عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 20-09-2002, 12:32 PM
~~ ظايم الضد ~~ ~~ ظايم الضد ~~ غير متصل
تحت البحث والدراسة
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2002
المشاركات: 693
إفتراضي

ولنعد إلى السؤال:
أين تسكن..؟!!
يجب أن تبدأ بذكر اسم البلد.. القطر.. الوطن..
فإن كنت مشردا لا وطن له.. إن كانوا قد سرقوا وطنك كما حدث في فلسطين والشيشان والفليبين وكشمير و .. و.. و.. فبماذا تجيب.
وبماذا تجيب إن كانوا قد غيروا اسم الوطن، فجعلوه – على سبيل المثال - اسرائيل بدلا من فلسطين، فبماذا تجيب. وبماذا تجيب لو أنهم كانوا قد قسموا الوطن إلى أوطان.. فأصبحت الشام أربعة، والجزيرة عشرة ، وبلاد المسلمين بضعة وخمسين.
وهب أنك تخلصت من هذه العقبة الأولى.. وتريد أن تذكر اسم المدينة.. فماذا تفعل لو أنهم غيروا اسم مدينتك.. وهب أنك تخطيت هذه العقبة أيضا.. فكيف تذكر اسم الشارع ورقم البناية إذا كانوا قد قصفوا مدينتك حتى لم يعد فيها حجر قائما؟! ولا شارع باقيا؟؟!!..
سوف أتوقف عند هذا الافتراض، ومرة أخرى أنبه القارئ إلى أنني أختصر اختصارا مخلا.. لكنني أنبهك، إلى أن السؤال الذي يبدو بسيطا تماما قد تكون الإجابة عنه بالغة الصعوبة حتى الاستحالة، و أريد أن أنبه القارئ أيضا أنني ما ضربت المثل السابق عبثا، و إنما أردت من القارئ أن يقيس عليه، لأن حالتنا الفكرية والثقافية والسياسية لا تختلف عن ذلك المثل، فكل شئ مدمر وكل شئ منهار وكل شئ قد تغير اسمه، ولكى تصل إلى فكرة، أو إلى الإجابة على سؤال فإنك لن تسير في طرق ممهدة، و إنما ستبش بأظافرك بين الأنقاض، لعلك بعد الجهد الجهيد تصل إلى ما تريد. أقول لعلك، ففي وسط هذا الخراب الشامل تزل الأقدام وتضل الأفهام.
هل أطلت؟!
عذرا إذن..!!
ولنعد الآن إلى سؤالك: العلم محايد..
علينا في المتاهة، في الأرض الخراب، بين شظايا التاريخ ومزق الكتب وضلالات الفكر أن نبحث عن الإجابة.. لكن علينا قبل ذلك أن نترجم السؤال.. نعم أن نترجمه.. فالعلم الذي تقصده قد يكون غير العلم الذي أفهمه.. وكذلك الحياد.
نعم.. فقد انتهزوا فرصة الفوضى الشاملة والانهيار الشامل ليغيروا الأسماء.
إذن دعنى أرد على سؤالك بسؤال:
أي علم تقصد؟ العلم بمعناه في القرآن والسنة وقواميسنا العربية، وهو يشمل ضمن ما يشمل العلم في كل الدنيا حتى في الصين، أم أنك تقصد العلم بمفهومه الغربى، علم فرنسيس بيكون وديكارت وهيجل وسبنسر وماركس و دارون؟..
سأجيب عنك – وعنى وعن كل القراء- فقد بلغ بنا الانهيار جميعا أننا حين نقصد العلم لا نقصد إلا مفهومه الغربى.
نقصد المنهج العلمى واليقين الذى لا يتولد إلا بمعرفة الحقيقة بالتجربة والمشاهدة، ذلك المنهج الذى يناقض يقين القلب والحدس والروح، يقين ما وراء الحواس التى لا يمكن إخضاعها للتجربة، يقولون أن المنهج العلمى العلمانى حقيقى لأنه يرى الحقيقة ويجربها .. أما منهج الدين الذى لا يقوم على أى أساس علمى فباطل لأنه كله مبنى على قياس واستقراء..
القضية التى يطرحها أولئك المنهجيون العلمانيون خطأ، لأنها لا تقوم على أسس علمية، ثم أنها تناقض نفسها، إنها لا تنفى وجود أشياء لم تجرب مباشرة كما لا تنفى القياس..
يصرخ "وحيد الدين خان" في كتابه : " الإسلام يتحدى" أن التجربة لا تعد حقيقة لمجرد أنها شوهدت، كما أن القياس ليس باطلا لمجرد أنه قياس..
إن إمكانية الصحة والبطلان موجودة فيهما على حد سواء..
منذ آلاف الأعوام يستعمل الناس السفن الشراعية ويصنعونها من الخشب، كانت الحقيقة العلمية المبنية على المشاهدة تقضى بضرورة ذلك لأنه لن يطفو على الماء إلا ما هو أخف منه، وخرج على الناس من يقول أن السفن ستصنع ذات يوم من الحديد فأنكر الناس مقالته واتخذوه هزوا، اتهموه بالجهل، بالابتعاد عن المنهج العلمى للتفكير، وجاء أحد من يدعون منهج العلم التجريبى فى جمع من الناس لكى يثبت لهم جهل الجاهل الذى ادعى أن الحديد سيطفو، أتى صاحبنا بإناء ضخم و ألقى فيه بنعل من الحديد فغاص، هلل الناس للعالم ونبذوا الجاهل، كانت تجربة علمية رآها الناس بأعينهم، وعلى الرغم من ذلك، كانت التجربة العملية التى شاهدتها العين باطلا لا حقيقة، فقد صنعت السفن بعد ذلك من الحديد فلم تغص فى الماء وطفت، وثبت أن العالم المغرور كان جاهلا رغم تجربته العلمية التى – برغم مشاهدة الناس لها - عبرت عن باطل وخطأ لا يثير الآن سوى سخرية وتفكه..
فى بداية القرن العشرين كنا نملك تليسكوبا ضعيفا راقبنا به الكون، رأيناه، فكان تصورنا عنه بالغ الاختلاف عما رأيناه بعد ذلك بعقود باستعمال تليسكوب قوى.. كانت التجربة تنفى التجربة وتصمها بالزيغ والبطلان.. ويعلم الله ماذا سنرى بعد عشرات العقود الأخرى عندما نكتشف تليسكوبا أقوى..
التجربة والمشاهدة إذن ليستا وسيلتى العلم القطعيتين والعلم لا ينحصر فى الأمور التى شوهدت بالتجربة المباشرة، لقد اخترعنا الكثير من الأدوات للملاحظة الواسعة النطاق وللدراسة، ولكن الأشياء التى نلاحظها بهذه الوسائل كثيرا ما تكون أمورا سطحية ومتغيرة بتغير درجة دقة وتقدم الوسائل التى نلاحظها بها، أما النظريات التى نتوصل إليها بناء على هذه المشاهدات فهى أمور لا سبيل إلى ملاحظتها، والذى يطالع العلم الحديث يجد أن أكثر آرائه تفسير للملاحظات و أن هذه الآراء لم تجرب مباشرة وإنما تم الوصول إليها بالقياس.. ذلك أن بعض الملاحظات يدفع العلماء إلى الإيمان بوجود بعض حقائق لم تثبتها التجربة المباشرة، إن أى عالم من علماء عصرنا لا يجرؤ أن يخطو خطوة علمية واحدة دون الاعتماد على ألفاظ مثل القوة أو الطاقة أو الطبيعة أو الجاذبية أو الإشعاع أو الموجات الكهرومغنطيسية.. لكن أى عالم على ظهر الأرض لم ير مباشرة القوة أو الطاقة أو الطبيعة أو الجاذبية أو الإشعاع أو الموجات الكهرومغنطيسية..!!.. إن هذا العالم لا يستطيع تفسير هذه الألفاظ وما تعنيه إلا بالاستنباط والقياس.. وهى نفس الطريقة التى يصل بها المؤمن إلى الإيمان بالله….!!!! كلاهما قد صاغ كلمات تعبر عن وقائع معلومة لكى يبين عن علل غير معلومة .. كلاهما لا يستطيع أن يرى أو يمسك ما آمن به.. وكلاهما يؤمن إذن بما لم ير.. يؤمن بعلل غير معلومة.. علل غيبية..
أليست تلك هى التهمة التى طالما واجهنا بها المتشدقون بالنهج العلمى الرافضون للغيبيات؟!..
أجل، فى معظم الأحوال لا يرى العالم الحقيقة مباشرة بل يصل إليها بالقياس والاستنباط والاستنتاج. والعلم الحديث لا يجرؤ على الادعاء أن الحقيقة محصورة فيما علمناه من التجربة المباشرة. إن ذرة الهيدروجين عبارة عن نواة تحتوى على بروتون واحد ومدار يدور فيه إليكترون واحد ، تلك حقيقة لا يجرؤ أى واحد من البشر على إنكارها، رغم أن أى واحد من البشر لم يرها قط.. !!.. ولا حتى بأقوى مجهر فى العالم..
يقول الدكتور إليكسيس كاريل: " إن الكون الرياضى شبكة عجيبة من القياسات والفروض، لا تشتمل على شئ غير معادلة الرموز التى تحتوى على مجردات لا سبيل إلى تفسيرها " ..
ويقول الدكتور ا. مانديرا: " إن الوقائع المحسوسة هى أجزاء من حقائق الكون، غير أن هذه الحقائق التى ندركها بالحواس قد تكون جزئية وغير مرتبطة ببعضها البعض، فلو طالعناها منفصلة عن أخواتها فقدت معناها مطلقا، أما إذا درسناها فى ضوء الحقائق الكثيرة التى علمناها مباشرة أو بالاستنباط فإننا سندرك حقيقتها.."
ثم يستطرد مانديرا قائلا: " إننا نرى أن الطير عندما يموت يقع على الأرض، ونعرف أن رفع الحجر على الظهر صعب، ويتطلب جهدا، ونلاحظ أن القمر يدور فى الفلك ، ونعلم أن الصعود إلى الجبل أصعب من النزول منه، ونلاحظ حقائق كثيرة كل يوم لا علاقة لإحداها بالأخرى فى الظاهر، ثم نتعرف على حقيقة استنباطية هى قانون الجاذبية ، وهنا ترتبط جميع هذه الحقائق فنعرف للمرة الأولى أنها كلها مرتبطة إحداها بالأخرى ارتباطا كاملا داخل النظام، وكذلك الحال لو طالعنا الوقائع المحسوسة مجردة فلن نجد بينها أى ترتيب، فهى متفرقة ، غير مترابطة، ولكن حين نربط الوقائع المحسوسة بالحقائق الاستنباطية فسنخرج بصورة منظمة للحقائق "..
إن الجاذبية لا يمكن رؤيتها قطعا، وكل ما شاهده العلماء لا يمثل فى ذاته قانون الجاذبية، و إنما هى أشياء أخرى، اضطروا لأجلها منطقيا أن يؤمنوا بوجود هذا القانون..
إن نيوتن .. مكتشف قانون الجاذبية .. يتحدث عن اكتشافه قائلا: " إنه لأمر غير مفهوم أن نجد مادة لا حياة فيها ولا إحساس وهى تؤثر على مادة أخرى، مع أنه لا توجد أى علاقة بينهما"..
يا قراء ..
هل ينكر منكم أحد قانون الجاذبية؟!..
الجاذبية.. تلك النظرية المعقدة غير المفهومة.. والتى لا يوجد أى سبيل إلى مشاهدتها مباشرة .. نعتبرها اليوم – جميعا – حقيقة علمية بلا جدال..
لماذا ؟!..
لأنها تفسر بعض ملاحظاتنا ..
ليست الحقيقة العلمية إذن هى ما علمناه مباشرة بالتجربة.. بل هى اعتقاد يقينى فى وجود حقيقة لا نراها تربط وتفسر ما نراه..
ماذا تسمون إنسانا لا يؤمن بنظرية الجاذبية..
الحقيقة التى لا نراها ولكنها تربط وتفسر ما نراه ..
ماذا تطلقون على الكافر بها والذى يعلن أنه لن يؤمن بها إلا إذا رآها..
ماذا تطلقون على الأحمق الذى يرفض الربط بين تجلياتها وظواهرها ونتائجها..ويعتبرها غيبا يتنافى الإيمان به مع المنهج العلمى..
أى قدر من الاتهامات الهائلة يمكن أن نواجه به هذا الأحمق الغبى المأفون ..
هل تسمح لى أيها القارئ وهل يغفر لى الله تجاوزى إن أنا استبدلت كلمة الله بكلمة الجاذبية..
***
أعلم أنني أطلت كثيرا..
و أعلم أيضا أن الموضوع يستحق إطالة أكثر بكثير.. فبين الخرائب والمدن المقصوفة والمبانى التى لم يبق فيها حجر على حجر علينا أن نفحص كل حجر.
أعلم أنني قد أطلت.. ولكننى لا أجيب على سؤال بقدر ما أقدم للقارئ منهجا يجيب به على ما يتراءى له من الأسئلة.
***
أعود إلى سؤالك، و أعود إلى سؤالك عن سؤالك: أي علم تقصد.
لقد أثبت لك أن مفهوم العلم المتداول بيننا خاطئ من أساسه.
والآن أريد أن أقول لك أن كل النظريات العلمية الغربية – النظريات لا التطبيقات – قد نتجت من خلفية نظرية ملحدة، أنكرت الغيب كله، وبنت كل افتراضاتها على ذلك، وذلك أمر يطول الحديث فيه، لكننا نؤجله الآن، نؤجله بعد أن اهتز يقيننا بما نعلمه عن العلم.
وننتقل إلى اللفظ التالى: محايد..
و أطمئن القارئ أنني لن أطيل و إنما أسأل: الحياد يكون بين أمرين كما أن الانحياز يكون إلى أي منهما. فما هما الطرفان اللذان تتصور أن العلم يحايد بينهما..
فكر يا أخى قليلا..
فكروا يا قراء في الإجابة..
فمعظمكم لم يخطر له السؤال على بال قط..
هل وجدتم إجابة جاهزة؟ أم لم تجدوا شيئا..
ولكن الإجابة واضحة وجلية..
المقصود هو الحياد بين عالم الغيب وعالم الشهادة..
المقصود هو الحياد بين الإيمان وبين الكفر..
وذلك كذب وخداع.. فكما قلت أن النظريات العلمية الغربية كلها قد بنيت على خلفية نظرية هي الكفر.
***
هل أدركت الآن يا أخى وهل أدركتم يا قراء أن عبارة: حيادية العلم " هي عبارة كاذبة ومخادعة فما هو علم ولا هو محايد..!!
***
تبقى نقطة أخيرة لا نستطيع أن نغادر خرائب الفكر في بلادنا دون أن نتطرق إليها..
لقد كنا وما زلنا في أشد الحاجة إلى التطبيقات العلمية في الغرب دون خلفياتها النظرية، لكننا – للمأساة – اكتفينا باستيراد الخلفيات النظرية دون العلم التطبيقى.
كنا وما زلنا نحتاج إلى علوم الطبيعة والكيمياء والفلك والهندسة والطب والجيولوجيا، كنا وما زلنا نحتاج إلى علوم الذرة والنواة والقنابل الذرية والهيدروجينية والصواريخ وكل ما ندافع به عن وجودنا المهدد وكرامتنا المسحوقة، لكننا تركنا كل ذلك – وهو يمثل حقائق نسبية وجزئية على أي حال- لنستورد منهم ما هو هلاوس وضلال مطلق، استوردنا منهم علوم النفس والاجتماع والسياسة. وكان لدينا منها ما يكفينا وما يكفى العالم.. وكان كل ما لدينا منها صواب وكان كل ما لديهم منها خطأ.
نحن لم نختلف على استيراد علوم و تكنولوجيا الفضاء والذرة والصاروخ والزراعة، نحن اختلفنا وندين بكل ما نملك استيراد علوم ونظريات علم النفس والتطور والاجتماع والعلمانية والحداثة. أليس مأساويا أننا أهملنا تماما الجزء المتعلق بطبيقات حقيقية لعلم حقيقى ورحنا نتشاجر حول نظريات مختلف عليها حتى في بلادها، ومرفوضة تماما من عقيدتنا وديننا.


>> تابع
__________________
عفوا أيها الادارة الحكيمه

لماذا تم ايقافي هل من سبب مقنع؟؟
ام انه خطأ ؟؟

اتمنى ان اجد الرد قريبا...!!!