عرض مشاركة مفردة
  #64  
قديم 18-07-2002, 09:26 AM
FATIMA..2 FATIMA..2 غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2002
المشاركات: 35
إفتراضي

حقيقتان مهمّتان



إنّ قيل : إنّ الروايات التي ظاهرها نقصان القرآن ، أو وجود اللحن فيه ، مخرّجةٌ في كتب الصحاح عن بعض الصحابة ، وإنّ تكذيبها وإنكارها قد يوجب الطعن في صحّة تلك الكتب ، أو في عدالة الصحابة . نقول :
أولاً : إنّ القول بصحّة جميع الاَحاديث المخرّجة في كتابي مسلم والبخاري ـ وهما عمدة كتب الصحاح ـ وأنّ الاَُمّة تلقّتهما بالقبول ، غير مسلّم ، فلقد تكلّم كثير من الحفاظ وأئمة الجرح والتعديل في أحاديث موضوعةٍ وباطلةٍ وضعيفةٍ ، فتكلّم الدارقطني في أحاديث وعلّلها في (علل الحديث) ، وكذلك الضياء المقدسي في (غريب الصحيحين) ، والفيروز آبادي في (نقد الصحيح) وغيرهم ، وتكلّموا أيضاً في رجال رُوي عنهم في الصحيحين ، وهم مشهورون بالكذب والوضع والتدليس . وفيما يلي بعض الارقام والحقائق التي توضّح هذه المسألة بشكل جليّ :
1 ـ قد انتقد حفّاظ الحديث البخاري في 110 أحاديث ، منها 32 حديثاً وافقه مسلم فيها ، و 78 انفرد هو بها .
2 ـ الذي انفرد البخاري بالاخراج لهم دون مسلم أربعمائة وبضعة وثلاثون رجلاً ، المتكلّم فيه بالضعف منهم 80 رجلاً ، والذي انفرد مسلم بالاخراج لهم دون البخاري 620 رجلاً ، المتكلّم فيه بالضعف منهم 160 رجلاً .
3 ـ الاَحاديث المنتقدة المخرّجة عندهما معاً بلغت 210 حديثاً ، اختصّ البخاري منها بأقلّ من 80 حديثاً ، والباقي يختصّ بمسلم .
4 ـ هناك رواة يروي عنهم البخاري ، ومسلم لا يرتضيهم ولا يروي عنهم ، ومن أشهرهم عكرمة مولى ابن عباس .
5 ـ وقع في الصحيحين أحاديث متعارضة لا يمكن الجمع بينها ، فلو أفادت علماً لزم تحقّق النقيضين في الواقع ، وهو محال ، لذا أنكر العلماء مثل هذه الاَحاديث وقالوا ببطلانها .
وقد نصّ ببعض ما ذكرناه أو بجملته متقدّمو شيوخهم ومتأخروهم ، كالنووي والرازي وكمال الدين بن الهمّام ، وأبي الوفاء القرشي ، وأبي الفضل الاَدفوي ، والشيخ عليّ القاري ، والشيح محبّ الله بن عبد الشكور، والشيخ محمّد رشيد رضا ، وابن أمير الحاج ، وصالح بن مهدي المقبلي ، والشيخ محمود أبو ريّة ، والدكتور أحمد أمين ، والدكتور أحمد محمّد شاكر وغيرهم، معترفين ومذعنين بحقيقة أنّ الاَُمّة لم تتلقَّ أحاديث الصحيحين بالقبول ، أو أنّه ليس من الواجب الديني الاِيمان بكلّ ما جاء فيهما ، فتبيّن أنَّ جميع القول بالاجماع على صحّتهما لا نصيب له من الصحّة .
قال أبو الفضل الاَدفوي : «إنّ قول الشيخ أبي عمرو بن الصلاح : إنّ الاَُمّة تلقّت الكتابين بالقبول ؛ إن أراد كلّ الاَُمّة فلا يخفى فساد ذلك . وإن أراد بالاَُمّة الذين وجدوا بعد الكتابين فهم بعض الاَُمّة . ثمّ إن أراد كلّ حديث فيهما تُلقّي بالقبول من الناس كافّة فغير مستقيم ، فقد تكلّم جماعة من الحفّاظ في أحاديث فيهما ، فتكلّم الدارقطني في أحاديث وعلّلها ، وتكلّم ابن حزم في أحاديث كحديث شريك في الاِسراء ، وقال : إنّه خلط، ووقع في الصحيحين أحاديث متعارضة لا يمكن الجمع بينها ، والقطع لا يقع التعارض فيه» (1).
وقال الشيخ محمد رشيد رضا : «ليس من أُصول الدين ، ولا من أركان الاِسلام ، أن يؤمن المسلم بكلّ حديث رواه البخاري مهما يكن موضوعه، بل لم يشترط أحد في صحّة الاِسلام ، ولا في معرفته التفصيلية ، الاطلاع على صحيح البخاري والاقرار بكلّ ما فيه» (2).
فاتّضح أن ما يروّجه البعض من دعوى أنّ أحاديث نقصان القرآن ووجود اللحن فيه ، مخرجةٌ في الصحاح ، ولا ينبغي الطعن فيها ، ممّا لاأساس له ؛ لاَنّه مخالف للاجماع والضرورة ، ومحكم التنزيل ، فليس كلّ حديثٍ صحيحٍ يجوز العمل به ، فضلاً عن أن يكون العمل به واجباً ، ورواية الاَخبار الدالّة على التحريف غير مُسلّمة عند أغلب محقّقي أهل السنة إلاّ عند القائلين بصحّة جميع ما في كتب الصحاح ، ووجوب الاِيمان بكلّ ما جاء فيها ، وهؤلاء هم الحشوية ممّن لا اعتداد بهم عند أئمّة المذاهب .
ثانياً : دعوى الاجماع على عدالة جميع الصحابة باطلةٌ لا أصل لها ، إذ إنّ عمدة الاَدلّة القائمة على عدالتهم جميعاً ما روي أنّه صلى الله عليه وآله وسلم قال : «أصحابي كالنجوم ، بأيّهم اقتديتم اهتديتم » . وقد نصّ جمعٌ كبيرٌ من أعيان أهل السنة على أنّه حديثٌ باطلٌ موضوعٌ (3)، هذا فضلاً عن معارضته للكتاب والسُنّة والواقع التاريخي ، فقد نصّت كثيرٌ من الآيات القرآنية على أنّ بعض الاَصحاب ممّن هم حول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم خلال حياته ، كانوا منافقين فسقة ، كما في سورة التوبة وآل عمران والمنافقون ، ونصّت بعض الآيات على ارتداد قسم منهم بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم كقوله تعالى : ( أفَإن ماتَ أو قُتِلَ انْقَلَبْتُم على أعْقَابِكُم ) ( آل عممران 3: 144) ، وممّا يدلّ على ارتداد بعضهم بعده صلى الله عليه وآله وسلم حديث الحوض : « أنا فرطكم على الحوض ، ولاَنازَعَنّ أقواماً ثمّ لاَُغْلَبَنّ عليهم ، فأقول : يا ربِّ أصحابي . فيقال : إنّك لاتدري ما أحدثوا بعدك » (4) ، وقد عدّه الزبيدي الحديث السبعين من الاَحاديث المتواترة ، حيث رواه خمسون نفساً (5)، كما قامت الشواهد على جهل كثير من الاَصحاب بالقرآن الكريم والاحكام الشرعية ، كما أنّ بعضهم تسابّوا وتباغضوا وتضاربوا وتقاتلوا ، وحكت الآثار عن ارتكاب بعضهم الكبائر واقتراف السيئات كالزنا وشرب الخمر والربا وغير ذلك .
قال الرافعي : «لا يتوهمنّ أحدٌ أنّ نسبة بعض القول إلى الصحابة نصّ في أنّ ذلك القول صحيحٌ البتّة ، فإنّ الصحابة غير معصومين ، وقد جاءت روايات صحيحة بما أخطأ فيه بعضهم في فهم أشياء من القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذلك العهد هو ماهو» (6).


===========
(1) التحقيق في نفي التحريف : 312 .
(2) تفسير المنار 2 : 104 ـ 105 .
(3) أُنظر: لسان الميزان 2 : 117 ـ 118، 137ـ 138 ، ميزان الاعتدال 1 : 413 كنز العمال 1 : 198 | 1002 ، نظرية عدالة الصاحبة : 20 . الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية : 463 ـ 514 .
(4) صحيح البخاري 9 : 90 | 26 ـ 29 ، صحيح مسلم 1 : 81 | 118 ـ 120 و 4 : 1796 | 32 ، مسند أحمد 5 : 37 و 44 و 49 و 73 ، سنن الترمذي 4 : 486 | 2193 ، سنن أبي داود 4: 221 | 4686 . والآية من سورة آل عمران 3 : 144 .
(5) التحقيق في نفي التحريف : 342 .
(6) اعجاز القرآن : 44 .

===========





إذن فنسبة أحد الاَقوال الدالّة على تحريف القرآن إلى أحد الصحابة ، لا تعني التعبّد به ، أو التعسّف في تأويله ، بل إنّ إمكانية ردّه وإنكاره قائمةٌ مادام شرط عدالة الجميع مرفوعاً