[وليد الظهران]

في ساعةٍ مبكرة من كل فجر .. أهرعُ إلى صندوق بريدي لعلّ نسائم الليل تلطفت بي و أهدتني شيئاً منكِ ..

.. وجدتُ أشياء كثيرة .. صقيع متجمد .. بقايا قش .. ذرات غبارٍ ..

.. لم أجدكِ ..

.. لم أعرف أنكِ كل تلك القسوة .. وكل ذلك الحنان ..

.. بربك .. كيف عرفتكِ .. و ما عرفتكِ .. ؟
.
.
.
.. هأنذا أجلس لذات الكرسي الذي جلستُ عليه من تاريخ رسالتي السابقة ..

.. الصيف أصبح لطيفاً الآن ..

.. و أيلول على الأبواب ..

.. تتسرب من بواباته .. لفحات من برد ..

.. تُنذر بشتاء قارسٍ هذه السنة ..

.. لمَ أصبح الشتاء قارساً منذُ رحلتِ .. ؟

.. لا أرغبُ في إثارة شفقتك علىّ برسائلي هذه .. لكنها كل ما تبقى مني ..

.. فاقبليها نزفاً لقلبي .. و احرقيها بعد ذلك و لا تذكريني ..

.. أو .. اذكريني ..

.. أقبلُ أن لا تخبريني أنك تذكرينني كما أنني أتنفس ذكراك حياة ..

.. لكن لا تقسي علىّ ..

.. لا تقسي على من جعلتيه يُولد من جديد فوق الغيوم .. ليرى شمساً ما رآها إلا ذلك اليوم .. حين رآك ..

.. أنا وليدك .. ذلك من تعلم أبجديات الجمال على يديك ..

.. و سقيته .. حروف الحياة .. اكسيراً ..

.. حوّل كل ما حوله لحلمٍ وردي جميل ..

.. فأينعت الأزهار من بين يديه ..

.. و أصبحت الأشياء من حوله تضج بالحياة ..

.. حتى الكرسي في الحديقة ..

.. أتذكرينه .. ؟ ..

.. أتذكرينَ أمسياتنا في الحديقة .. ؟ ..

.. الكرسي يحن إليك ..

.. منذ رحيلك بدأ يتخشب ليفقد الحياة ..

.. و زهور الشرفة .. تحّنُ إليك ..

.. و قهوتنا .. لا زلتُ أحتفظُ بفنجانك المفضل ..

.. و لا زلتُ أملأهُ بالقهوة التي تُفضلين في موعدنا المحدد ..

.. أتذكرينه موعدنا .. ؟ ..

.. هل أَََخبركِ الأفق .. أن كل طيوري مهاجرةٌ إليك .. ؟ ..

.. و أنني لا زلتُ ألتحف الحنين .. و الصمت ..

.. و الشوق إليك ..

.. و قد رافقتني الغربة منذ فقدتُ عناوينك ..

.. و أَصبحتْ ظلي الذي لا يفارقني ..

.. و سكنتني الوحشة ..

.. احتلت كياني تنهشني ..

.. و أنا لا حول لي و لا قوة ..
.
.
.. فترفقي بي ..

.. لا تجعليني .. أموتُ غريباً ..