عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 26-05-2002, 05:25 AM
شيعي امامي شيعي امامي غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2002
المشاركات: 118
إرسال رسالة عبر ICQ إلى شيعي امامي
إفتراضي النظر في أدلّة القائلين بالغسل وهم اخواننا السنة والجماعة

ننتقل الآن إلى دليل القائلين بالغسل من أهل السنّة .
أمّا من الكتاب، فليس عندهم دليل .
قالوا : نستدلّ بالسنّة، فما هو دليلهم ؟
إنّ المتتبع لكتب القوم لا يجد دليلاً على القول بالغسل إلاّ دليلين :
الأوّل : ما اشتمل من ألفاظ الحديث عندهم على جملة : « ويل للأعقاب من النار »، وسأقرأ نصّ الحديث، فهم يستدلّون بهذا الحديث على وجوب الغسل دون المسح .
الثاني : ما يروونه في بيان كيفيّة وضوء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وسأقرأ لكم بعض تلك الأحاديث .
إذن، لا يدلّ على وجوب الغسل إلاّ ما ذكرت من الأحاديث
: أوّلاً : ما اشتمل على « ويل للأعقاب من النار » .
وثانياً : ما يحكي لنا كيفيّة وضوء رسول الله .


-----------------------------------------------------------------------------
( 38 )

لاحظوا كتبهم التي يستدلّون فيها بهذين القسمين من الأحاديث على وجوب الغسل، كلّهم يستدلّون، أحكام القرآن لابن العربي، فتح الباري، تفسير القرطبي، المبسوط، معالم التنزيل للبغوي، الكواكب الدراري في شرح البخاري، وغير هذه الكتب، تجدونهم يستدلّون بهذين القسمين من الحديث فقط على وجوب الغسل دون المسح، وعلينا حينئذ أنْ نحقق في هذين الخبرين .
الاستدلال بحديث « ويل للأعقاب من النار » :
والعمدة هي رواية : « ويل للأعقاب من النار »، وهي رواية عبدالله بن عمرو بن العاص، هذه الرواية موجودة في البخاري، وموجودة عند مسلم، فهي في الصحيحين، أقرأ لكم الحديث بالسند، ولاحظوا الفوارق في السند والمتن :
قال البخاري : حدّثنا موسى، حدّثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن يوسف ابن ماهك، عن عبدالله بن عمرو قال : تخلّف النبي (صلى الله عليه وسلم)عنّا في سفرة سافرناها، فأدركنا وقد أرهقتنا العصر ـ أي صلاة العصر ـ فجعلنا نتوضّأ ونمسح على أرجلنا، فنادى بأعلى صوته : « ويل للأعقاب من النار، ويل للأعقاب من النار، ويل للأعقاب من النار » . مرّتين أو ثلاثاً كرّر هذه العبارة .


--------------------------------------------------------------------------------

( 39 )

هذا الحديث في البخاري بشرح ابن حجر العسقلاني(1).
وأمّا مسلم فلاحظوا : حدّثني زهير بن حرب، حدّثنا جرير وحدّثنا إسحاق أخبرنا جرير، عن منصور، عن هلال بن يساف، عن أبي يحيى، عن عبدالله بن عمرو قال : رجعنا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم)من مكّة إلى المدينة ـ هذه السفرة كانت من مكّة إلى المدينة ـ حتّى إذا كنّا بماء بالطريق تعجّل قوم عند العصر، فتوضّؤوا وهم عجال، فانتهينا إليهم وأعقابهم تلوح لم يمسّها الماء [ وهذه القطعة من الحديث غير موجودة عند البخاري، وهي المهم ومحل الشاهد هذه القطعة ]فانتهينا إليهم وأعقابهم تلوح لم يمسّها الماء، فقال رسول الله : « ويل للأعقاب من النار أسبغوا الوضوء »(2) .
مناقشة الاستدلال بحديث « ويل للأعقاب من النار » :
نقول : عندما نريد أن نحقّق في هذا الموضوع ـ ولنا الحقّ أنْ نحقق ـ فأوّلاً نبحث عن حال هذين السندين وفيهما من تكلّم فيه،
____________
(1) فتح الباري في شرح البخاري 1 / 213 .
(2) شرح النووي على صحيح مسلم 2 / 128، هامش ارشاد الساري .


--------------------------------------------------------------------------------

( 40 )

لكنّا نغضّ النظر عن البحث السندي، لأنّ أكثر القوم على صحّة الكتابين .
إذن، ننتقل إلى البحث عن فقه هذا الحديث :
لاحظوا في صحيح البخاري : فجعلنا نتوضّأ ونمسح على أرجلنا فنادى بأعلى صوته « ويل للأعقاب من النار، ويل للأعقاب من النار » لكنْ لابدّ وأنْ يكون الكلام متعلّقاً بأمر متقدّم، رسول الله يقول : « ويل للأعقاب من النار » وليس قبل هذه الجملة ذكر للأعقاب، هذا غير صحيح .
أمّا في لفظ مسلم : فانتهينا إليهم وأعقابهم تلوح لم يمسّها الماء فقال : « ويل للأعقاب من النار » وهذا هو اللفظ الصحيح .
إذن، من هذا الحديث يظهر أنّ أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يغسلوا أرجلهم في الوضوء، وإنّما مسحوا، لكنّهم لمّا مسحوا لم يمسحوا كلّ ظهر القدم وبقيت الأعقاب لم يمسّها الماء، فاعترض عليهم رسول الله، لماذا لم تمسحوا كلّ ظهر القدم، ولم يقل رسول الله لماذا لم تغسلوا، قال : لماذا لم تمسحوا كلّ ظهر القدم .
لابد وأنّكم تشكّون فيما أقول، ولا تصدّقون، ولا توافقوني في دلالة الحديث على المعنى الذي ذكرته، وتريدون أن آتي لكم بشواهد من القوم أنفسهم، فيكون هذا الحديث دالاًّ على المسح


--------------------------------------------------------------------------------

( 41 )

دون الغسل !! مع إنّهم يستدلون بحديث عبدالله بن عمرو بن العاص على وجوب الغسل دون المسح !! لاحظوا :
يقول ابن حجر العسقلاني بعد أن يبحث عن هذا الحديث ويشرحه، ينتهي إلى هذه الجملة ويقول : فتمسّك بهذا الحديث من يقول بإجزاء المسح .
ويقول ابن رشد ـ لاحظوا عبارته ـ : هذا الأثر وإنْ كانت العادة قد جرت بالإحتجاج به في منع المسح ، فهو أدلّ على جوازه منه على منعه، وجواز المسح أيضاً مروي عن بعض الصحابة والتابعين(1) .
رسول الله لم يقل لماذا لم تغسلوا أرجلكم، قال : لماذا لم تمسحوا على أعقابكم، يعني : بقيت أعقابكم غير ممسوحة، وقد كان عليكم أن تمسحوا على ظهور أرجلكم وحتّى الأعقاب أيضاً يجب أنْ تمسحوا عليها، ويل للأعقاب من النار .
يقول صاحب المنار : هذا أصحّ الأحاديث في المسألة، وقد يتجاذب الاستدلال به الطرفان .

____________
(1) بداية المجتهد 1 / 16 .


--------------------------------------------------------------------------------

( 42 )

أي القائلون بالمسح والقائلون بالغسل(1) .
ولاحظوا بقيّة عباراتهم، فهم ينصّون على هذا .
والحاصل : إنّ رسول الله لم يعترض على القوم في نوع ما فعلوا ، أي لم يقل لهم لماذا لم تغسلوا، وإنّما قال لهم : لماذا لم تمسحوا أعقابكم « ويل للأعقاب من النار » وهذا نصّ حديث مسلم، إلاّ أنّ البخاري لم يأت بهذه القطعة، فأُريد الاستدلال بلفظه على الغسل .
ولا أدري هل لم يأت بالقطعة من الحديث عمداً أو سهواً، وهل أنّه هو الساهي أو المتعمّد، أو الرواة هم الساهون أو المتعمّدون ؟
ولمّا كان هذا الحديث الذي يريدون أن يستدلّوا به للغسل، كان دالاً على المسح، اضطرّوا إلى أن يحرّفوه، لاحظوا التحريفات، تعمّدت أن أذكرها بدقّة :
فالحديث بنفس السند الذي في صحيح مسلم الدالّ على المسح لا الغسل، بنفس السند، يرويه أبو داود في سننه ويحذف
____________
(1) تفسير المنار 6 / 228 .


--------------------------------------------------------------------------------

( 43 )

منه ما يدلّ على المسح(1) .
وهكذا صنع الترمذي في صحيحه، والنسائي في صحيحه، وابن ماجة في صحيحه، كلّهم يروون الحديث عن منصور عن هلال بن يسار عن يحيى عن عبدالله بن عمرو، نفس السند الذي في صحيح مسلم، لكنّه محرّف، قارنوا بين الألفاظ، وهذا غريب جدّاً .
أمّا النسفي، فلو تراجعون تفسيره في ذيل الآية المباركة يقول هكذا : قد صحّ أنّ النبي رأى قوماً يمسحون على أرجلهم فقال : « ويل للأعقاب من النار »(2) وكم فرق بين هذا اللفظ ولفظ مسلم .
أمّا في مسند أحمد وتبعه الزمخشري في الكشّاف، فجعلوا كلمة الوضوء بدل المسح .
ففي صحيح مسلم يقول : فانتهينا إليهم وأعقابهم تلوح لم تمسّها الماء .

____________
(1) سنن ابي داود 1 / 15 .
(2) تفسير النسفي ( هامش الخازن ) 2 / 441 .


--------------------------------------------------------------------------------

( 44 )

يقول أحمد في المسند وفي الكشّاف ينقل : وعن ابن عمرو بن العاص كنّا مع رسول الله فتوضّأ قوم وأعقابهم بيض تلوح فقال : « ويل للأعقاب من النار »(1) .
قارنوا بين اللفظين لتروا كيف يحرّفون الكلم عن مواضعها متى ما كانت تضرّهم .
الاستدلال بحديث كيفية وضوء رسول الله ومناقشته :
وأمّا الحديث الثاني، الحديث الذي يروونه في كيفية وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، استدلّوا به على الغسل دون المسح، وهو الحديث الذي يرويه حمران عن عثمان بن عفّان .
فظهر أنّ الحديث الذي يروونه عن حمران عن عثمان بن عفّان يروونه على شكلين : تارة يدلّ على المسح، وتارة يدلّ على الغسل ، والسند نفس السند والراوي حمران نفسه .
لاحظوا في البخاري : حدّثنا عبدالعزيز بن عبدالله الأويسي، حدّثني إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب ـ هذا الزهري ـ أنّ عطاء بن يزيد أخبره : أنّ حمران مولى عثمان أخبره : أنّه رأى عثمان بن
____________
(1) مسند أحمد 2 / 193، الكشاف 1 / 611 .


--------------------------------------------------------------------------------

( 45 )