التتمة:ـ
###############
كيف غيرَ خُصومكم مَسار التاريخ؟
أمام تجنبكم طرح هذا السؤال، تطرحون مسألة أخرى تناقض هذا التجاهل من قبلكم، تُجمعون عليها ما بين عالم ومفكر وسياسي وصحفي، وهي أن العالم بعد 11 سبتمبر يختلف عن العالم قبل 11 سبتمبر، وأن حادث سبتمبر منعطف تاريخي كبير جدا. الحادث إذا -بحسب تقديركم- ليس مجرد طائرات مخطوفة صدمت في عمارة، بل هو حادث عظيم بالمقاييس التاريخية. ومع أن معظم الموقعين على بيانكم يتبنون فكرة المواجهة مع الإسلام وصدام الحضارات ألا أننا لم نلحظ منكم قدرة على الربط بين ضخامة آثار الحادث التاريخية مقابل محدودية شكله وقلة عدد منفذيه. وبذلك فأنتم تعجزون مرة أخرى عن طرح السؤال الآخر، كيف غيرت مجموعة صغيرة محاصرة معزولة مسار التاريخ من خلال هذا الحادث؟ ومرة أخرى لم نر في إصدارات مراكز الدراسات الأمريكية ولا في بيانكم ما يشير لتفسير هذه المسألة، بل دائما نرى القفز إلى ضخامة آثار الحادث لتبرير ضخامة الانتقام. ولو كنتم لا تؤمنون بالصدام ولا بالمواجهة لربما عذرناكم في العجز عن طرح مثل هذا السؤال، لكن الذي مثلكم يؤمن بالاستقطاب العالمي بين الغرب بقيادة الولايات المتحدة والإسلام يفضح عجزه الحضاري والفكري حين تنكشف هذه الفجوة الهائلة في فهمه للقضية.
نتبرع لكم بالإجابة.
الإجابة التي تزيل تناقضكم وتفسر كيف أن المشكلة ليست فشلا استخباراتيا وتفسر كيف غيرت هذه المجموعة الصغيرة المحاصرة مسار التاريخ تكمن في تصور الواقع على حقيقته دون تجميل ولا تلطيف. العالم قبل 11 سبتمبر هو نفس العالم بعدها لكن الفرق هو أن المواجهة الحضارية بين الإسلام والغرب وخاصة أمريكا كانت مستورة بستار مصطنع أزاله حادث سبتمبر. ربما كانت المجموعة التي نفذت حادث سبتمبر صغيرة وبإمكانات محدودة لكنها تمكنت من تنفيذ الحادث وتضخيم تأثيره من خلال حيلة صنعت التاريخ وهي استثمار الفرص والمزايا التي توفرها تلك المواجهة الخفية. وربما كان الحادث في ظاهره لكم عملاً جنائيا بمقاييس "إرهابية" لكنه في توصيفه الحقيقي خلخلة لِلتوازن الهش في هذه المواجهة من خلال استهداف بؤرة هذا التوازن. هذه الحقيقة يستحيل أن تعترفوا بها، ليس لأنكم عجزتم عن إدراكها فقط، بل لأنكم إن اعترفتم بها فإنكم تقرّون بأن الذين نفذوا العملية تقوّوا بالواقع نفسه فعوضوا عن ضعفهم ومحدودية قدراتهم والحصار المفروض عليهم. ولو سمحتم لأنفسكم بالتواضع قليلا لاكتشفتم أنكم أنتم ميدان عمليات هذه المجموعة، وليس المقصود هنا الميدان المكاني، بل المقصود هو الميدان الحضاري والثقافي. طريقتكم في التعامل مع الأحداث ونظرتكم للعالم عموما وللإسلام خصوصا ميدان خصب لهذه المجموعة أن تستثمر به بنجاح قلب المعادلة ضدكم. وأسلوبكم في رد الفعل على أحداث سبتمبر يرسخ هذه الحقيقة ويدل بكل وضوح على أنكم تستمرون في توفير الميدان والذخيرة الهائلة لهذه المجموعة لتصعيد المواجهة ضدكم وتحويل قدراتكم وبالا عليكم.
لنْ تفهموا.
لكن مع تبرعنا بالإجابة لكم لا نظنكم ستفهموا هذا الكلام بل لن تقبلوا به، ليس لِعجز عقلي فأنتم لا ينقصكم الذكاء، ولا لنقص في المعلومات فحتما لديكم من المعلومات أكثر مما لدينا. الذي يمنعكم من ذلك هو الكبرياء والعجرفة والغطرسة المتأصلة في عقلكم الجمعي والتي مبعثها السذاجة التي يصنعها الشعور بالهيمنة العسكرية والاقتصادية والسياسية في العالم. إن أي تكييف للمسألة بالجواب الذي طرحناه يعني إجباركم على الإقرار بالهزيمة الحضارية، ومثلكم لديه رادع تلقائي طبيعي عن إقرار مثل هذا، ومن ثم رادع عن الإقرار بأي حقيقة تؤدي إليه مثل هذه الحقيقة. لكنكم على المستوى الفردي، وفي لحظات التجرد التي تمر بكم، تلوح لكم هذه المعاني، وفجأة تجد لها قبولا في موقع المنطق من عقلكم، لكن الجو العام والعقل الجمعي يطردها تلقائيا. ومع مرور الوقت وظهور المزيد من الخواطر الصادقة التي تعود بكم إلى التحليل الصحيح تضطرون لعيش اضطراب فكري ويتحول دوركم إلى دور الذي يؤصل للغش والنفاق. هذه الحالة التي انتهيتم إليها تفسر لماذا يزعم ستون من المفكرين الأمريكان الذين هم أعرف الناس بتاريخ أمريكا الأسود في قتل المدنيين وأكل خيرات الشعوب والظلم والقمع وسحق حقوق الإنسان، لما يزعمون أن مبادئ أمريكا نموذج يحتذى.
مستقبل المواجهة.
واضح جدا أن عجزكم عن الفهم لم يكن نظريا فحسب بل كان عمليا من خلال تأييد حملة بلادكم الشاملة للانتقام. بقدر ما تظنون أن الرد من قبل بلادكم بمستويات عالمية على الحادث وبضجة سياسية وإعلامية وأمنية وعسكرية هائلة قد وفر الأمن لكم، فهو في الحقيقة رفع حالة المواجهة الحضارية لمستوى حرج جدا، ووضع الأرضية كاملة لأي مجموعة من جنس من نفذوا حادث ستبمبر أن ينفذوا عملا ذا أثر تأريخي أضعاف أثر حادث سبتمبر. وإذا حصل شيء من هذا فسيكون دليلا على أن الحملة الأمريكية لم تجلب إلا مزيدا من الرعب والدمار لأمريكا وسيصاب الشعب الأمريكي بحالة إحباط هائلة كونه وصل إلى قناعة بأنه لن يوقف خصوم أمريكا شيء أبدا. ونقول "الشعب الأمريكي" قصدا هنا، لان الشعب الأمريكي قد انتخب حكومته وبارك سياستها وحملتها الشاملة، ولذلك فتبعات الآثار النفسية لفشل الحملة ستكون عليه مباشرة لا على الحكومة فقط. لكننا نعتقد أن الغطرسة التي منعتكم من أن تضعوا حادث سبتمبر في سياقه الصحيح ستمنعكم الآن أن تدركوا أن بلادكم تضع الأرضية لتحطيم نفسها.
خياراتكم وتداعياتها.
مع أن الوقت متأخر على الاختيار، ومع أن دولتكم قد شرعت فعلا في الخيار المتوقع منها، ومع أننا نستبعد أن تفهموا ما ذكرناه حول تكييفنا لِلحادث، ألا أننا نعتقد أن من الضروري أن نبين رأينا في الخيارات المطروحة أمامكم ونطرح التداعيات المتوقعة لكل منها. منطقيا لا نعتقد أن الخيارات تخرج عن ثلاث:
الخيار الأول.
هو ما شرعت به دولتكم فعلاً وهو الحملة العسكرية السياسية الأمنية القانونية الثقافية الشاملة، مدفوعة بنفسية الانتقام وعقلية التحدي. ونعتقد أن أمريكا ستستمر في هذا الخيار خاصة بعد ما بدا وكأنها قد انتصرت في أفغانستان وقضت على الطالبان والقاعدة وشفت غليل الشعب الأمريكي حين وضعتهم في الأقفاص في جوانتانامو. وفي حين بدأت أمريكا بهذا الخيار عن تردد فهي تعيش الآن حالة عنفوان وغرور دفعها لأن تقف مع الدموية الإسرائيلية موقفا لا يكاد يصدق. أنتم في الحقيقة في هذا الخيار دفعتم أنفسكم لحالة تصاعد المواجهة التي ذكرناها أعلاه. والغريب أنكم نسيتم كيف أن حصاد جهد أمريكا الشامل في ثلاث سنين بعد حادث كينيا وتنزانيا كان تضخم الخصم إلى أن ضرب صروحكم الاقتصادية والدفاعية. ردكم على حادث سبتمبر لم يتغير عن ردكم بعد كينيا وتنزانيا من حيث المضمون بل كل ما حصل أنه تضاعف بشكل هائل من حيث الدرجة. وما دام لم تغيروا في أسلوب التعامل مع التحدي بشكل جوهري نوعي فإن المنطق يقول أن حصادكم للفترة القادمة سيكون ببساطة أضعاف حادث سبتمبر، وتقاس هذه الأضعاف بقدر علاقة حادث سبتمبر بحوادث كينيا وتنزانيا. أنتم باختصار لا تفهموا أنكم في هذه الحرب ذات الطبيعة الخاصة أنكم كلما ضخمتم حجم المواجهة كلما أضعفتم أنفسكم وقويتم خصمكم، ولا نبالغ إن قلنا أنكم ستقضون على أنفسكم في ذلك.
الخيار الثاني.
هو أن تجعلوا أمنكم فوق كل اعتبار ثقافي وحياتي وتأريخي، وتتخذوا إجراءات صارمة تحميكم فعلا من اختراق خارجي من خصومكم. وما دام مجتمعكم وحياتكم فيها ثغرات بنيوية مرتبطة ارتباطا أساسيا بطبعية هذا المجتمع وثقافته فلا إمكانية للعيش بأمان بهذا المعنى إلا بالتخلي عن كل هذه القيم المدنية والقبول بأن تتنازلوا عنها جميعا في سبيل أمنكم. وهذا يستدعي أولا إلغاء كل الحقوق المدنية وتحويل المجتمع إلى ثكنة عسكرية كبيرة، وثانيا الإبقاء على جنس واحد ودين واحد وثقافة واحدة والتخلص من كل جنس ودين وثقافة يمكن أن تكون سببا في اختراق المجتمع. صحيح أن بعض الإجراءات طالت عددا من الحقوق المدنية لكن الحقيقة أن التعامل مع تحديات مثل حادث سبتمبر بهذه الطريقة ببساطة مستحيلة إلا بتفكك أمريكا ولجوء بعض أجزاء منها لمثل ذلك. وربما تستغربون أننا نتنبأ فعلا بحصول شيء من ذلك بعد أن يثبت فشل الخيار الأول وبعد أن يصاب المجتمع الأمريكي بإحباط هائل يتسبب في نزاعات داخلية تلجأ فيها بعض الولايات للخيار الأمني المطلق.
الخيار الثالث.
هو الخيار الذي كنا نراه خيارا واقعياً وعاقلاً وكان سيكفل حتما منع حدوث حوادث من جنس حادث سبتمبر، لكننا نعلم يقينا أن العقلية والنفسية الأمريكية أبعد ما تكون عنه. هذا الخيار هو أن يتجرد العقلاء والمفكرون من نفسية الغطرسة والكبرياء التي صنعتها الهيمنة الأمريكية العالمية ويعيدوا دراسة المسألة من الصفر ويتأملوا جيدا لماذا يعاديهم المسلون ويفهموا طبيعة المواجهة مع الإسلام. ولو اخترتم هذا الخيار لقررتم حتما أن تراجعوا سياستكم مع العالم الإسلامي والقضايا التي لها علاقة بالإسلام بالكامل. وسوف تكتشفوا من خلال هذا التفكير أنكم يجب أن توقفوا فورا أي دعم لإسرائيل، وتسحبوا قواتكم من أراضي المسلمين وخاصة جزيرة العرب، وترفعوا الحصار عن العراق، وتتوقفوا عن التآمر مع الأنظمة المتسلطة على البلاد الإسلامية في نهب خيراتها وقمع شعوبها. ولا نظن ذلك سيكون كافيا بل لا بد للحكومة الأمريكية أن تزيل حالة الغضب على جرائمها السابقة عند المسلمين بإبداء الأسف والاعتذار والاستعداد لدفع تعويضات مادية ومعنوية للمسلمين عن جرائمها السابقة. ولو أراد الأمريكان أن يفعلوا ذلك فعندهم وسائل كثيرة لتحقيقه.
أخيراً.
نظن أن الفهم الأمريكي لنْ يتغير والسياسة الأمريكية لنْ تتغير إلى أن يتفاجأ الجميع بحادث آخر يقلب الموازين وعندها يتعلم الأمريكان الحقائق بالطريقة الصعبة. وإذا كان هناك بعض العقلاء ممن لديهم التجرد والقدرة على التخلص من مرض الغطرسة الأمريكية فعليهم من الآن أن يحذروا قومهم ويقنعوهم بالخيار الثالث.
===============
انتهى النص.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نقلهُ راجي عفو ربهِ.
أخوكم المُحب في الله تعالى / أبو محمد ؛ عساس بن عبد الله العساس.
