عرض مشاركة مفردة
  #16  
قديم 12-07-2002, 10:14 PM
shaltiail shaltiail غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2001
المشاركات: 342
إفتراضي

ومع هذا وذاك فإنه يكفيني أن أبلغكم أن جل النصيحة أو الوصية موجودة في كتب أهل السنة أيضاً ومن يشك فليراجع كنز العمال


كنز العمال الإصدار للمتقي الهندي
خطب علي ومواعظه رضي الله عنه.

44215- عن علي أنه كتب إلى ابنه الحسن كتابا: من الوالد الفان، المقر للزمان، المدبر للعمر، المستسلم فيه للدهر، الذام للدنيا، الساكن مساكن الموتى، الظاعن إليهم عنها غدا - إلى المولود المؤمل ما لا يدرك، السالك سبيل من قد هلك، عرض الأسقام، ورهينة الأيام، ورمية المصائب، وعبد الدنيا، وتاجر الغرور، وغريم المنايا، وأسير الموت، وحليف (حليف: الحليف: المتعاهد والمتناصر جمع أحلاف وحلفاء والملازم، يقال: فلان حليف الجود وحليف الفصاحة. والمعنى: حليف الهموم أي لا تفارقه الهموم. أ ه 1/192 المعجم الوسيط. ب) الهموم، وقرين الأحزان، ونصب الآفات، وصريع الشهوات، وخليفة الأموات؛ أما بعد! فإن فيما قد تبينت من إدبار الدنيا عني وجنوح الدهر علي وإقبال الآخرة على ما يزعني (يزعني: وزعه يزعه وزعا، مثل وضعه وضعا، أي: كفه، فاتزع هو، أي: كف. وقال الحسن: لابد للناس من وازع، أي من سلطان يكفهم. أ ه صفحة 570 المختار. ب) عن ذكر ما سواي، والاهتمام بما واري، غير أني حين تفرد بي دون هموم الناس هم نفسي فصدقني رأيي، وتصرف بي هواي، وصرح إلى محض أمري، فأفضي بي جد لا يرزق به لعب، وصدق لا يشوبه كذب، وجدتك أي بني من بعضي،
بل وجدتك من كلي حتى كأن شيئا لو أصابك أصابني، وكأن الموت لو أتاك أتاني، فعناني من أمرك ما عناني من نفسي، فكتبت إليك كتابي هذا إن أنا بقيت أو فنيت.
وإني أوصيك يا بني بتقوى الله ولزوم أمره، وعمارة قلبك بذكره، والاعتصام بحبه، فهو أوثق السبب بينك وبينه، يا بني! أحي قلبك بالموعظة، وموته بالزهد، وقوه باليقين، وذلله بذكر الموت، وأكثره بالفناء، وبصره فجائع الدنيا، وحذره صولة الدهر وفحش تقلب الأيام، وأعرض عليه أخبار الماضين وذكره ما أصاب من كان قبلك، وسر في ديارهم، واعتبر بآثارهم، وانظر ما فعلوا، وعمن انتقلوا، وأين حلوا، فإنك تجدهم انتقلوا عن الأحبة، وحلوا دار الغربة، وكأنك عن قليل قد صرت كأحدهم، فأصلح مثواك واحرز آخرتك، ودع القول فيما لا تعرف، والدخول فيما لا تكلف، وأمسك عن السير إذا خفت ضلالة، فإن الكف عند حيرة الضلالة خير من ركوب الأهوال، وأمر بالمعروف تكن من أهله وأنكر المنكر بيدك ولسانك وباين من فعله بجهدك، وخض الغمرات إلى الحق، وتفقه في الدين، وعود نفسك الصبر على المكروه، وألجئ نفسك في الأمور كلها إلى الله، فإنك تلجئها إلى كهف حريز ومانع عزيز، وأخلص في المسألة لربك، فإن بيده العطاء والحرمان وأكثر الاستخارة.
وتفهم وصيتي، لا تذهبن عنك صفحا، أي بني! إني لما رأيتني قد بلغت سنا ورأيتني ازددت وهنا بادرت بوصيتي إياك خصالا منهن أن تعجل لي أجل قبل أن أفضى إليك ما في نفسي وأنقص في رأيي كما نقصت في جسمي، أو يسبقني إليك بعض غلبة الهوى وفتن الدنيا فتكون كالصعب النفور، وإنما قلب الحدث كالأرض الخالية، ما ألقى فيها من شيء قبلته، فباكرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبك، لتستقبل بجد رأيك ما قد كفاك تجربته، فتكون قد كفيت مؤنة الطلب، وعوفيت من علاج التجربة، فأتاك من ذلك ما قد كنا نأتيه، واستبان لك ما ربما أظلم علينا فيه، أي بني! إني لم أكن عمرت عمر من كان قبلي، فقد نظرت في أعمارهم وفكرت في أخبارهم، وسرت في آثارهم، حتى عدت كأحدهم، بل كأنني لما قد انتهى إلي من أمورهم قد عمرت مع أولهم إلى آخرهم، فعرفت صفو ذلك من كدره ونفعه من ضره، فاستخلصت من كل شيء نحيلته، وتوخيت لك جميلته، وصرفت عنك مجهوله، ورأيت عنايتي بك واجبة علي، فجمعت لك ما إن فهمته أدبك، فاغتنم ذلك وأنت مقتبل بين النية واليقين، فعليك بتعليم كتاب الله وتأويله! وشرائع الإسلام وأحكامه، وحلاله وحرامه، لا تجاوز ذلك قبله إلى غيره، فإن أشفقت أن
شبهة لمت اختلف فيه الناس من أهوائهم ورأيهم مثل الذي لبسهم، فتقصد في تعليم ذلك بلطف.
يا بني! وقدم عنايتك في الأمر ليكون ذلك نظرا لديك، لا مماريا ولامفاخرا ولا طلبا لعرض عاجلتك، فإن الله يوفقك لرشدك، ويهديك لقصدك، فاقبل عهدي إليك، ووصيتي لك، واعلم يا بني! إن أحب ما أنت آخذ به من وصيتي تقوى الله، والاقتصار على ما افترض الله عليك، والأخذ بما الضى؟؟ عليك أولوك من آبائك والصالحون من أهل بيتك، فإنهم لم يدعوا أن ينظروا لأنفسهم كما أنت ناظر وفكروا كما أنت مفكر، ثم ردهم ذلك إلى الأخذ بما عرفوا والإمساك عما لم يكلفوا، فإن أبت نفسك أن تقبل ذلك دون أن تعلم ما علموا، فيكون طلبك ذلك بتعليم وتفهم وتدبر، لا بتوارد الشبهات وعلم الخصومات، وابدأ قبل نظرك في ذلك بالاستعانة بالهك عليك والرغبة إليه، واحذر كل شائبة أدخلت عليك شبهة، وأسلمتك إلى ضلالة، فإذا أيقنت أن قد صفا قلبك فخشع، وتم رأيك فاجتمع، كان همك في ذلك هما واحدا، فانظر فيما فسرت ذلك، وإن أنت لم يجتمع لك ما تحب من فراغ نظرك فاعلم أنك إنما تخبط خبط عشواء، وليس من طالب لدين من خبط ولا خلط، والإمساك عند ذلك أمثل، وإن أول ما أبدأك به في ذلك وآخره أني أحمد الله إلهي وإلهك إله الأولين والآخرين، رب من في السماوات ومن في الأرضين،
بما هو أهله، وكما هو أهله، وكما يحب وينبغي له، وأسأله أن يصلي على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأن يتم علينا نعمه لما وفقنا من مسألته والإجابة لنا، فإن بنعمته تتم الصالحات.
اعلم أي بني! إن أحدا لم ينبيء عن الله عز وجل كما نبأ به محمد صلى الله عليه وسلم، فارض به رائد (رائد: الرائد: الذي يرسل في طلب الكلأ. أ ه صفحة 209. المختار. ب)، فإني لم آلك نصيحة ولم تبلغ في ذلك، وإني اجتهدت مبلغي في ذلك لعنايتي وطول تجربتي، وإن نظري لك كنظري لنفسي؛ اعلم أن الله واحد، أحد صمد، لا يضاده في ملكه أحد، ولا يزول ولم يزل، أول من قبل الأشياء بلا أولية، وآخر بلا نهاية، حكيم، عليم، قديم، لم يزل كذلك، فإذا عرفت ذلك فافعل كما ينبغي لمثلك في صغر خطره، و قلة مقدرته، وكثرة عجزه، وعظيم حاجتك إلى ربك، فاستعن بالهك في طلب حاجتك، وتقرب إليه بطاعته، وارغب إليه بقدرته، وارهب منه بروئيته، فإنه حكيم لم يأمرك إلا بحسن، ولم ينهك إلا عن قبيح، اجعل نفسك ميزانا بينك وبين غيرك؛ وأحبب لغيرك ما تحب لنفسك، واكره له ما تكره لها، ولا تظلم كما لا تحب أن تظلم، وأحسن كما تحب أن يحسن إليك، ولا تقل ما لا تعلم، بل أقل مما تعلم، ولا تقل ما لا تحب أن يقال لك؛ اعلم يا بني أن الإعجاب ضد الصواب، وآفة الألباب، فاسع في كدحك؛ ولا تكن خازنا لغيرك، فإذا هديت لقصدك فكن أخشع ما تكون لربك؛ واعلم أن أمامك طريقا
ذا مشقة بعيدة. وأهوال شديدة، وأنك لا غنى بك عن حسن الارتياد، وقدر بلاغك من الزاد مع خفة الظهر، فلا تحملن على ظهرك فوق طاقتك، فيكون ثقله وبالا عليك، وإذا وجدت من أهل الحاجة من يحمل لك زادك ويوافيك به حيث تحتاج إليه فاغتنمه، واغتنم ما أقرضت من استقرضك في حال غناك، واعلم أن أمامك عقبة كؤوداء مهبطها على جنة أو على نار، فارتد لنفسك قبل نزولك، فليس بعد الموت مستعتب، ولا إلى الدنيا منصرف.
واعلم أن الذي بيده خزائن السماوات والأرض قد أذن لك في الدعاء وضمن الإجابة، وأمرك أن تسأله فيعطيك، وتطلب إليه فيرضيك، وهو رحيم لم يجعل بينك وبينه حجابا، ولم يلجأك إلى من تشفع به إليه، ولم يمنعك إن أسأت التوبة، ولم يعاجلك بالنقمة، ولم يؤنسك من رحمته، ولم يسد عليك باب التوبة، وجعل توبتك النزوع عن الذنب، وجعل سيئتك واحدة وجعل حسنتك عشرا، إذا ناديته أجابك، وإذا ناجيته علم نجواك، فأفضيت إليه بحاجتك، وأنثته ذات نفسك، وشكوت إليه همومك، واستعنته على أمورك، وسألته من خزائن رحمته التي لا يقدر على إعطائها غيره من زيادة الأعمار وصحة الأبدان وسعة الرزق وتمام النعمة، فألحح في المسألة، فبالدعاء تفتح أبواب الرحمة، ولا يقنطك إبطاء إجابته، فإن العطية على قدر النية، فربما أخرت الإجابة لتطول مسألة السائل، فيعظم أجره، ويعطي سؤله، وربما ذخر ذلك له في الآخرة، فيعطى أجر تعبده، ولا يفعل بعبده إلا ماهو خير له في العاجلة والآجلة، ولكن لا يجد لطفه أحد، ولا يعرف دقائق تدبيره إلا المصطفون، ولتكن مسالتك لما يبقى ويدوم في صلاح دنياك وتسهيل أمرك وشمول عافيتك، فإنه قريب مجيب؛ اعلم أي بني انك خلقت للآخرة لا للدنيا، وللفناء لا للبقاء، وأنك في منزل قلعة ودار بلغة وطريق الآخرة، وأنك طريدة الموت الذي لا ينجو منه هاربه، ولا يفوته طالبه، فاحذر أن يدركك وأنت على حال سيئة، وأعمال مردية فتقع في ندامة الأبد وحسرة لا تنفد، فتفقد دينك لنفسك، فدينك لحمك ودمك، ولا ينقذك غيره.
أي بني! أكثر ذكر الموت وذكر ما تهجم عليه، وتقضى بعد الموت إليه، واجعله نصب عينيك حتى يأتيك وقد أخذت له حذرك، ولا يأتيك بغتة فيبهرك، وأكثر ذكر الآخرة وكثرة نعيمها وحبورها وسرورها ودوامها وكثرة صنوف لذاتها وقلة آفاتها إذا سلمت، وفكر في ألوان عذابها وشدة غمومها وأصناف نكالها، إن أنت تيقنت فإن ذلك يزهدك في الدنيا ويرغبك في الآخرة، ويصغر عندك زينة الدنيا وغرورها وزهرتها فقد نبأك الله عنها وبين أمرها، وكشف عن مساويها، فإياك أن تغتر بما ترى من إخلاد أهلها إليها وتكالبهم عليها ككلاب عاوية، وسباع ضارية، يهر؟؟ بعضهم إلى بعض؛ ويقهر عزيزها ذليلها، وكثيرها قليلها، قد أضلت أهلها عن قصد السبيل، وسلكت بهم طريق العمى، وأخذت بأبصارهم عن منهج الصواب، فتاهوا في حيرتها، وغرقوا في فتنتها، وتخذوها ريا فلعبت بهم ولعبوا بها، ونسوا ما وراءها؛ فإياك يا بني أن تكون مثل من قد شابته بكثرة عيوبها! أي بني! إنك إن تزهد فيما قد زهدتك فيه من أمر الدنيا وتعرض نفسك عنها فهي أهل ذلك، فإن كنت غير قابل نصحي إياك منها فاعلم يقينا أنك لن تبلغ أملك، ولن تعدو أجلك، فإنك في سبيل من قد كان قبلك، فأجمل في الطلب، واعرف سبيل المكتسب، فإنه رب طلب قد جر إلى حرب، وليس كل طالب يصيب، ولا كل غائب يؤوب، وأكرم نفسك عن كل دنية وإن ساقتك؛ إياك أن تعتاض بما تبذل من نفسك عوضا وقد جمعك الله به حراّ! وما منفعة خير لا يدرك باليسير، ويسير لا ينال إلا بالعسير؛ وإياك أن توجف بك مطايا الطمع فتوردك مناهل؟؟ الهلكة! وإن استطعت أن لا يكون بينك وبين الله ذو نعمة فافعل، فإنك مدرك قسمك، وآخذ سهمك، وإن اليسير من الله أعظم وأكرم وإن كان كل من الله - ولله المثل الأعلى!


يتبع