عرض مشاركة مفردة
  #5  
قديم 16-07-2002, 09:16 PM
shaltiail shaltiail غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2001
المشاركات: 342
إفتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم


 التهمة القديـمة المتهالكـة !

من هاتيك التهم السائرة الدائرة على مر الأيام التي مني بـها مذهب آل الله وآل رسوله صلى الله عليه وعليهم أجمعين فرية تحريف القرآن ، بدعوى أن الشيعة من مذهبهم القول بسقوط بعض آيات من القرآن ، وكثير من الكتيبات التي كتبتها أيادي الفرقة تريد حشر هذه التهمة في رأس السذج والبسطاء .
ولا شك أن من ينشر هذه الفرية ما هو إلا صلف الوجه قاسي الخد لا يعبأ بما يقال فيه مشيع للأراجيف والأكاذيب ، كيف لا ! والشيعة ليست من الفرق البائدة التي لا يخبر عنها إلا في الكتب العتيقة وبين صفحات التراجم سحيقة العهد ، فهذه أعيانـهم في كل مكان وعلماؤهم بين أظهرنا وكتبهم ظاهرة سهلة المنال وكلمات محققيهم ومراجعهم لا تخفى إلا على ميت الأحياء ، والقول الفصل عند مراجعهم كلهم أجمعين أكتعين أن القرآن الذي نزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو هذا المصحف الموجود في بيوتنا وبيوتات المسلمين بجميعه وتمامه لا نقيصة فيه ولا زيادة ، وهذا واضح عند من دار في شوارع المسلمين أو مرّ في أضيق أزقتهم .


 الشذوذ عن فكر المذهب :

وكون التحريف فرية واضحة على مذهب أهل البيت عليهم السلام لا ينفي شذوذ بضع نفر عما ذهب له الجمهرة والسواد الأعظم وهذا واضح لدى من امتلك شيئا من العقل ، فبعض علماء الشيعة شذوا عن رأي الطائفة حيث قالوا بعدم صيانة القرآن من التحريف وحالهم كحال من شذ عن مذهب أهل السنة وقال بوقوع التحريف في القرآن وعدم صيانته منه ، وهذه القلة من الشيعة ذات ميول خاصة ومبان انفردت بـها وخالفت سوادهم الأعظم ، وقد انقرضت تلك الفئة مع ما شذوا به .
ومن الدعاوى العريضة أن نقول إن الشيعة انقسموا في الاتجاه والمشرب الفقهي إلى قسمين ، لكل منهما أصوله في استنباط الأحكام الشرعية إذ الفرع الذي ألقى بذرتـه الأمين الإسترآبادي رضوان الله تعالى عليه قبل أربعمائة سنة ثم انكسر واجتث بعد مائتي سنة من بزوغه لا يقسم الشيعة الإمامية في مذهبهم الاستنباطي السائر منذ ألف سنة إلى قسمين أحدهما ظهر قريبا وانتهى بمدة مئتي عام !
وقد كان للإخبارية قواعد ترتكز عليها مدرستهم وصارت من معالمها ، وهذه المدرسة لا وجود لها اليوم كتيار له منظّرون بما للكلمة من معنى وذلك لانقضاء أمر هذا التيار على يد مراجع الطائفة رضوان الله تعالى عليهم حينما تصدوا لهم فنقضوا أصولهم وبينوا عوارها حتى قضي الأمر واستوت الطائفة وعادت نمرقةً وسطى كما كانت على يد الوحيد البهبهاني رضوان الله تعالى عليه .


* أسسٌ افترق بـها هذا التيار الـمحدَث عن فكر المذهب :

من أهم مباني الإخبارية التي شذوا بـها عن جمهرة الإمامية القول بعدم حجية ظواهر القرآن ، واعتمادهم على الأخبار فقط أي السنة الواردة من أهل البيت عليهم الصلاة والسلام فلذلك سموا إخبارية .
وسبب قولهم بعدم حجية ظواهر القرآن دعوى أن كلام الله عز وجل أجل وأرفع من أن يناله عقل البشر العاديين ، فإن كلام رب الناس لا تدركه عقول الناس ! ومن الإجحاف بساحته جل وعلا أن يدرك مرام كلامه ويفقه مغزاه البشر العادي ، لذا على الفقهاء إيكال فهم ظواهر القرآن إلى من خوطب به وهم الراسخون بالعلم أي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأئمة أهل البيت عليهم السلام وهم عِدل القرآن بنص حديث الثقلين المتواتر .
وننقل هنا أقوال بعض مراجع الطائفة الحقة في كتبهم الأصولية التي هي المعتمد الحق في بيان ما شذت به الإخبارية ، قال السيد البروجردي رضوان الله تعالى عليه في تقريرات بحثه :
" ما يظهر من الطائـفـة المنتـحلـة إلى الإمامية رضوان الله عليهم ، المعروفين بالإخبارية وهو عدم حجية ظواهر القرآن .
اعلم أن حجية ظواهر الكتاب كانت معروفة غير محتاج إلى الاستدلال ، لأنه كتاب نزل به الروح الأمين على قلبه صلى الله عليه وآله ليكون بشيرا ونذيرا للعالمين ، ويكون به هداية الناس والجنة أجمعين ، وبه انقلب الجهل إلى العلم في جزيرة العرب بحيث صار موردا لتعجب العقلاء والمتمدنين والفصحاء المتكلمين فلا شبهة أنه كتاب أنزل لإفهام المطالب الـحقة لجميع الناس وإيصالهم إلى الكمالات اللائقة بحالهم ولم يشك فيه أحد من الناس إلا شــرذمـة قـليـلـة من الذين أشرنا إليهم في صـدر الـعنـوان . وعمدة ما وجه أو يوجه به قولهم ونظرهم أمور خمسة : أحدها : كونه مشتملا على المضامين العالية التي لا تصل إليها إلا أفهام الأوحدي من الناس . وفيه : أولا …" . فبدأ رضوان الله تعالى عليه بتوجيه الأدلة لكسر مقالتهم الشاذة .

وقال السيد الحكيم رضوان الله تعالى عليه : " وأما ما ذهب إليه جمهور الإخباريين من عدم حجية ظواهر الكتاب ، فقد ذكر له في الكفاية وجوها خمسة : الأول : ما ورد من النصوص الدالة على أن القرآن لا يعرفه إلا أهله ومن خوطب به ، وهم النبي والأئمة عليهم أفضل الصلاة والسلام . الثاني : أن القرآن يحتوي على مطالب عالية شامخة ومضامين غامضة ، فلا يستطيع أن يفهمه كل أحد ، فان فيه علم كل شئ . ولا يستطيع كل أحد أن يصل بفكره إلى ما اشتمل عليه القرآن " .

وقال السيد محمد سعيد الحكيم حفظه الله تعالى وسدد خطاه في المحكم في أصول الفقه بعدما بين فساد أدلة الإخبارية : " وبـهذا يظهر حال بقية الوجوه التي استدل بـها للإخباريين ، فقد استدل لهم بوجوه كثيرة لا مجال للتعويل عليها بعد ما عرفت من إجـمـاع الأصحـاب وتسـالـمـهم على حجية ظواهر الكتاب . مع أنـها في أنفسها غير صالحة للاستدلال " .

وننقل هنا ما قاله أحد الأفاضل في كتابه دروس في أصول فقه الإمامية : " ومضافا إلى إن سيرة المسلمين في التعامل مع ظواهر القرآن بالأخذ بـها والاعتماد على مؤدياتـها دليل حجية ظهورات القرآن بخاصة . هذا هو رأي جمهور المسلمين بما يكاد يرقي إلى مستوى الضرورة ومنهم أصحابنا الأصولية من الإمامية ، وفي مقابل هذا الرأي ذهب أكثر الأخبارية من الإمامية إلى عدم جواز الأخذ بظواهر القرآن إلا عن طريق ما فسر به من أحاديث رويت عن أئمة أهل البيت عليهم السلام " .

وحيث أن الأصوليين لا ينعزلون عن روايات أهل البيت عليهم السلام حين استنباط الأحكام الشرعية من ظواهر القرآن فلا يظهر الخلاف واضحا بين المسلكين ، ويظهر في حال عدم وجود مانع من الروايات يمنع من التمسك بظهور الآيات القرآنية فحينها يعتمد الأصوليون على ظواهر القرآن لأنـها حجة في نفسها ، بخلاف الإخبارية ففي هذه الحالة لا يتمسكون بظواهر القرآن لأنـها ليست بحجة في نظرهم بدعوى أن عقولنا أقل شأنا من إدراك ظاهر كلام المولى عز وجل ، فتكون ظواهر الآيات من المتشابه ولا يسعهم حينها إلا الاسترجاع وتلاوة قوله تعالى { وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فأَمّا الَّذينَ في قُلوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وابْتِغاءَ تَأْويلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}(آل عمران/7).
قال في مصادر الاستنباط : " وقد أجاب المحدث الاسترآبادي عن عمل الإخباريين في الظواهر القرآنية مثل قوله تعالى {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}(المائدة/1) وقوله تعالى {أَوْ لاَمَسْتُمْ النِّسَاءَ}(النساء/43) وقوله تعالى {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ …}(المائدة/6) وفي ظواهر السنن النبوية مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ) حيث قال–أي المحدث- : نحن نوجب الفحص عن أحوالهما بالرجوع إلى كلام العترة الطاهرة عليهم السلام فإذا ظفرنا بالمقصود وعلمنا حقيقة للحال علمنا بـها وإلا أوجبنا التوقف والتثبت " .

ومن مبانيهم المسلمة القول بصحة كل الروايات الوارد في الكتب الأربعة أي الكافي ومن لا يحضره الفقيه والاستبصار والتهذيب ، فلا داعي لمناقشة السند فيها ، وهذا رأي غير مقبول عند الشيعة اليوم .

وهناك كثير من الأمور التي شذ بـها الإخبارية عن الجمهور ، وقد : " أنـهى الشيخ عبد الله بن صالح السماهيجي هذه الفروق إلى ثلاثة وأربعين فرقا ، وقد تتبع الشيخ يوسف البحراني هذه الفروق فاقتصر على ذكر ثمانية منها وأخذ بمناقشتها ، وانتهى إلى عدم وجود فرق جوهري بين الطرفين حيث قال : فلأن ما ذكروه من وجوه بينهما جلّـه أو كله لا يثمر فرقا في المقام . ولعل الشيخ البحراني قد بالغ في عدم الفرق فإن الفروق موجودة ، غير أنه قد شرح وجهة نظره بأن هذه الفروق لا توجب تشنيعا ولا قدحا لأنه نظير الاختلاف الحاصل بين علماء الطائفة . أما الشيخ جعفر كاشف الغطاء فقد ألف كتابا خاصا في هذا الموضوع أطلق عليه أسم ( الحق المبين في تصويب المجتهدين وتخطئة الأخباريين ) حيث ذكر الفروق فأنـهاها إلى ثمانين فرقاً وإذا انتقلنا إلى المحقق الخونساري فإننا نجده يذكر من الفروق تسعة وعشرين فرقا ، كما أنـهى محمد بن فرج الله الدسقوري هذه الفروق إلى ستة وثمانين فرقا وأغلب ما ذكر هو في الفروع التي يختلف فيها الأصوليون أنفسهم فلا تشكل فروقا حقيقية " .
وما ذهب إليه الإخبارية فُند بأدلة أقامها محققو الطائفة المحقة رضوان الله تعالى عليهم ، وهنا يمكننا القول إن الإخبارية لهم أصولهم وعالمهم الخاص في التعامل مع الأدلة والمغاير لما عليه جمهور الشيعة ، ونادرا ما تجدهم في حالة وفاق ، حتى أن بعضهم كان يتهجم على البعض الآخر بشدة وحدة غريبتين!
والأصوليون بطابع عام يتبرؤون من أفكار هذا التيار ، ولا بأس هنا بنقل تقييم الشهيد مطهري رضوان الله تعالى عليه لهذه المباني والمرتكزات التي قام عليها التيار الإخباري :
" قبل أربعة قرون تقريبا ظهرت بيننا نحن الإمـامية فرقة باسم الفرقة الإخبارية ، وهي في قبال الأصولية القائلة بالاجتهاد ، وقد سيطرت على أفكار الناس ما يقارب القرنين أو الثلاثة قرون ، ولم تترك عملا شنيعا إلا وارتكبته من إشعال حربٍ وقتل وأمثالـهما ، أما اليوم فان عدد الإخباريين قليل جدا " .
وقال رضوان الله تعالى عليه : " هذا هو التيار الإخباري وتعصبه الأحمق اللامحدود الذي جعل أصحابه يعتبرون الصحيح والضعيف من الأحاديث على حدٍّ سواء ، إنّه تيار فكري خطر ظهر في دنيا الإسلام ، وتـمخض عن جمود فكري لا زلنا نعاني من تبعاته إذ سرت عدواه إلى أوساطنا " .


 القائلون بالتحريف من هم ؟
على ضوء اعترافات بعض علماء الإخبارية نتوصل إلى أن هؤلاء النفر الذين قالوا بتحريف القرآن من الشيعة هم بعض الإخبارية لا كلهم ، وعدد من نسب إليه الوهابية–مع تتبعهم- تحريف القرآن لا يزيد عن عشرة ونيف ما بين من تيقنا بصحة النسبة إليه ومن لم نتيقن منها لغرابة بعض تلك الأسماء التي لم نسمع بـها من قبل ولعدم توفر المصادر ، ولا نستطيع الوثوق بما ادعاه الوهابية لما سيأتي من بيان مدى مصداقيتهم .


( يتبع )