عرض مشاركة مفردة
  #6  
قديم 16-07-2002, 09:17 PM
shaltiail shaltiail غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2001
المشاركات: 342
إفتراضي


 كيف توصلوا لتلك الفجيعة ؟

ليس من العجب عند من نظر في مباني الإخبارية أن بعضهم قال بتحريف القرآن ، فإن الركون والاقتصار على الأخبار على ما في بعضها من نقل للتحريف ، والتساهل الشديد بوثاقة الرواة ، والقطع بصحة ما في الكتب الأربعة ، وكذا القول بعدم حجية ظواهر القرآن حتى لا يصح التمسك بالآيات التي تتعهد بنفي التحريف عن القرآن ، كل هذه تجعل القول بتحريف القرآن أمرا متوقعا لا غرابة فيه ، فكل من ينسج على نولـهم ويلتزم بمبانيهم ليس له إلا التسليم بما دل على التحريف من الروايات بلا أي عرض على مقاييس القبول والرفض ، فزمام الحكم على القرآن كان بيد الروايات على ما فيها من وضع ودس وضعف !
ولنذكر هنا كيفية تجاوزهم للاعتراضات والعقبات التي وقفت أمام قول بعضهم بتحريف القرآن :

1- تأويلهم للآيات النافية للتحريف

ولم تستطع الآية الكريمة {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(الحجر/9) ثنيهم عما ادعوه لذهابـهم إلى عدم حجية ظواهر القرآن بدعوى أن كلام الله تعالى أعز من أن تناله وتدركه عقولنا ! فصار الظاهر من المتشابه الذي يوكل أمره إلى الله ، والآية الكريمة من هذا النحو ، فيجب أن يرجع إلى الروايات لمعرفة معناه ، والروايات التي فيها ما فيها تقول إن القرآن محرف ، فيجب تأويل الآية المباركة !
وحتى لو قالوا بحجية الظاهر فقد نوقشت دلالة ظاهر الآية الكريمة على حفظ القرآن من التحريف ، فقال أحدهم :
" وفيه أنّ كون أصل القرآن الذي نزل به الروح الأمين على خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم محفوظا عند الأئمة الذين هم خزّان علم الله وكهوف كتبه ، يكفي في صدق الآية ولا دلالة فيها على كون ما بأيدينا محفوظا كما لا يخفى ، مضافا إلى احتمال أن يكون المراد أنه سبحانه يحفظه إلى آخر الدهر بأن بعث جماعة يحفظونه ويدرسونه ويشهرونه بين الخلق ، فتحفظه الأمة وتناولته الأيدي قرنا بعد قرن إلى يوم القيامة لقيام الحجة به على الخلق وكونه معجزة النّبوة . وهذا كله بعد الغضّ عن رجوع الضمير في {لَهُ} إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وإلا كما ذهب إليه الفرّاء فيسقط الاستدلال رأساً ، قال ابن الأنباري : لما ذكر الله الإنزال والمنـزِّل والمنـزَّل دلّ ذلك على المنـزَّل عليه ، فحسنت الكناية عنه لكونه أمرا معلوماً كما في قوله {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ }(القدر/1) ، فإن عود الضمير إلى القرآن مع عدم تقدّم ذكره لكونه معلوما من المقام ".

توجيههم الأول هو ما اعتمدوا عليه ، فان ظاهر الآية غاية ما يدل عليه هو تعهد الله عز وجل بصيانة القرآن من التحريف ولكنها ساكتة عن شخص هذا القرآن والمصحف الذي تكفل المولى بحفظه ، فلا يلزم من التسليم بدلالة الآية على صيانة القرآن من التحريف أن يكون هذا الحفظ لجميع مصاحف المسلمين بل يكفي حفظ القرآن عند إمام المسلمين وقائدهم حتى يتحقق عنوان الحفظ في الآية الكريمة ، وعلى قولهم يكون الله عز وجل قد تعهد بحفظ القرآن عند المستودع للشريعة وهو الإمام المعصوم في كل زمان ، ففي أول الأمر كان عند الإمام علي عليه السلام ومنه إلى الحسن ثم الحسين وهكذا إلى أن استقر الآن عند صاحب العصر الإمام المهدي عليه وعليهم السلام ، والآية أجنبية عن التعهد بحفظ القرآن عند جميع الناس وفي كل مصاحف المسلمين ، فلا تعارض بين روايات التحريف والآية الكريمة .

وكذا لم تثنهم الآية الكريمة {لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}(فصلت/42). عن مدعاهم ، فقالوا ردا على من استدل بالآية على أن ورود التحريف فيه يعني إتيانه الباطل :
" وفيه أن المراد بالآية أنّه ليس في إخباره عمّا مضى باطل ، ولا في إخباره عمّا يكون في المستقبل باطل ، بل أخباره كلّها موافقة لمخبراتـها ، رواه الطبرسي في مجمع البيان عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام ، وفي تفسير القمي عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال : {لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ} من قِبل التوراة ولا من قِبل الإنجيل والزبور {وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ} لا يأتيه من بعده كتاب يبطله ".
وهكذا لم يثبت القرآن الكريم صيانة القرآن من التحريف في نظرهم ، وصار القول الفصل للروايات .

2- تأويلهم للروايات النافية للتحريف

وفي المقابل توجد بعض الروايات التي يلزم من الأخذ بظاهرها نفي التحريف عن القرآن ، كالروايات التي تأمر بعرض الأخبار المنسوبة لأهل البيت عليهم السلام على القرآن فما وافق القرآن قاله أهل البيت عليهم السلام وما خالفه يضرب به عرض الجدار ، وسنرى أن هذه الروايات صريحة في كون القرآن هو القيّم والميزان لتمييز صحة الرواية من سقمها ، بعد علم أهل البيت عليهم السلام بإطّناب الكذب والافتراء عليهم ، فلم يكن إمامٌ إلا وله كذاب يكذب عليه كما ورد في الرواية ، فلا ريب في وجود كثير من الزخرف الملبس والباطل المموه وهو وليد الوضع والاختلاق ، ولكن بعض الإخبارية قاموا بتأويل الروايات النافية للتحريف وصرفها عن ظاهرها لتتوافق مع روايات التحريف ! وهاك نبذة مما أوّلوه على خلاف ظاهره ليتسنى لهم التوفيق بينها وبين روايات التحريف :

عن أيوب بن الحر قال : " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : كل شئ مردود إلى كتاب الله والسنة ، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف ".

عن كليب بن معاوية الأسدي : " عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ما أتاكم عنا من حديث لا يصدقه كتاب الله فهو باطل ".

عن الهشامين جميعا وغيرهما قال : " خطب النبي صلى الله عليه وآله فقال : أيها الناس ما جاءكم عني يوافق كتاب الله فأنا قلته ، وما جاءكم يخالف القرآن فلم أقله " .

عن أيوب : " عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إذا حدثتم عني بالحديث فأنحلوني أهنأه وأسهله وأرشده فان وافق كتاب الله فأنا قلته ، وإن لم يوافق كتاب الله فلم أقله " .

وحدثني الحسين بن أبي العلاء أنه حضر ابن أبي يعفور في هذا المجلس قال : " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن اختلاف يرويه من يثق به ، فقال : إذا ورد عليكم حديث فوجدتموه له شاهد من كتاب الله أو من قول رسول الله صلى الله عليه وآله ، وإلا فالذي جاءكم به أولى ".

عن النوفلي عن السكوني : " عن أبي عبد الله عن آبائه عن علي عليهم السلام قال : إن على كل حق حقيقة وعلى كل صواب نورا فما وافق كتاب الله فخذوا به وما خالف كتاب الله فدعوه ".

عن هشام بن الحكم : " عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله - في خطبة بمنى أو مكة - : يا أيها الناس ما جاءكم عني يوافق القرآن فأنا قلته ، وما جاءكم عني لا يوافق القرآن فلم أقله ".

عن محمد بن مسلم قال : " قال أبو عبد الله عليه السلام : يا محمد ما جاءك في رواية من بر أو فاجر يوافق القرآن فخذ به ، وما جاءك في رواية من بر أو فاجر يخالف القرآن فلا تأخذ به ".

عن سدير قال : " قال أبو جعفر وأبو عبد الله عليهما السلام : لا تصدق علينا إلا بما يوافق كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه واله ".

عن الحسن بن الجهم " : عن العبد الصالح عليه السلام قال : إذا كان جاءك الحديثان المختلفان فقسهما على كتاب الله وعلى أحاديثنا ، فإن أشبههما فهو حق ، وإن لم يشبههما فهو باطل " .

وهذه الروايات تتصادم مع القول بتحريف القرآن إذ من غير المعقول أن يُجعل المحرف والمتلاعب به ميزانا لبيان صحة الأخبار وسلامتها من التحريف ، وكذا الحال في حديث الثقلين المتواتر الذي أُمِر المسلمون به بالتمسك بالقرآن والعترة لأن من تمسك بـهما عصم من الضلالة ، ومن غير المعقول أن نعصم من الضلالة مع تمسكنا بالمحرف والمبدل ! ، ولكن كل هذا لم يجد نفعا عندهم ، فقد قال السابق عن الاستدلال بحديث الثقلين :

" أما الطائفة الأولى فلا دلالة فيها على المُدعى أصلا ، لأنه صلى الله عليه وآله وسلم قد كان أمرنا بالاتباع بالكتاب والعرض عليه ولم يتطرق عليه تحريف يومئذ ، كما أمرنا باتباع أهل بيته وعترته وأخذ الأحكام عنهم والاقتباس من أنوارهم ، وإنما طرأت السوانح بعدما اختار الله سبحانه له صلى الله عليه وآله وسلم لقائه فمنع المكلفون على أنفسهم اللطف بسوء اختيارهم ، وغيّروا كتاب الله ونبذوه وراء ظهورهم ، كما تركوا العترة وصاروا سببا لاعتزالهم وتشريدهم إلى أن انتهى الأمر إلى الغيبة الكبرى ، فكما أن غيبة الإمام عليه السلام واعتزال الأئمة وقصور اليد عن التمسك بـهم وأخذ الأحكام عنهم الناشئ من سوء فعل المكلفين لا منافاة له مع أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالتمسك ، فكذلك قصور اليد عن اتباع القرآن المنـزل على ما هو عليه لا ينافي أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم باتّباعه والتمسك به ، بل نقول : إن أمره صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن إلا لأجل أن لا يفعلوا في كتاب الله ما فعلوه لم يكن إلا لأجل أن لا يفعلوا في كتاب الله ما فعلوه ، وإن لا يقصروا في حقّ الآل ما قصروا ".

وقال ردا على الروايات التي تأمر بعرضها على القرآن :" وأما الطائفة الثانية فلا دلالة فيها أيضا ، لانا نقول : إن الأئمة عليهم السلام إنما أمرونا بالرجوع إلى هذا الكتاب الموجود بأيدينا مع ما هو عليه من التحريف والنقصان لأجل التقية والخوف على أنفسهم وشيعتهم ، فيكون ما استفدناه حكما ظاهريا بالنسبة إلينا فافهم " .
وردّ دلالة روايات العرض بوجه آخر وهو : " إن أهل بيت العصمة سلام الله عليهم لعلمهم بعدم طرو التحريف على آيات الأحكام رخصونا في الرجوع والعرض ، فبملاحظة ترخيصهم يحصل لنا القطع بكونـها محفوظة عن الخلل أو أنـهم رخّصونا في ذلك ، لعلمهم بأنّه ليس في الساقط ما يرجع إليه أو يعرض عليه إلاّ وفي الثابت ما يقوم مقامه " .

وعلى هذا فلا قرآن يثبت عندهم صيانة القرآن من التحريف ولا الروايات تثبت ذلك ، وكثير من الروايات في كتب أهل لا إله إلا الله من أهل السنة والشيعة تقول بتحريف القرآن ، فلا عجب إن قالوا بوقوع التحريف في كتاب الله عز وجل !