع نفقات صناعة الأطراف وتركيبها إلى أن أخذت وزارة الصحة الأمر على عاتقها، غير أن ذلك دفع إلى إقامة مصنع للأطراف وذلك بعد النجاح في تشغيل مركز العلاج الفيزيائي، والمطلوب من مصنع الأطراف سد الحاجات ورد التكاليف وربما أمكن لاحقاً الاستفادة منه تجارياً. وثمة دورة تدريبية حالياً من أجل تخريج من يمكنه المعاونة في هذا العمل الدقيق. ولمؤسسة الجرحى التي يعمل بها أربعون شخصاً ـ معظمهم من الجرحى السابقين ـ فروع في النبطية وصور وبعلبك وهي تعمل وفق مبدأ. إن الرعاية من دون إعادة تأهيل غير ناجحة، ولذا فإن التركيز واضح على التعليم، ومن علامات النجاح وجود من تخرج جامعياً ومن انخرط في أعمال مهنية تؤمن مصدر رزق.
كما تعمل المؤسسة على رفض إيواء الجرحى، والسعي إلى رعايتهم ضمن العائلة والمجتمع»(9).
أما جرحى النفوس الذين أمضوا جزءاً من حياتهم في السجون الإسرائيلية فكانوا يتطلبون نوعاً آخر من الرعاية لرفع معنوياتهم وإعادة تأهيلهم، فكانت تقيم السفارة الإيرانية في بيروت رحلات خاصة لأولئك، من لبنان إلى «العتبات المقدسة» في إيران، وكانت تسمى هذه الرحلة بـ «رحلة التجلي» حيث: «ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر»(10)!! وذلك حسب الوصف الشيعي لتلك العتبات.
مؤسسة جهاد البناء:
«جمعية مؤسسة جهاد البناء الإنمائية تأسست في لبنان سنة 1988م، شعارها: «إسرائيل تقصف يومياً ونحن نرمم يومياً» اقتصر عملها بعد التأسيس وفي ظروف الغياب الخدماتي للدولة، على رفع النفايات وتأمين المياه والكهرباء وما شابه من قضايا تهم اللبنانيين في حياتهم اليومية وتفاصيلها، ولكن بقدر ما كانت المقاومة تتحول إلى العنوان الرئيس لمناهضة الاحتلال عسكرياً، وبقدر ما كانت الردود ترتبط باسمها، وجدت «جهاد البناء» نفسها مدعوة إلى «ردم الهوة التي تريد إسرائيل إيجادها بين المقاومة والناس» و «ردم الهوة» بات يعني تحديداً القيام بأعمال الترميم بعد الاعتداءات. وبهذا المعنى فإن عدوانـي «يوليو» 1993م و «إبريل» 1996م كانا محطتين بارزتين على طريق تحويل المؤسسة إلى جهاز فاعل يطوق الآثار السلبية لعمليات القصف، ويُقَدر عدد المنازل والوحدات السكنية المتضررة في كل من العدوانيين بخمسة آلاف، وأمكن في المرتين إتمام الترميم خلال 3 إلى 4 أشهر، ثم إعادة البناء تماماً لكل ما تهدم، كما أن المؤسسة عاملة على بناء مدارس ومستشفيات ومستوصفات وملاجئ وعلى القيام بتمديدات كهربائية بعد القصف وعلى حفر آبار ارتوازية، ويزداد يوماً بعد يوم.
وللمؤسسة دورها في التنمية الزراعية فهي تقوم بإرشاد زراعي وبتسليفات وتضع صيدلياتها وتعاونياتها في الجنوب والبقاع في خدمة المزارعين، كما أن للمؤسسة مركزين في الهرمل وبعلبك يتعاطيان مع الفلاحين ويقدمان إليهم خدمات ذات صلة بالطب البيطري وتربية النحل وفحص الأتربة والتعريف بالأمراض الزراعية وسبل الوقاية منها. وهي تعتمد خطة تسليف عينية لا نقدية بسقف حده 2000 دولار يجري تقديمها على شكل مواد أولية لحوالي 3 إلى 5 آلاف مزارع، ويضاف إلى ذلك توفير طاقم فني يقدر الاحتياجات لكل من يقدم كفالات وضمانات، ويحصل مقابل ذلك على أسمدة وأدوية ومتابعة من جانب مهندسين مختصين، وكذلك أقدمت في مراكز الإرشاد على إقامة نماذج مصغرة من مزارع تعاونية ويتولى فريق مختص مهمة شرح فوائدها للفلاحين سواء من ناحية خفض كلفة الإنتاج أو حل مشكلة التصريف، ويهتم الإرشاد أيضاً بالجانب البيئي لجهة الترشيد في استخدام الأدوية والأسمدة ثم السعي مع البلديات إلى توسيع المساحات الخضراء وإقامة حدائق.
وتمويل «جهاد البناء» من «الحقوق الشرعية» ومن التبرعات، ومن إيرادات شركات تملكها في مجالات الإعمار والزراعة والتجارة والوقود. وهي تتشكل من جهاز يضم 93 موظفاً بينهم 40 مهندساً من الاختصاصات كلها فضلاً عن 25 مجازاً في الإدارة والمحاسبة ويحصل أحياناً ـ كما في عدوان نيسان ـ أن يرتفع عدد المهندسين إلى 130، وعدد العمال حوالي ثلاثة آلاف، وفتحت الانتخابات البلدية الأخيرة مجالات جديدة للتعاون بين المؤسسة والسلطات المحلية خاصة، وأن هذه الأخيرة قليلة الخبرة قياساً بتلك التي تملكها جهة موجودة في ميادين العمل منذ 15 سنة»(11).
__________________
khatm
|