عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 17-09-2002, 12:10 AM
نوفان العجارمة نوفان العجارمة غير متصل
عضو مشارك
 
تاريخ التّسجيل: May 2001
المشاركات: 876
إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى نوفان العجارمة
إفتراضي

ومن الصعب ان نتصور بلدا في الشرق تتمتع الدوائر الحكومية فيه بحماية الاجهزة الخاصة الاجنبية بصورة كاملة، يخلو من اي مصادر للمعلومات فيها، ويستثنى تماما ـ وتقود الى هذا الاستنتاج خبرتي الشخصية في ادارة جهاز المخابرات الخارجية الروسي ـ احتمال عدم قيام اي جهاز أمني بتسليم الامريكيين المعلومات الواردة اليه بشأن الاستعداد لتنفيذ عمليات ارهابية في اراضي الولايات المتحدة.
كما ينبغي ألا ننسى بأن التحضير للأفعال الاجرامية تواصل على مدى فترة طويلة، ولربما اكثر من عام. فقد جرى جمع الموارد المالية، وتم تدريب الارهابيين ـ الانتحاريين على قيادة طائرات الركاب، اذ لا يسمح لكل فرد بتلقي هذا التدريب، كما لا يتمتع كل فرد بالقدرة على اتقان قيادتها بنجاح. زد على ذلك وجوب تزييف الوثائق اللازمة التي لا تثير أي شبهات، وهو ايضا عمل حثيث وخصوصي. وكقاعدة فإن حاملي هذه الوثائق يتنقلون ويتكيفون مع الاوضاع اثناء ترحالهم من بلد الى آخر.
ووجب اشراك عدد كبير من المساعدين لدى تخطيط العملية وتنفيذها: بالتسلل الى داخل عدد من المطارات الامريكية، وعبور حواجز الرقابة والتفتيش لدى صعود الطائرات، واختطافها في وقت واحد عندما تكون في الجو، حيث اختطف ما لا يقل عن اربع طائرات بركابها (لربما كانت لديهم النية لاختطاف عدد اكبر منها)، وتجنب رقابة رادارات المطارات وتوجيه الضربات في آن واحد الى الاهداف المقررة سابقا. وقد جرى هذا كله بدون اي تسرب للمعلومات. ان مثل هذه المنظمة السرية لا بد ان تكون قوية وكثيرة العدد ويتوفر لها الدعم المالي وتعمل بصورة مستقلة ذاتيا.
ويقوم مكتب التحقيقات الفيدرالي الامريكي وغيره من الاجهزة الخاصة باستجواب الاعضاء المفترضين لهذه المنظمة التي اثبت الامريكيون ان رئيسها الموجه لها هو اسامة بن لادن ـ المليونير السعودي الاصل الذي عاش في افغانستان في عهد حكم طالبان. وفي اغلب الظن ان الامريكيين سينشرون في نهاية المطاف ما لديهم من مواد، ومنها حصيلة استجواب اعضاء «القاعدة» التابعة لبن لادن. وبعد اعتقال رجال العصابات في اثناء العملية في افغانستان نقلوا الى القاعدة العسكرية الامريكية «جوانتانامو» في الاراضي الكوبية. وانا آمل ألا تستخدم هذه المعطيات بصورة مصطنعة ضد دولة «مارقة» ما، وان تؤكد الاستقلالية الذاتية لهذه المنظمة الاجرامية.
تؤكد قصة زعيم التنظيم الذي نفذ العملية الارهابية في 11 سبتمبر وسيرة حياته ايضا الاكتفاء الذاتي لهذا التنظيم واستقلاله الذاتي.
فقد ولد اسامة بن محمد بن لادن في 28 يونيو عام 1957 في المملكة العربية السعودية، وكان الابن السابع عشر من مجموع 52 طفلا انجبهم رجل الاعمال الناجح الذي اسس في عام 1931 شركة «سعودي بن لادن جروب». وتحولت الشركة تدريجيا الى مؤسسة متفرعة استولت على مواقع وطيدة في صناعة الكيماويات والاعمال المصرفية والاتصالات السلكية واللاسلكية وبواسطة الاقمار الصناعية. وكان لدى هذه المؤسسة في مطلع القرن الحادي والعشرين اكثر من 60 فرعا وشركة تابعة في آسيا واوروبا والولايات المتحدة الامريكية.
وورث الابن الوحيد لزوجة محمد العاشرة بعد وفاة والده مبلغ 250 مليون دولار. وفي غضون عشرين عاما زاد اسامة هذا المبلغ مثنى وثلاثا على اقل تقدير، بالاضافة الى حصوله على الفوائد الكبيرة التي كان يتلقاها بموجب العادات السعودية الراسخة في الصفقات الانشائية للاسرة. ولذا كانت الامكانيات المادية لاسامة بن لادن كافية من اجل تأسيس التنظيم وتجهيزه وتشغيله.
وتبدو كمفارقة مشاركة الاجهزة الخاصة الامريكية في قيام ونشوء بن لادن وتنظيمه.
وتتوفر المسوغات للاعتقاد بأنها بدأت التعامل مع بن لادن حينما كان يطلب العلم في جامعة الملك عبد العزيز في جدة. على اي حال فانه كان على اتصال بوكالة المخابرات المركزية حين انخرط بعد انتهاء الدراسة في محاربة الجنود الروس في افغانستان. ولا تكمن المسألة فقط في مشاركته في العمليات العسكرية. فقد اتسم بقيمة اكبر بالنسبة الى من كان يسعى الى ازدياد تورط الاتحاد السوفيتي في افغانستان. نشاط بن لادن في تأسيس «مكتب الخدمات» الذي افتتح مراكز تطوع في مختلف البلدان من اجل رفد صفوف المقاتلين الذين كانوا يحاربون القوات السوفيتية في افغانستان. وافتتح أحد هذه المراكز في الولايات المتحدة. وقام المكتب بتجنيد وارسال آلاف المتطوعين الى افغانستان، وبافتتاح معسكرات تدريب عسكري في اراضي افغانستان وباكستان. وتفيد بعض المصادر بان بن لادن كان صاحب فكرة تسليح المجاهدين الافغان بصواريخ «ستينجر» حيث بدأت الولايات المتحدة بارسالها الى افغانستان واستخدمت ضد الطائرات والمروحيات السوفيتية.
وعموما فقد اكتشفته الاجهزة الخاصة الامريكية وتعاونت معه بشكل وثيق، مسترشدة في ذلك الوقت بمبدأ «عدو عدوي هو صديقي» وفي بعض الحالات كان الاتحاد السوفيتي يسترشد بهذا المبدأ ايضا.
لكن تبين ان التنظيمات العسكرية التي تأسست في البلدان الاخرى او حظيت بالدعم فحسب في فترة «الحرب الباردة» من اجل استخدامها في المواجهة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، كانت غير مستقرة في غالبية الحالات وبعد انتهاء «الحرب الباردة» اصبحت خارج السيطرة. وهذا ما حدث لتنظيم القاعدة الذي اسسه بن لادن في عام 1987. وفي البداية اقتصر نشاطه على داخل حدود افغانستان، ولكن بعد انسحاب القوات السوفيتية من هناك في عام 1987 تحولت «القاعدة» الى منظمة معادية لامريكا. وأخذ ينضم اليها ليس العرب فقط، بل المسلمون من اتباع مذهب السنة عموما. وفي فبراير عام 1998 دعت «القاعدة» في احد بياناتها جميع المسلمين الى قتل المواطنين الامريكيين في كل مكان ـ من عسكريين ومدنيين ـ وحلفائهم.
ان هذا الانعطاف بمقدار 180 درجة هو صفة مميزة ليس بالنسبة الى «القاعدة» فقط. فلم تنج من ذلك بعض الجماعات الاخرى المدرجة الآن في كشف المنظمات الارهابية. فمثلا، شكلت المخابرات الاسرائيلية «موساد» في الضفة الغربية المحتلة في حينه حركة «حماس» الفلسطينية بهدف مقابلتها بـ «جبهة تحرير فلسطين» ولكن سرعان ما خرجت «حماس» من الوصاية الاسرائيلية وغيرت اتجاهها كليا.
لقد اكتسبت «القاعدة» بسرعة خبرة تنفيذ العمليات الارهابية. وتوسعت رقعة مناطق الارهاب فشملت اليمن والصومال والولايات المتحدة (التفجير في المركز التجاري). وفي اغسطس عام 1998 وقعت بشكل متزامن انفجارات في سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي عاصمة كينيا وفي دار السلام عاصمة تنزانيا، مما اسفر عن مقتل اكثر من مائتي شخص وجرح حوالي اربعة آلاف شخص. ورحب بن لادن بهذه العمليات جهارا، لكنه لم يعترف صراحة في اي مكان بأن «القاعدة» قامت بتدبيرها. علما ان بن لادن وتنظيمه يختلفان في هذا عن البقية الذين يعلنون فور وقوع العملية الارهابية مسؤوليتهم عنها، لاظهار انهم اقوياء «يقدرون على عمل اي شيء». وباعتقادي ان الاكتفاء الذاتي لتنظيم «القاعدة» وعدم اهتمامه بمصادر التمويل «الخارجية» قد ساعدا لحد كبير على ابداء مثل «ضبط النفس» هذا في مجال الاعلان والدعاية.
علما ان الاحداث نفسها كانت تدفع «القاعدة» الى الاكتفاء الذاتي والاستقلال الذاتي، الكثيرون قائلين ان بن لادن له ارتباطات بالمملكة العربية السعودية، حقا، لقد جرى في فترة وجود القوات السوفيتية في افغانستان، تنسيق نشاطه مع الرياض، ولكن بعد تحول بن لادن الى محاربة الولايات المتحدة تقلص الى ادنى حد مجال تطابق مصالحه مع النظام السعودي. زد على ذلك فإن النظام في المملكة العربية السعودية الذي كان يساوره القلق من رد الفعل المحتمل من جانب الولايات المتحدة عمد الى طرد بن لادن من البلاد (كان يومئذ قد عاد اليها في اعقاب انسحاب القوات السوفيتية من افغانستان). واضطر بن لادن الى ان يغادر السودان ايضا والذي انتقل اليه من المملكة العربية السعودية، لان الخرطوم لم ترغب ايضا في التعرض الى المشاكل بسببه.
ومن الواضح بانه لم يكن بالمستطاع قيام علاقات ثقة بين بن لادن والعراق. فبعد احتلال القوات العراقية للكويت عرض بن لادن وليس اي أحد غيره على القيادة السعودية في عام 1990 ان يرسل لمحاربة صدام حسين الالاف من رجاله الذين فقدوا «العمل» نتيجة انسحاب القوات السوفيتية من افغانستان.
كما ان ايران ما كان يمكن ان تغدو شريكة لاسامة بن لادن لان زعيم «القاعدة» كان يؤيد جماعة طالبان السنية في قتالها ضد التحالف الشمالي ذي الاغلبية الشيعية. علما ان ايران الشيعية كانت تتخذ موقف المعارضة المتشددة وتحارب تنظيم «القاعدة».
__________________
دائما الحقيقة موجودة في مكان ماء .
ـــــــــــــــــــــــــــ
nofan_71@yahoo.com