عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 15-06-2002, 01:53 AM
محمد ب محمد ب غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2001
المشاركات: 1,169
إفتراضي متى نستفيق؟بقلم عبد السلام العجيلي

http://www.assafir.com/iso/today/weekly_culture/95.html
نخبنا سطحية لا تبحث عن أسباب تردينا.. استفاقتنا متى تكون؟
عبد السلام العجيلي
في هذه الأيام، بل في هذه الأسابيع والأشهر، وأكاد أقول الأعوام، أجدني في حيرة مع نفسي وأحيانا في نقمة عليها. العالم كله حولي في صخب وفي غضب، يهتف ويخطب ويصرخ ويصفق، وأنا أراني أغرق في الصمت وأنكمش وأتباعد عن الجموع الغاضبة والصاخبة، كأني لا أحس بما تحس به وبما يدفعها الى الهتاف والخطابة، والى الصراخ والتصفيق.
الغضب والصخب في العالم حولي، أقصد العالم العربي وبلادنا منه، لهما مبرراتهما. وأي مبررات أكبر مما نسمع به ونقرأه ونراه بأعيننا في كل دقيقة من دقائق يومنا عما يحدث في بلدنا فلسطين وعما يقاسيه فيها أبناؤنا واخواننا الفلسطينيون؟ ما من كلام يفي بوصف ما يقع في تلك الأرض العزيزة من مآس ونكبات، ومن مجازر ومذابح، ومن إذلال وانتهاك لكرامة الإنسان الفرد ولكرامة المجموع والأمة. لا غرابة إذن في ان ترتفع أصوات الصخب معبرة عن الغضب من حناجر الناس في كل البلدان العربية احتجاجا على ما تنقله مصادر الإعلام المسموعة والمرئية إلينا، والى العالم بأجمعه، من فظائع إسرائيل التي تنزلها بفلسطين سكانا وبلدانا. ومع ذلك فإن الأصوات الصاخبة الغاضبة المرتفعة من كل الحناجر في كل مكان لا تثير في نفسي إلا أسى أحسب ان قليلا من الناس حولي يشاركني فيه أو يفطن الى دواعيه. أو ان هذا الأسى هو أهم ما يثور في نفسي مما أراه وأسمعه. انه، هذا الأسى، هو الذي يدعوني الى الانكماش والى الغرق في الصمت، مخالفا بذلك سلوك الجماهير المتحمسة والثائرة والضاجة بألمها وبتنديداتها واحتجاجاتها.
هذا الأسى مبعثه ما أسمعه يتردد في صيحات الغضب والثورة حولي وفي كل بلدان العرب من شتائم متكررة وتنديدات متشابهة ولعنات موجهة الى إسرائيل والى أميركا والى حكامها، وما أراه من لافتات مرفوعة طافحة بتلك الشتائم والتنديدات واللعنات، ومن أكوام الأعلام الأميركية والإسرائيلية التي أجدها تمزق وتحرق في الساحات العامة وفي مقدمة المظاهرات. هل أنا ضد ما أسمعه وما أراه، وضد ما أطلع عليه وأقرأه، من تعابير النقمة والغليان وتصرفات الجماهير الغاضبة من بربرية أعدائنا وإجرامهم ووحشية أساليبهم في معاملة أبناء أمتنا؟ قطعا أنا لست ضد هذه وتلك من تصرفات وتعابير. ولكني ضد ان تكون ردود أفعالنا على ما ينزله أعداؤنا بنا مقتصرة على هذه التصرفات والتعابير. ليس من عمل إيجابي له قيمته نتقدم به ضد ما نستنكره من جرائم أعدائنا. كل ما نفعله هو ان نهتف ونصرخ. نكتب المقالات التي نقرأها نحن، ونلقي المحاضرات التي نستمع إليها نحن، ونسوق الحجج على ان ما يسلب هو حقنا وما تنتهك هي أعراضنا وما تغتصب هي أرضنا، كأن هناك شكا يخامرنا في صحة كل ذلك، وحدوث كل ذلك. وهنا يقول القائل: وماذا في إمكاننا أن نفعل غير هذا، وقد بلغت إسرائيل هذا المبلغ من القوة العسكرية، ونالت ما تنال من دعم أميركا لها دعما لا يبالي بحق ولا بقانون، في حين نحن على ما نحن عليه من ضعف وتفرق؟
من هذا السؤال الذي يلقيه القائل أجد الطريق الى تبيين خطل النهج الذي تسير فيه جماهيرنا الغاضبة الصاخبة بل خطر هذا الطريق. أقول الجماهير ولا أقول الحكومات والحكام. هؤلاء وتلك، وعلى مدى خمسين عاما على الأقل، هم مقدمتنا في التخبط في الطريق الخاطئ الذي أوصلنا الى هوة نجد أنفسنا ننزلق فيها يوما بعد يوم منحدرين الى غورها العميق. انحدرنا عميقا في مزالق هذه الهوة، ومع ذلك لم ترتفع في كل ما سمعته وسمعه غيري من خطب ومحاضرات وهتافات، وما قرأته وقرأه غيري من أبحاث ودراسات، كلمة تساؤل واحدة عن الأسباب الصحيحة والصريحة لتردينا فيها، كي نعالج هذا التردي ولنبحث عن وسائل الخلاص منه. أقول، في البداية، عن الأسباب ولا أقول عن المسببين. البحث عن الأسباب هو الخطوة الأولى للسعي في المعالجة. انه كالتشخيص للمرض، في كونه الخطوة الأولى للمداواة الناجعة.
لماذا نقصر كل حماسنا على الشكوى من مرارة الواقع وفظاعته، ولا نعود بتفكيرنا وبتصرفنا الى البحث عن السبيل لتغيير هذا الواقع؟ أقول تغيير هذا الواقع قبل كل شيء. ولا أتحدث، كما سلف وقلت، عن من جرنا الى الوقوع فيه.
  
لهذا السؤال الذي طرحته أجوبة متعددة. أول الأجوبة هو أننا بمجموعنا قصار النظر سطحيو التفكير، يستأثر الحاضر الذي يتمثل لأعيننا باهتمامنا، فيحول بيننا وبين النظر الى ما وراءه، وبيننا وبين استشراف ما أمامه. أقول بمجموعنا، إلا ان الواجب أن أقسم هذا المجموع الى جماهير ونخبة. ربما لا ينتظر من الجماهير أن تكون دوما باحثة دارسة متحرية عن الجذور والأسباب. لذلك قد يعطيها الإنسان بعض العذر على قصر نظرها وسطحية تفكيرها. أما النخبة التي هي طليعة تلك الجماهير، فلا عذر لها في هذه أو ذلك. إنه عيب كبير فيها، بل انه عار عليها. ولكن أهي دوما، هذه النخبة، قصيرة النظر سطحية التفكير؟ وهل هي كلها قصيرة النظر وسطحية التفكير الى درجة لا تبحث فيها عن أسباب تردينا في واقعنا المشين هذا؟ تبحث فيه كمقدمة للعمل على تخليصنا منه؟
ليس معقولا ان يكون كل أفراد النخبة في أمتنا على هذا القدر من الجهل وضعف الإدراك. ولكن ثمة عوامل ودوافع تجعل العالمين والمدركين يسكنون فلا يرفعون صوتهم بما يعرفون، وتجعلهم يقعدون فلا يتحركون في محاولة التغيير أو للسير في الطريق المستقيم. عوامل أولها إيثار أفراد من النخبة مصلحتهم الشخصية على واجب العمل لخير المجموع. الحرص على المنفعة المادية وعلى الرفعة والجاه والبروز في المجتمع تغري الكثيرين من العارفين في أمتنا على التمسك بما في أيديهم والزيادة في ما هم فيه، فيغمضون أعينهم ويعقلون ألسنتهم عن ما يرونه من شرور وأخطار تجنبا لما ينقص من مكاسبهم ومنفعتهم. هم نخبة في التفكير والإدراك، ولكنهم إمّعات وأتباع خانعون للنظم المتسلطة والمسيئة للمصلحة العامة. وربما أمعنوا في تبعيتهم فزينوا لتلك النظم تسلطها وبرروا لها في أعين الناس إساءاتها.
بعد ذلك يأتي عامل الخوف. النظم المتسلطة والمسيئة تملك القدرة على إيذاء من يحاول الكشف عن تقصيرها واعوجاج مساراتها، ولو كان المحاول غير طامع بكسب شخصي أو فائدة. للإيذاء صنوفه الكثيرة، فهو لا يقتصر على حجب المنافع وحدها، بل يتعدى ذلك الى مس الكرامة والإذلال وسلب الحرية ونيل الأهلين بالشرور، الى ان يصل الأمر الى التعذيب ثم الى الاغتيال والقتل. الخوف من مخاطر التعرض لهذا الإيذاء بمختلف أشكاله يضطر العارفين الى إغماض أعينهم والى إمساك ألسنتهم عما يجب عليهم فعله أو، على الأقل، على ما يجب قوله في ما تدلهم عليه معرفتهم من اعوجاج النظم المتسلطة وأخطائها التي كثيرا ما تدخل في تصنيف الجرائم.
الرد مع إقتباس