<P><FONT face="Lucida Handwriting, Cursive" color=#336600 size=5><STRONG></STRONG></FONT> </P>
<P><FONT face="Lucida Handwriting, Cursive" color=#336600 size=5><STRONG>وضَرَبْتُ لَكَ فِيهِمَا الأمْثَالَ لِتَعْتَبِرَ بِهَا وتَحْذُوَ عَلَيْهَا إِنَّمَا مَثَلُ مَنْ خَبَرَ الدُّنْيَا كَمَثَلِ قَوْمٍ سَفْرٍ نَبَا بِهِمْ مَنْزِلٌ جَدِيبٌ فَأَمُّوا مَنْزِلاً خَصِيباً وجَنَاباً مَرِيعاً فَاحْتَمَلُوا وَعْثَاءَ الطَّرِيقِ وفِرَاقَ الصَّدِيقِ وخُشُونَةَ السَّفَرِ وجُشُوبَةَ المَطْعَمِ لِيَأْتُوا سَعَةَ دَارِهِمْ ومَنْزِلَ قَرَارِهِمْ فَلَيْسَ يَجِدُونَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَلَماً ولا يَرَوْنَ نَفَقَةً فِيهِ مَغْرَماً ولا شَيْءَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِمَّا قَرَّبَهُمْ مِنْ مَنْزِلِهِمْ وأَدْنَاهُمْ مِنْ مَحَلَّتِهِمْ ومَثَلُ مَنِ اغْتَرَّ بِهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ كَانُوا بِمَنْزِلٍ خَصِيبٍ فَنَبَا بِهِمْ إِلَى مَنْزِلٍ جَدِيبٍ فَلَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَهَ إِلَيْهِمْ ولا أَفْظَعَ عِنْدَهُمْ مِنْ مُفَارَقَةِ مَا كَانُوا فِيهِ إِلَى مَا يَهْجُمُونَ عَلَيْهِ ويَصِيرُونَ إِلَيْهِ يَا بُنَيَّ اجْعَلْ نَفْسَكَ مِيزَاناً فِيمَا بَيْنَكَ وبَيْنَ غَيْرِكَ فَأَحْبِبْ لِغَيْرِكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ واكْرَهْ لَهُ مَا تَكْرَهُ لَهَا ولا تَظْلِمْ كَمَا لا تُحِبُّ أَنْ تُظْلَمَ وأَحْسِنْ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُحْسَنَ إِلَيْكَ واسْتَقْبِحْ مِنْ نَفْسِكَ مَا تَسْتَقْبِحُهُ مِنْ غَيْرِكَ وارْضَ مِنَ النَّاسِ بِمَا تَرْضَاهُ لَهُمْ مِنْ نَفْسِكَ ولا تَقُلْ مَا لا تَعْلَمُ وإِنْ قَلَّ مَا تَعْلَمُ ولا تَقُلْ مَا لا تُحِبُّ أَنْ يُقَالَ لَكَ واعْلَمْ أَنَّ الإعْجَابَ ضِدُّ الصَّوَابِ وآفَةُ الألْبَابِ فَاسْعَ فِي كَدْحِكَ ولا تَكُنْ خَازِناً لِغَيْرِكَ وإِذَا أَنْتَ هُدِيتَ لِقَصْدِكَ فَكُنْ أَخْشَعَ مَا تَكُونُ لِرَبِّكَ واعْلَمْ أَنَّ أَمَامَكَ طَرِيقاً ذَا مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ ومَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ وأَنَّهُ لا غِنَى بِكَ فِيهِ عَنْ حُسْنِ الارْتِيَادِ وقَدْرِ بَلاغِكَ مِنَ الزَّادِ مَعَ خِفَّةِ الظَّهْرِ فَلا تَحْمِلَنَّ عَلَى ظَهْرِكَ فَوْقَ طَاقَتِكَ فَيَكُونَ ثِقْلُ ذَلِكَ وَبَالاً عَلَيْكَ وإِذَا وَجَدْتَ مِنْ أَهْلِ الْفَاقَةِ مَنْ يَحْمِلُ لَكَ زَادَكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَيُوَافِيكَ بِهِ غَداً حَيْثُ تَحْتَاجُ إِلَيْهِ فَاغْتَنِمْهُ وحَمِّلْهُ إِيَّاهُ وأَكْثِرْ مِنْ تَزْوِيدِهِ وأَنْتَ قَادِرٌ عَلَيْهِ فَلَعَلَّكَ تَطْلُبُهُ فَلا تَجِدُهُ واغْتَنِمْ مَنِ اسْتَقْرَضَكَ فِي حَالِ غِنَاكَ لِيَجْعَلَ قَضَاءَهُ لَكَ فِي يَوْمِ عُسْرَتِكَ واعْلَمْ أَنَّ أَمَامَكَ عَقَبَةً كَئُوداً الْمُخِفُّ فِيهَا أَحْسَنُ حَالاً مِنَ الْمُثْقِلِ والْمُبْطِئُ عَلَيْهَا أَقْبَحُ حَالاً مِنَ الْمُسْرِعِ وأَنَّ مَهْبِطَكَ بِهَا لا مَحَالَةَ إِمَّا عَلَى جَنَّةٍ أَوْ عَلَى نَارٍ فَارْتَدْ لِنَفْسِكَ قَبْلَ نُزُولِكَ ووَطِّئِ الْمَنْزِلَ قَبْلَ حُلُولِكَ فَلَيْسَ بَعْدَ الْمَوْتِ مُسْتَعْتَبٌ ولا إِلَى الدُّنْيَا مُنْصَرَفٌ واعْلَمْ أَنَّ الَّذِي بِيَدِهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ والأرْضِ قَدْ أَذِنَ لَكَ فِي الدُّعَاءِ وتَكَفَّلَ لَكَ بِالإجَابَةِ وأَمَرَكَ أَنْ تَسْأَلَهُ لِيُعْطِيَكَ وتَسْتَرْحِمَهُ لِيَرْحَمَكَ وَ لَمْ يَجْعَلْ بَيْنَكَ وبَيْنَهُ مَنْ يَحْجُبُكَ عَنْهُ ولَمْ يُلْجِئْكَ إِلَى مَنْ يَشْفَعُ لَكَ إِلَيْهِ ولَمْ يَمْنَعْكَ إِنْ أَسَأْتَ مِنَ التَّوْبَةِ ولَمْ يُعَاجِلْكَ بِالنِّقْمَةِ ولَمْ يُعَيِّرْكَ بِالإنَابَةِ ولَمْ يَفْضَحْكَ حَيْثُ الْفَضِيحَةُ بِكَ أَوْلَى ولَمْ يُشَدِّدْ عَلَيْكَ فِي قَبُولِ الإنَابَةِ ولَمْ يُنَاقِشْكَ بِالْجَرِيمَةِ ولَمْ يُؤْيِسْكَ مِنَ الرَّحْمَةِ بَلْ جَعَلَ نُزُوعَكَ عَنِ الذَّنْبِ حَسَنَةً وحَسَبَ سَيِّئَتَكَ وَاحِدَةً وحَسَبَ حَسَنَتَكَ عَشْراً وفَتَحَ لَكَ بَابَ الْمَتَابِ وبَابَ الاسْتِعْتَابِ فَإِذَا نَادَيْتَهُ سَمِعَ نِدَاكَ وإِذَا نَاجَيْتَهُ عَلِمَ نَجْوَاكَ فَأَفْضَيْتَ إِلَيْهِ بِحَاجَتِكَ وأَبْثَثْتَهُ ذَاتَ نَفْسِكَ وشَكَوْتَ إِلَيْهِ هُمُومَكَ واسْتَكْشَفْتَهُ كُرُوبَكَ واسْتَعَنْتَهُ عَلَى أُمُورِكَ وسَأَلْتَهُ مِنْ خَزَائِنِ رَحْمَتِهِ مَا لا يَقْدِرُ عَلَى إِعْطَائِهِ غَيْرُهُ مِنْ زِيَادَةِ الأعْمَارِ وصِحَّةِ الأبْدَانِ وسَعَةِ الأرْزَاقِ ثُمَّ جَعَلَ فِي يَدَيْكَ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِهِ بِمَا أَذِنَ لَكَ فِيهِ مِنْ مَسْأَلَتِهِ فَمَتَى شِئْتَ اسْتَفْتَحْتَ بِالدُّعَاءِ أَبْوَابَ نِعْمَتِهِ واسْتَمْطَرْتَ شَآبِيبَ رَحْمَتِهِ فَلا يُقَنِّطَنَّكَ إِبْطَاءُ إِجَابَتِهِ فَإِنَّ الْعَطِيَّةَ عَلَى قَدْرِ النِّيَّةِ ورُبَّمَا أُخِّرَتْ عَنْكَ الإجَابَةُ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَعْظَمَ لأَجْرِ السَّائِلِ وأَجْزَلَ لِعَطَاءِ الآمِلِ ورُبَّمَا سَأَلْتَ الشَّيْءَ فَلا تُؤْتَاهُ وأُوتِيتَ خَيْراً مِنْهُ عَاجِلاً أَوْ آجِلاً أَوْ صُرِفَ عَنْكَ لِمَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ فَلَرُبَّ أَمْرٍ قَدْ طَلَبْتَهُ فِيهِ هَلاكُ دِينِكَ لَوْ أُوتِيتَهُ فَلْتَكُنْ مَسْأَلَتُكَ فِيمَا يَبْقَى لَكَ جَمَالُهُ ويُنْفَى عَنْكَ وَبَالُهُ فَالْمَالُ لا يَبْقَى لَكَ ولا تَبْقَى لَهُ واعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّكَ إِنَّمَا خُلِقْتَ لِلآخِرَةِ لا لِلدُّنْيَا ولِلْفَنَاءِ لا لِلْبَقَاءِ ولِلْمَوْتِ لا لِلْحَيَاةِ وأَنَّكَ فِي قُلْعَةٍ ودَارِ بُلْغَةٍ وطَرِيقٍ إِلَى الآخِرَةِ وأَنَّكَ طَرِيدُ الْمَوْتِ الَّذِي لا يَنْجُو مِنْهُ هَارِبُهُ ولا يَفُوتُهُ طَالِبُهُ ولا بُدَّ أَنَّهُ مُدْرِكُهُ فَكُنْ مِنْهُ عَلَى حَذَرِ أَنْ يُدْرِكَكَ وأَنْتَ عَلَى حَالٍ سَيِّئَةٍ قَدْ كُنْتَ تُحَدِّثُ نَفْسَكَ مِنْهَا بِالتَّوْبَةِ فَيَحُولَ بَيْنَكَ وبَيْنَ ذَلِكَ فَإِذَا أَنْتَ قَدْ أَهْلَكْتَ نَفْسَكَ </STRONG></FONT></P>
<P><FONT face="Lucida Handwriting, Cursive" color=#336600 size=5><STRONG></STRONG></FONT> </P>
<P><FONT face="Lucida Handwriting, Cursive" color=#cc3300 size=5><STRONG>يتبع</STRONG></FONT></P>
|