عرض مشاركة مفردة
  #17  
قديم 12-07-2002, 10:30 PM
shaltiail shaltiail غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2001
المشاركات: 342
إفتراضي

واعلم أن لك في يسير مما تطلب فتنال من الملوك افتخارا، وبيع عرضك ودينك عليك عار، فاقتصد في أمرك تحمد معقبة عقلك، إنك لست بائعا شيئا من عرضك ودينك إلا بثمن، والمغبون من حرم نصيبه من الله، فخذ من الدنيا ما أتاك، وتول عما تولى عنك، فإن أنت لم تفعل فأجمل في الطلب؛ وإياك ومقاربة من يشينك! وتباعد من السلطان، ولا تأمن خدع الشيطان، ومتى ما رأيت منكرا من أمرك فأصلحه بحسن نظرك، فإن لكل وصف صفة، ولكل قول حقيقة، ولكل أمر وجها ينال الأريب - أي العاقل - فيه رشده، ويهلك الأحمق بتعسفه فيه نفسه؛ يا بني! كم قد رأيت من قيل له: تحب أن تعطي الدنيا بما فيها مائة سنة بلا آفة ولا أدنى، لا ترى فيها سوءا ويكون آخر أمرك عذاب الأبد، فلا يتسع بها ولا يريدها، ورأيته قد أهلك دينه ونفسه باليسير من زينة الدنيا، وهذا من كيد الشيطان وحبائله، فاحذر مكيدته وغروره، يا بني! أملك عليك لسانك، ولا تنطق فيما تخاف الضرر فيه، فإن الصمت خير من الكلام في غير منفعة، وتلافيك ما فرط من همتك أيسر من إدراكك ما فات من منطقك، واحفظ ما في الوعاء بشد الوكاء.
واعلم أن حفظ ما في يديك خير من طلب ما في يد غيرك، وحسن التدبير مع الكفاف أكفى لك من الكثير في الإسراف، وحسن اليأس خير لك من الطلب إلى الناس، يا بني! لا تحدث من غير ثقة فتكون كذابا، والكذب داء فجانبه وأهله، يا بني! العفة مع الشدة خير من الغنى مع الفجور، من فكر أبصر، ومن كثر خطاؤه هجر، ورب مضيع ما يسره، وساع فيما يضره، من خير حظ المرء قرين صالح، فقارن أهل الخير تكن منهم، وباين أهل الشر تبن منهم، ولا يغلبن عليك سوء الظن، فإنه لن يدع بينك وبين خليلك ملجأ، قد يقال: من الحزم سوء الظن، وبئس الطعام الحرام، وظلم الضعيف أفحش الظلم، الفاحشة تقصم القلب، إذا كان الرفق خرقا كان الخرق رفقا، وربما كان الداء دواء والدواء داء، وربما نصح غير الناصح وغش المنتصح، إياك والانكال على المنى! فإنها بضائع النوكى (النوكي: النوك بالضم والفتح: الحمق، وما أنوكه: ما أحمقه. أ ه 3/322 القاموس. ب)، ذك قلبك بالأدب كما تذكي النار الحطب، ولا تكن كخاطب الليل وغثاء السيل، كفر النعمة لؤم، وصحبة الجاهل شؤم، والعقل حفظ التجارب، وخير ما جربت ما وعظك، ومن الكرم لين الشيم، بادر الفرصة قبل أن تكون غصة، ومن الحزم العزم،
ومن سبب الحرمان التواني، ومن الفساد إضاعة الزاد ومفسدة المعاد، لكل أمر عاقبة، فرب مشير بما يضر، لا خير في معين مهين، ولا في صديق ظنين.

ولا تدع الطلب فيما يحل ويطيب فلا بد من بلغة، وسيأتيك ما قدر لك، التاجر مخاطر، من حلم ساد، ومن تفهم ازداد، ولقاء أهل الخير عمارة القلوب، ساهل ما ذل لك بقوة، وإياك أن تطمح بك مطية اللجاج! وإن قارفت سيئة فعجل محوها بالتوبة، ولا تخن من ائتمنك وإن خانك، ولا تذع سره وإن أذاع سرك، خذ بالفضل، وأحسن البذل، وأحبب للناس الخير، فإن هذه من الأخلاق الرفيعة، وإنك قل ما تسلم ممن تسرعت إليه، وكثيرا ما يحمد من تفضلت عليه؛ اعلم أي بني أن من الكرم الوفاء بالذمم. والدفع عن الحرم، والصدود آية المقت، وكثرة العلل آية البخل، وبعض الإمساك عن أخيك مع الإلف خير من البذل مع الحنف؟؟ (الجنف: الجنف محركة والجنوف بالضم: الميل والجور. أ ه 3/124 القاموس. ب)، ومن الكرم صلة الرحم، والتجرم وجه القطيعة، احمل نفسك من أخيك عند جموحه على البذل، وعند تباعده على الدنو، وعند شدته على اللين، وعند تجرمه على الاعتذار، حتى كأنك له عبد وكأنه ذو نعمة عليك، ولا تضع ذلك في غير موضعه، ولا تفعله بغير أهله، ولا تتخذ من عدو صديقك صديقا فتعادي صديقك، ولا تعمل بالخديعة فإنها أخلاق اللئام، وامحض أخاك النصيحة حسنة كانت أم قبيحة، وساعده
على كل حال، وزل معه حيث زال، ولا تطلبن منه المجازاة، فإنها من شيم الدناءة، وخذ على عدوك بالفضل، فإنه أحرى للظفر.
لا تصرم أخاك على ارتياب، ولا تقطعه دون استعتاب، ولن لمن غالظك فإنه يوشك أن يلين لك، ما أقبح القطيعة بعد الصلة، والجفاء بعد اللطف، والعداوة بعد المودة، والخيانة لمن ائتمنك، وخلف الظن لمن ارتجاك، والغرر بمن وثق بك! وإن أردت قطيعة أخيك فاستبق له من نفسك بقية، ومن ظن بك خيرا فصدق ظنه، ولا تضيعن بر أخيك اتكالا على ما بينك وبينه، فإنه ليس بأخ من أضعت حقه، لا يكون أهلك أشقى الناس بك، ولا ترغبن فيمن زهد فيك، ولا تزهدن فيمن رغب إليك، إذا كان للخلط موضعا، لا يكونن أخوك أقوى على قطيعتك منك على صلته لا يكونن على الإساءة أقوى منك على الإحسان إليه، ولا على البخل أقوى منك على البذل، ولا على التقصير أقوى منك على الفضل، لا يكثرن عليك ظلم من ظلمك، فإنه يسعى في مضرته ونفعك، وليس جزاء من سرك أن تسوءه؛ واعلم أي بني! أن الرزق رزقان: رزق تطلبه، ورزق يطلبك، فإن لم تأته أتاك، واعلم أن الدهر ذو صروف، فلا تكونن ممن يسبك لاعنة للدهر، ومحفلا عند الناس عذره، ما أقبح الخضوع عند الحاجة، والجفاء عند الغنى، إنما لك من دنياك ما أصلحت به مثواك، فأنفق يسرك، ولا تكن خازنا لغيرك، فإن كنت جازعا مما تفلت من يديك فاجزع
على ما يصل إليك، استدل على ما لم يكن بما قد كان، فإن الأمور أشباه يشبه بعضها بعضا، ولا تكفرن ذا نعمة، فإن كفر النعم من قلة الشكر ولؤم الخلق، وأقل العذر، ولا تكونن ممن لا تنفعه العظة إلا إذا بلغت في الملامة، فإن العاقل يتعظ بالقليل، والبهائم لا تنفع إلا بالضرب.
واتعظ بغيرك ولا يكونن غيرك متعظا بك، واحتد بحذاء الصالحين، واقتد بآدابهم وسر بسيرتهم، واعرف الحق لمن عرفه لك رفيعا كان أو وضيعا، واطرح عنك واردات الهموم بعزائم الصبر وحسن اليقين، من ترك القصد جار، نعم حظ المرء القناعة! شر ما أشعر قلب المرء الحسد، وفي القنوط التفريط، وفي الخوف من العواقب البغي، الحسد لا يجلب مضرة وغيظا يوهن قلبك ويمرض جسمك، فاصرف عنك الحسد تغنم، وأنق صدرك من الغل تسلم، وارج الذي بيده خزائن الأرض والأقوات والسماوات، وسله طيب المكاسب تجده منك قريبا ولك مجيبا، الشح يجلب الملامة، والصاحب الصالح مناسب، والصديق من صدق غيبه، والهوى شريك العمى، ومن التوفيق سعة الرزق، نعم طارد الهموم اليقين، وفي الصدق النجاة، عاقبة الكذب شر عاقبة، رب بعيد أقرب من قريب ورب قريب أبعد من بعيد، والغريب من لم يكن له حبيب، من تعدى الحق ضاق مذهبه، من اقتصر على قدره كان أبقى له، ونعم الخلق.... وأوثق العرى التقوى، من أعتبك قد هوى، وقد يكون اليأس إدراكا إذا كان الطمع هلاكا، كم من مريب قد شقى به غيره ونجا هو من البلاء، جانيك من يجني عليك، وقد تعدى الصحاح مبارك الجرب، وليس كل عورة تظهر، ربما أخطأ
البصير قصده، وأصاب الأعمى رشده، ليس كل من طلب وجد ولا كل من توقى نجا.
أخر الشيء فإنك إذا شئت عجلته، أحسن إن أحببت أن يحسن إليك، احتمل أخاك على كل ما فيه، ولا تكثر العتاب فإنه يورث الضغينة ويجر إلى المغضبة، وكثرته من سوء الأدب، استعتب من رجوت صلاحه، قطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل، من كابد الحرية عطب، ومن لم يعرف زمانه حرب، ما أقرب النقمة من أهل البغي، وأخلق من عدر؟؟ أن لا يولى له، زلة العالم أقبح زلة، وعلة الكذاب أقبح علة، الفساد يبيد الكثير، والاقتصاد يثمر القليل، والقلة ذلة، وبر الوالدين أكرم الطبائع والخوف شر لحاف، والزلة مع العجلة، لا خير في لذة تعقب ندامة، والعاقل من وعظته التجربة، ورسولك ترجمان عقلك، وكتابك أحسن ناطق عنك، فتدبر أمرك، وتقصر شرك، الهدى يجلو العمى، وليس مع اختلاف ائتلاف، ومن حسن العمل افتقاد حال الجار، لن يهلك من اقتصد ولن يفتقر، يبين عن سر المرء دخيله، ورب باحث عن حتفه، وليس كل من ينظر بصير، رب هزل صار جدا، من ائتمن الزمان خانه، ومن تعظم عليه أهانه، ومن لجأ إليه أسلمه أي أخذله، ليس كل من رمى أصاب، وإذا تغير السلطان تغير الزمان، وخير أهلك من كفاك، المزاح يورث العداوة والحقد، أعذر من اجتهد وربما أكدى الحق، رأس الدين صحة اليقين،
وتمام الإخلاص تجنب المعاصي، وخير القول الصدق، والسلامة مع الاستقامة.
سل عن الرفيق قبل الطريق؛ وعن الجار قبل الدار، كن من الدنيا على بلغة، احمل لمن دل عليك، واقبل عذر من اعتذر إليك، وارحم أخاك وإن عصاك، وصله وإن جفاك، وعود نفسك السماح، وتخير لها من كل أحسنه، لا تتكلم بما يرديك، ولا ما كثيره يزريك، أنصف من نفسك قبل أن ينتصف منك، أي بني! إياك ومشاورة النساء! إلا جربت بكمال، فإن رأيهن يجر إلى أفن (أفن: الأفن: قلة العقل. أ ه صفحة 14 المختار. ب) وعزمهن إلى وهن، اكفف عليهن من أبصارهن بحجابك إياهن، فإن شدة الحجاب خير لهن من الارتياب، وليس خروجهن بأشد عليك من دخول من لا تثق به عليهن، فإن استطعت أن لا يعرفهن غيرك فافعل، أقلل الغضب ولا تكثر العتاب في غير ذنب، فإن المرأة ريحانة، وليست بقهرمانة، وأحسن لمماليكك الأدب، وإن أجرم أحد منهم جرما فأحسن العفو فإن العفو مع العز أشد من الضرب لمن كان له قلب، وخف القصاص، واجعل لكل امرئ منهم عملا تأخذه به، فإنه أحرى أن لا يتوكلوا، وأكرم عشيرتك فإنهم جناحك الذي به تطير، وأصلك الذي إليه تصير، فإنك بهم تصول، وبهم تطول، وهم العمدة عند الشدة، وأكرم كريمهم، وعد سقيمهم، وأشركهم في أمورهم، ويسر عن معسرهم واستعن بالله على أمرك
كله، فإنه أكرم معين، أستودع الله دينك ودنياك - والسلام.
(وكيع، والعسكري في المواعظ).


( يتبع )