عرض مشاركة مفردة
  #18  
قديم 25-05-2002, 08:39 PM
مراقب الاسلامية مراقب الاسلامية غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2002
المشاركات: 60
إفتراضي

الأخت/ سلوى،

أما عن الطرق الصوفية:

لقد أُلِّفتْ في هذا الموضوع كتبٌ كثيرة من أقدمها طبقات الصوفية لأبي عبد الرحمن السُّلَمي المتوفَّى بنيسابور سنة 412 هـ . "
والرسالة القُشيْرية في علم التصوف " لأبي القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري المتوفَّى بنيسابور سنة 465 هـ .

ولقب المتصوف والصوفي يقول عنه القشيري : ليس له من حيث العربية قياس ولا اشتقاق، والأظهر فيه أنه كاللقب، ثم بيَّن خطأ من قالوا : إنه من الصُّوف، أو من صُفَّة مسجد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ، أو الصفاء، أو الصف . ثم قال : تكلَّم الناس في التصوف ما معناه ؟ وفي الصوفي من هو ؟ فكلٌّ عبَّر بما وقع له، وذكر في مقدمة رسالته التي كتبها سنة 437هـ أن المحققين من هذه الطائفة انقرض أكثرهم ولم يبقَ في زمانه إلا أثرُهم، ومضى الشيوخ الذين كان بهم الاهتداء، وقلَّ الشباب الذين كان لهم بسيرتهم وسُنتهم الاقتداء، وذكر ألوانًا من الانحراف عن الطريقة الصحيحة في العقيدة والسلوك، فقام بتأليف رسالته ليدفع إنكار المنكرين عن أصل الطريقة، وليبيِّن المنهج الصحيح للعبادة والتصوف.

ثم تحدَّث عن أصل هذه الجماعة فقال : إن المسلمين بعد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يَتسمَّ أفاضلهم في عصرهم بتسمية علم سوى صحبة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، إذ لا فضيلة فوقها فقيل لهم الصحابة، ولما أدركهم أهل العصر الثاني سُمي من صحب الصحابة بالتابعين، ورأوْا ذلك أشرف سِمة، ثم قيل لمن بعدهم أتباع التابعين، ثم اختلف الناس وتباينت المراتب، فقيل لخواصِّ الناس ممن لهم شِدة عناية بأمر الدين " الزُّهَّاد والعُّبَّاد " ثم ظهرت البدع وحصُل التداعي بين الفِرق، فكلُّ طريق ادعَوا أن فيهم زُهَّادًا، فانفرد خواصُّ أهل السنة المراعون أنفاسهم مع الله ـ تعالى ـ الحافظون قلوبهم عن طوارق الغفلة باسم التصوف.
واشتهر هذا الاسم لهؤلاء الأكابر قبل المائتين من الهجرة. ثم ذكر بعض أعلامهم. وقد فصَّل ذلك السُّلَمي في كتابه " طبقات الصوفية ". وذكر شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في شرحه لرسالة القشيري أن التصوف عِلْم تُعْرَفُ به أحوال تَزْكية النفوس وتصفية الأخلاق وتعمير الظاهر والباطن لنيْل السعادة الأبدية، وهذا تعريف له كعلم.

والطرق الصوفية هي مدارس لها مناهج خاصة في السلوك انضم إلى بعضها أيضًا مناهج في الفكر والاعتقاد، ومنها طرق دَرَست لقلة تلاميذها، وطرق بقِيت واستمرت وقوِيت لكثرة أتباعها واهتمامهم بتوارث مناهج شيوخهم، كالمذاهب الفقهية، منها ما دَرَس ومنها ما بقِي وانتشر.

وقد كثر الكلام حولها تَأْييدًا وتشجيعًا، أو نقدًا وتجريحًا، وكثير من هذه الأحكام تدفع إليه عاطفة حبِّ أو شعور كراهية، والحَكَمُ في ذلك قول الله تعالى ( ألا إنِّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِم وَلا هُمْ يَحْزَنُون * الَّذِين آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُون * لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفي الآخرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هوَ الْفَوْزُ الْعَظِيم ) ( يونس : 62 ـ 64 )،
وقوله ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوه ولا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِه ) ( الأنعام : 153 )،
وقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما رواه البخاري ومسلم " من أحدث في أمرِنا هذا ما ليس منه فهو رَدٌّ "، وقوله " وإنه من يَعِشْ منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسُنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عَضُّوا عليها بالنَّوَاجِذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة " . رواه أبو داود وابن ماجة والترمذي وقال : حديث حسن صحيح .

فإن كانت ملتزمة للدين عقيدة وشريعة فهي محمودة ويجب تشجيعها، وإن انحرفت فهي مذمومة ويجب تقويمها، وذلك بالحكمة والموعظة الحسنة، لتحويلها إلى طاقات خيِّرة تفيد نفسها وأمتها؛ وذلك لأنها تمتاز بقوَّة الرِّباط الروحي بين الطلاب والأساتذة، وبين الطلاب بعضهم مع بعض، وهو أمر نفتقده في المؤسسات التعليمية والتربوية الحديثة، وكان لهذا الرباط الروحي أثره الكبير في تحقيق إنجازات ضخمة، كنشر الدعوة الإسلامية ومقاومة الاستعمار، بصرف النظر عما أُخِذ على بعضها من سلبيات يمكن أن تُعالج.
هذا، والأولياء المذكورون في الآية السابقة جمع وليّ، والولِيّ قال عنه القشيري في رسالته يَحتمل معنيين، أحدهما أن يكون فعيلاً مبالغة من الفاعل، كالعليم والقدير وغيره، ويكون معناه مَن توالت طاعته من غير تخلُّل معصية، ويجوز أن يكون فعيلاً بمعنى مفعول، كقتيل بمعنى مقتول، وجريح بمعنى مجروح، وهو الذي يتولَّى الحق ـ سبحانه ـ حفظه وحراسته على الإدامة والتوالي، فلا يَخلق له الخذلان الذي هو قدرة العصيان، وإنما يُديم توفيقه الذي هو قدرة الطاعة، قال الله تعالى ( وهو يتوَلَّى الصالحين ) ( الأعراف : 196 ) ومحبة الله للولي وتوفيقه له يدلُّ عليه قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( إن الله تعالى قال : من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلي مما افترضتُ عليه، وما يزال عبدي يتقرَّب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني أعطيته ولئن استعاذ بي لأعِيذَنَّه ) رواه البخاري.
وقد سبق أن قال الله في الأولياء ( لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا همْ يَحْزَنُون ) ( لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنيا وفي الآخرةِ ). ثم ذكر أن الوَلِيَّ هل يكون معصومًا من الذنوب كالأنبياء، أو محفوظًا لا يُصر على الذنب إن حصل منه، واختار أن الوليَّ قد تتغير عاقبته. ثم تحدث عن الكرامات التي فيها خرقُ العادات دون ادِّعاء النبوة والتحدي بها، وذكر كثيرًا منها، كمريم التي قال الله فيها ( كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَال يَا مَرْيَمُ أنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَاب ) ( آل عمران : 37 )
وأصحاب الكهف، ومن تكملوا في المهد، والذين دخلوا الغار فانطبقت الصخرة عليهم وحبستهم، وغير ذلك كثير.

فالكرامات حق؛ لأنها من نوع المعجزات، ولا يجوز إنكارها، أما نِسْبة كرامةٍ لواحد من الصالحين فتحتاج إلى تثبُّت، ولا ينبغي أن نجزم بما لا يدلُّ عليه دليل قوي.
والأولياء الصادقون في غِنىً عن كثير مما يلصقه بهم الأحباب، وبعضهم ينكر على تلاميذه الإغراق في حبه إلى الدرجة التي يرفعونه بها فوق رُتبته، كالاعتقاد بأنه يملك الضُّر والنفع، ويعلم الغيب، والتوسُّل إلى ذلك بالنذور وما إليها.
والأمر يحتاج إلى قيادة رشيدة لتطهير بعض الطرق من الدَّخيل عليها، والإفادة منها في مجالات الخير .

والله تعالى أعلم.