كما هو واضح إخوتي الأفاضل فأنتم إستعجلتم في الحكم لمجرد أن الكلام لسيد الوصيين عليه السلام وموجود في نهج البلاغة رغم وجود كلام يشابهه للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في كتبكم وأيضاً وجود نفس الوصية في كتبكم
بقي علي أن أوضح نقطتين
الأولى: ( إنّ النهي عن مشاورة النساء و عدم إطاعتهنّ الوارد في مثل هذه الروايات بمعنى عدم إدخال العواطف و الإحساسات الشخصية للمرأة في اتخاذ القرار في المسائل الحيوية و الأعمال المهمّة سواء كانت مرتبطة بالاسرة او بالمجتمع ، كما يجب على الرجل أيضاً ان لا يسلّط عواطفه و احاسيسه على عقله و تفكيره ، و المرأة لمّا كانت عواطفها و أحاسيسها غالباً تغلب على عقلها ، و أنها كثيراً ما تتأثر بالظواهر و الامور الدنيوية ، فلا يحسن التشاور معها ، فالروايات لا تنهى عن مشاورة النساء بصورة مطلقة ، و مع أي امرأة كانت ، لأنّ ينافي قوله تعالى : (( و أمرهُم شُورى بينهُم))(الشورى:38) و هكذا بعض الروايات تدلّ على حسن المشاورة مع بعض النساء لا سيما المرأة التي جرّبت بكمال العقل ، روى عن الصادق (ع) انه قال : (( إياك و مشاورة النساء إلا من جُرّبت بكمال عقلٍ ))(بحار الانوار 253:103).
و نقل أنه : كان رسول الله (ص) يأخذ بآراء النساء و يشاورهنّ ، من ذلك في أثناء صلح الحديبية ، اقترحت امّ سلمة اقتراحاً وافقها النبي الأكرم (ص) عليه و اتبعه ، فقد كانت أمّ سلمة –زوجته- معه في أثناء صلح الحديبية ، فدخل خيمتها و كان غاضباً غضباً شديداً . فنهضت اليه و خاطبته : (( يا رسول الله مابك؟ فقال : (( أمر )) عجيب !! لقد أمرت الناس مراراً ان ينحروا قرابينهم ، و يقصّوا شعورهم ، و يحلّوا إحرامهم ، فلم يستجب لأمري أ؛د و لم يطيعوني مع أنهم سمعوا قولي و هم ينظرون إليّ )) .
فقالت ام سلمة : (( يا رسول الله قم و انحر قربانك و سيتبك الناس حتماً )) فتناول الرسول (ص) السكين و ساق هديه . و حين رأى الناس ما يفعله رسول الله (ص) أقبلوا على هديهم ينحرونها .
و أما الروايات التي تنهى عن إطاعة المرأة فالمراد منه إطاعتها في الامور التي تخالف الشرع و العقل ، التي يكون منشؤها غالباً العواطف و الإحساسات و التعلقات الانسانية و التي تمنع من اتخاذ تصميم و قرار و عمل عقلائي و شرعي ، و قد جاء هذا المعنى في كثير من الروايات الناهية عن مشاورة النساء و إطاعتهنّ ، منها ما جاء عن رسول الله (ص) : (( من أطاع إمرأته أكبه الله على وجهه في النار ، فقيل ما تلك الطاعة ؟ قال : تطلب منه ... الثّياب الرقاق فيجيبها ))(فروع الكافي 517:5). )
والثانية: متعلقة بكتاب نهج البلاغة وهو من كلام العلامة الجليل السيد علي نعمان الصدر حفظه الله:
(( وهناك بعض المفارقات العجيبة التي تكاد أن تكون غاية في العجب. وهو أنني أقرأ كثيرا في مقالات السلفية ولغيرهم من عموم السنة (الشاتمة لشيعة أهل البيت ع) قولهم بأن نهج البلاغة أوثق كتاب بعد كتاب الله عند الشيعة على غرار كتاب البخاري ويدعي بعضهم بأنه كتاب الشيعة المقدس. وأنا أتحدى أي أحد أن يثبت ثبوت حكم شرعي أو عقيدة عند الشيعة بناءا على ما ورد في نهج البلاغة. فلو جاء أحد بلفظ موجود في نهج البلاغة فهو مأخوذ من توحيد الصدوق أو إرشاد المفيد والكافي وما شابه ذلك. وهنا يعجب الإنسان لسلوك علماء الشيعة قاطبة مع كون هذا الكتاب يحوي كلام أعظم أئمتهم على الإطلاق وهو أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام فيه أعظم المعاني التي بهرت العقول واجمل التعابير وهو ثروة حقيقية للفكر الإنساني. ولكنه متروك في باب استنباط الحكم. وقد روى لي أحد زملائي في الدرس بأنه ذهب إلى المرحوم الشيخ محمد أمين زين الدين رحمه الله وسأله عن سر عدم الاستدلال بنهج البلاغة في الأحكام والعقيدة عند علماء الشيعة. فقال له لأنه لم يوضع لبيان الحجة في التكليف و إنما جُمع على أساس تنمية الفكر الإنساني وهذا لا علاقة لنا به كفقهاء. فمن أراد أن يستأنس بمعنى عقائدي منه لا بد له من تحقيق شرط الحجة وهو موجود بعينه في مواقعه المرجعية. فلماذا يذكر المرسل الذي لم يوضع لهذا الغرض ويترك المصدر المرجعي لذلك الحكم؟.
فهل رأيت مفارقة أعظم من هذه؟ ))
ولكم خالص تحياتي ،،
|