عرض مشاركة مفردة
  #6  
قديم 17-09-2002, 12:58 PM
عمر مطر عمر مطر غير متصل
خرج ولم يعد
 
تاريخ التّسجيل: Feb 2000
المشاركات: 2,620
إفتراضي

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في الفتاوى (28/146) وأمور الناس تستقيم مع العدل الذي فيه الاشتراك في أنواع الإثم : أكثر مما تستقيم مع الظلم في الحقوق وإن لم تشترك في إثم ، ولهذا قيل : إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ، ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة ، ويقال الدنيا تدوم مع العدل والكفر ، ولا تدوم مع الظلم والإسلام ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (ليس ذنب أسرع عقوبة من البغي وقطيعة الرحم) فالباغي يصرع في الدنيا وإن كان مغفوراً له مرحوماً في الآخرة ، وذلك أن العدل نظام كل شيء ، فإذا أقيم أمر الدنيا بعدل قامت ، وإن لم يكن لصاحبها في الآخرة من خلاق ، ومتى لم تقم بعدل لم تقم وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يجزى به في الآخرة ، فالنفس فيها داعي الظلم لغيرها بالعلو عليه والحسد له ، والتعدي عليه في حقه ، وداعي الظلم لنفسها بتناول الشهوات القبيحة كالزنا وأكل الخبائث ، فهي قد تظلم من لا يظلمها ، وتؤثر الشهوات وإن لمن تفعلها ، فإذا رأت نظراءها قد ظلموا وتناولوا هذه الشهوات صار داعي هذه الشهوات أو الظلم فيها أعظم بكثير ، وقد تصبر ويهيج ذلك لها من بغض ذلك الغير وحسده وطلب عقابه وزوال الخير عنه ما لم يكن فيها قبل ذلك ، ولها حجة عند نفسها من جهة العقل والدين ، بكون ذلك الغير قد ظلم نفسه والمسلمين ، وأن أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر واجب والجهاد على ذلك من الدين ..... )اهـ
ثم إن ديننا الحنيف دين ترابط ووفاء ، وبر وإخاء ، دعا إلى الترابط والتواصل والألفة وعدم الفرقة ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) فالمسلمون كالجسد الواحد لا تفرق بينهم حدود وهمية ، ولا حواجز مصطنعة ، كمال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد ، إذا اشتكى منه عضوٌ تدعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) متفق على صحته من طريق زكرياء ، عن الشعبي ، عن النعمان بن بشير
وقال رسول الله صلى الله عليه وسليم ( المؤمن للمؤمن كاللبنيان ، يشد بعضه بعضاً) متفق عليه أيضاً من طريق بريد ، عن أبي بردة عن أبي موسى

ومن هذا المبدأ الإسلامي يتحتم علينا أن ننظر في القضية العراقية نظرة تأمل وتفحص بعلم وحكمة ودراسة ، وأن نواسي إخواننا المضطهدين ، ونشاركهم الشعور بآلامهم
وإنه لمن الأمر المرير ، والنباء العظيم ، والجرم الكبير ، ما تقوم به السياسة الأمريكية الغاشمة والتي أسست على الإرهاب والعنف والتطرف ، من قصف وحشي ، على إخواننا العراقيين في العراق ، والتي أهلكوا فيها الحرث والنسل ، وأبادوا الرجال والنساء والشيوخ والأطفال ، بل وحتى الحيوان البهيمي ، بل وحتى اليابس والأخضر ، وقد وصل بهم الأمر إلى منع ألآت التعليم ، وعلى سبيل المثال لا الحصر ، يحظر على أطفال العراق أقلام الرصاص ، والحبر السائل ، والمضغوط ، والألوان المائية والزيتية ، وأوراق الرسم ، والورق اللاصق ، والصمغ ، على أن المعاناة اليومية من وطأة المشاق المعيشية ، والتربوية الناجمة عن الحصار لا تقاس بالمآسي الإنسانية نتيجة التلوث البيئي ، وسوء التغذية ، وانعدام الرعاية الصحية ، وانعدام الدواء ، فالمستشفيات متهالكة ، وتفتقر إلى المعِدَّات الطبِّية والأدوية ، بحيث بات الأطفال يتساقطون كالفَراش .
وكل هذا القتل والتشريد والإبادة لم يكن موجهاً إلى صدام ولا إلى عسكريين بل إلى مدينين عزل لا ناقة لهم فيها ولا جمل ، وصدام وزبانيته آمنون مطمئنون ، لم يكن لهم من الأطنان التي تصب على هؤلاء ولا رصاصة واحدة ، ويؤتى إليه بأشهر النطاسين وأنجع الأدوية ، حتى ولو شاكته شوكة ؟
ويؤكد ما أشرنا إليه دينيس هاليدي مساعد الأمين العام للأمم المتحدة قائلاً (نحن نقتل أطفال العراق والأمين العام تنقصه الشجاعة ، هناك سياسة متعمدة لتدمير شعب العراق)

وطِبقاً لإحصائيات اليونيسيف ، ومنظمة الأغذية والزراعة ، يحصد الحصار أرواح خمسة آلاف طفل عراقي كل شهر ، وإذا وضعنا الوفيات الأخرى بين الراشدين جانبًا، فإن الحصار يتسبب في وفاة ستين ألف طفل كل عام مما يعني نصف مليون على امتداد السنوات التسع الماضية . وهذا الرقم يعادل ثلاثة أضعاف ضحايا قنبلة هيروشيما
إن قتل الإبادة جريمة كبرى ، وبلية عظمى ، وحتى القانون الدولي لا يقره بل يعتبره جريمة ، فقد عرضت اتفاقية بشأن منع جريمة إبادة الجنس والمعاقبة عليه ، للتوقيع بتاريخ 8- صفر 1368هـ ، وأصبحت سارية المفعول بتاريخ 25/7/1380هـ وتجعل المادة رقم 2 من هذه الاتفاقية إبادة الجنس جريمة دولية ، وتلزم الأطراف المتعاقدة بأن تأخذ على عاتقها منعها والمعاقبة عليها
ولكن المشكلة أن منظمة الأمم يسيطر عليها اليهود الأمريكيون ، وسيطرتهم عليها قديمة ولا تحتاج إلى أدلة وبراهين ، إن من بعد منتصف الثمانينات صارت القضية أجلى من الشمس في ضحاها ولا تخفى إلا على العميان ، إن 60% من أعضائها البارزين يهود بل وحتى التمويل لهذه الهيئة كان بنسبة 75% من الدول الكبرى ، وأمريكا وحدها كانت تساهم بثلث الميزانية الإجمالية منذ إنشائها ، وحتى عام1387هـ ، إننا حين نعرف هذا لا نستغرب الحقائق الآتية ، حتى عام 1412هـ ، أصدر مجلس الأمن 69قراراً ضد إسرائيل لم ينفذ منها قرار واحد ، وخلال أزمة البوسنة والهرسك صدر63قراراً ، ولم ينفذ منها قرار واحد ، ومنذ أزمة كشمير عام 1366هـ ، وحتى الآن صدر لصالح كشمير 13قراراً ، ولم ير قرار واحد منها النور ، ولقد انسحبت أمريكا وبريطانيا من منظمة اليونسكو ، والسبب في ذلك أنهما لايقبلان المساواة بالدول الصغرى ! وقال المندوب الأمريكي آنذاك (نحن لم نؤسس الأمم المتحدة واليونسكو من أجل هذه المساواة ! وإذا كنتم مصرين عليها فسنحطمها) هكذا قال وبكل صراحة وشفافية
ولما صدرت بعض القرارات التي لا تخدم السياسة الأمريكية غضبت أمريكا وأصبح لديها قناعة بأن نظام هذه الهيئة يجب أن يتغير وهذا الذي حدث بالفعل مع بداية التسعينات حتى غدت هيئة أمريكية ، تجسد سياستها الخارجية ، وتسوغ هيمنتها ، وذلك تحت غطاء النظام العالمي الجديد ، فبعد إعلان بوش عن النظام العالمي الجديد ، بدأ أثر ذلك يظهر على هيئة الأمم المتحدة إذ استطاعت أمريكا أن تجمع 111صوتاً لإلغاء القرار الذي أصدرته الجمعية العامة في سنة 1394هـ ، والذي اعتبر الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية ، وذلك في الجلسة العامة للجمعية بتاريخ 30/5/1412هـ
والعجيب أنه بدل أن تعمل أمريكا على تنفيذ القرارات رقم 242و338و425 القاضية بالانسحاب من جميع الأراضي المحتلة سنة 1387هـ ، فقد أرسلت عشية المؤتمر رسالة إلى إسرائيل جاء فيها (إن التحديات التي تواجه إسرائيل تتعلق بأمريكا ذاتها ، إننا نعدكم بأن التزامنا بأمن إسرائيل وضرورة التعاون الوثيق بين بلدينا من أجل تحقيق هذه الحاجات من الأمور المستمرة ، وكل من يحاول دق إسفين بيننا في محاولة المس بهذا الالتزام لا يستطيع أن يفهم العلاقات المتينة القائمة بين بلدينا وطبيعة أمن إسرائيل)
إن منظمة الأمم المتحدة تحت وطأة الولايات المتحدة عليها أصبحت منبراً لتسويغ السياسة الأمريكية ، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك فأخذت توسع مجالها لتكون في خدمة المصالح الأمريكية ، والحديث عن العلاقة بين المنظمة والسياسة الأمريكية يطول وليس هو شأننا ومقصودنا في هذا المقال ، ويكفي أن نقول إن هيئة الأمم مجرد خلية تابعة للبنتاجون الأمريكي
إن قَتْلَ العراقيين بإراقة الدماء ودون إراقة الدماء ، أو تقطيع الأوصال ، خدش حياء الرأي العام الأمريكي ، فقد طفح الكيل بسبعين نائبًا في الكونجرس ، فقاموا بالتوقيع على عريضة تطالب الرئيس (بيل كلينتون) - الذي تأخذ إدارته على عاتقها إحكام حصار صارم على العراق - تطالبه بتخفيف العقوبات التي ألحقت ضررًا فادحًا بالشعب العراقي . ونشرت أحد الصحف عن أم رمت بأطفالها من فوق جسر الأئمة في بغداد والسبب في ذلك أنها لربما تراهم يتضورون جوعا وليس لديها ما تطعمهم وفي ظل هذا الوضع اللإنساني، والأخلاقي المشين ، جاءت استقالة (هانز فون سبونيك) المنسق في هيئة الأمم المتحدة للنشاطات الإنسانية في العراق ، كصرخة ضمير احتجاجًا على إبادة أطفال، ونساء، وشيوخ العراق بدم بارد، فهذا الدبلوماسي الألماني المحترف الذي أمضى ثلاثة عقود ونصف في هيئة الأمم المتحدة قال بصراحة في مقابلة مع الجزيرة: إن ما يجري في العراق مأساة حقيقية ، وإنه يرفض أن يكون واحدًا من المسئولين عن هذه المأساة